محمد الشطي
اجتمع وزراء النفط في منظمة أوبك في فيينا في 5 يونيو 2015، واندهش الجميع من السرعة التي تم بها الوصول إلى قرار وبصورة جماعية، بالرغم مما سبق المؤتمر من تصريحات صحفية أوجدت انطباعات بوجود خلافات، ولكن التوافق الجماعي جاء على أساس الاستمرار بالعمل بالسقف الحالي للأوبك عند 30 مليون برميل يوميا وقد احتوى الإعلان عن الدعوة للالتزام بالسقف المقرر.
لا أعتقد بوجود أحد من المراقبين يختلف بأنه بالرغم مما أثير حول قرار أوبك في 27 نوفمبر 2015، إلا أن نتائج القرار أثبتت دور أوبك في السوق النفطية في العالم، وعمق نظرة أوبك لتطورات السوق، وبالتالي وجدنا المؤشر الواضح المتمثل في تعافي أسعار النفط الخام، ولكن لا بد من الإقرار بأن تحقيق إعادة توازن السوق النفطية في بداياته، وأن قرار أوبك في الاستمرار بالعمل في السقف الإنتاجي الحالي يصب في دائرة سياسة نجحت وتحتاج الى وقت أطول لتأكيد نجاحها وأن أي تغيير سواء بالزيادة أو النقصان لن يقدم المؤشرات للسوق أو يسهم في تحقيق التوازن.
تشير التوقعات أن السوق يحتاج إلى ارتفاع في نفط أوبك خلال الربع الثالث على الأقل مع عودة المصافي للعمل وتحسن الطلب، خصوصا إذا ما اعتبرنا أن الفائض في السوق هو في النفط الفائق النوعية وهو لا يمثل غالب إنتاج أوبك بل إن دولاً بعينها تنتج النفط الخفيف الفائق النوعية في الأوبك مثل ليبيا يعاني الإنتاج فيها بسبب الحالة السياسية فيها، بينما هناك تراجع في المعروض من النفط الثقيل والمتوسط في السوق وهو ما يمثل غالب إنتاج الأوبك حيث تمتلك المصافي الجديدة قدرات تحويلية وتكسيرية عالية وتحتاج لتلك النفوط خصوصاً في آسيا والولايات المتحدة الأميركية.
ولذلك وجدنا حصة النفوط من خليجنا العربي تحافظ على تواجدها في السوق الأميركية ولا تتأثر إلا بشكل طفيف بل وجدنا دولاً مثل فنزويلا تستورد النفط الخفيف الجزائري وتخلطه مع النفط الفنزويلي الثقيل بقصد تسويقه ورفع حصة مبيعاتها في السوق الأمريكية حيث يتأكد الطلب هناك، وعلى صعيد الأسواق الآسيوية فقد نجحت العديد من البلدان الأعضاء في أوبك في خليجنا العربي برفع قدراتها الإنتاجية من النفط الخام وزيادة حصة مبيعاتها للأسواق الآسيوية الواعدة، بل وبأسعار عالية نسبيا قلصت في الفروقات ما بين النفط الخفيف والثقيل لمصلحة النفوط المتوسطة والثقيلة وبالتالي بالرغم من ضعف الأسعار نسبيا الا أن النفوط المتوسطة والثقيلة استطاعت ان تكتسب علاوات افضل تمثل عوائد افضل لبلداننا في خليجنا العربي.
وأعتقد أنه أصبح واضحا أن هناك فائضاً من النفط الخفيف الفائق النوعية لا يتماشى مع حجم ما تريده وتحتاجه المصافي، ولذلك فإن هذا التطور أسهم في دعم السوق النفطية خلال الأشهر الماضية ومن المتوقع أن يستمر.
كذلك مع خفض الشركات النفطية للإنفاق الاستثماري ومخاوف من تأثير إنتاج النفط سواء الصخري او المعروض في المستقبل فإن هذا عاملاً أيضا يحتاج إلى التريث والاستمرار بالعمل في قرار أوبك الحالي، واعتقد ان سكرتارية أوبك تظل تراقب السوق وتطوراتها من أجل تبني قرار لمصلحة السوق.
كما يجب التذكير بأنه بالرغم من مخاوف من الدخول في حرب أسعار لمصلحة الزبون وتقليل الإيرادات في أجواء يشتد فيها التنافس الا أن الواقع أثبت عكس ذلك تماما فإنك التنافس لم يبلغ تلك الدرجة بل إن العديد من الأسواق الواعدة في السوق من أجل الحصول على كميات إضافيه من النفط الخام وهو يثبت بأنه فعلياً فإن الزيادة في الطلب على النفط الخام في آسيا بدأت تستوعب الزيادات من المعروض فقد وصل إنتاج أوبك خلال شهر مايو 2015 عند 31 مليون برميل يوميا ومازالت الأسعار عند مستويات متعافية ومقبولة نسبيا لصالح توازن السوق ولم يسجل ارتفاع كبير في المخزون بالرغم من تقديرات الصناعة والتي يضع بعضها بناء المخزون خلال النصف الأول عند 2.4 مليون برميل يوميا ولو كان ذلك حقيقة لوجدنا تأثيره في السوق على الأسعار لأن أي نفط إضافي يشكل ضغوطا على مستويات أسعار النفط.
هذه المؤشرات في جملتها تؤكد مصداقية وصواب قرار منظمة الأوبك في 5 يونيو 2015 بالاستمرار بالعمل في السقف الإنتاجي عند 30 مليون برميل يومياً خصوصاً في ظل ظروف ارتفاع وتيرة التصعيد في العوامل الجيوسياسية، والتي يقل تأثيرها بسبب كفاية الامدادات في سوق النفط.
ورغم التفاؤل في قرار أوبك الأخير الا ان تعديل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي لتوقعاتها لمعدل نمو الاقتصاد العالمي ليكون 3.1% خلال عام 2015 يعتبر عاملاً مهماً قد يؤثر سلبا في معدل النمو الطلب العالمي على النفط، وطبعاً سيتم متابعته من قبل المراقبين، أضف الى ذلك قوة قيمة الدولار الأمريكي، بالإضافة الى عودة النفط الإيراني للسوق النفطية وحجمه وتوقيت عودته وتعامل بقية المنتجين مع عودة النفط الإيراني للسوق والتي رحب فيها أعضاء منظمة الأوبك متى ما حصلت، وكان تصريح النعيمي بهذا الشأن يؤكد التفاؤل وعدم الخوف.
كما يعتقد المراقبين أن سياسة أوبك في المحافظة وحماية أسواقها وحصصها في السوق قد يعني استمرار كفاية الامدادات في السوق وبقاء أسعار النفط حول مستويات تضمن استمرار كفاية الإمدادات وتحفيز الطلب العالمي على النفط خلال السنوات القادمة، ولعل الفائدة في ذلك من الصعوبة استهداف رقم بعينه ولكن استمرار الأسعار عند مستويات بعينها لفترة طويلة من دون تذبذب أو تقلب يعني بلوغ السوق الي المستوى العادل وهو أمر يجب متابعته، فالأمر الآن متروك للسوق ، كذلك من الفوائد تحفيز البحث والتطوير للاستفادة من التكنولوجيا في خفض تكاليف الإنتاج ورفع كفاءة استخدام الطاقة، ومتابعة نجاح الشركات العالمية والخدماتية للاستمرار في تحقيق أرباح في أجواء أسعار تدور ما بين 55 – 65 دولار للبرميل لنفط خام الإشارة برنت، وبالرغم من الحديث عن خفض تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة الامريكية ، الا اننا لا نجد مثل هذا الحديث يتم التعبير عنه في خليجنا العربي بصورة واضحة ولكن الأجواء يمكن استغلالها للضغط على الشركات العالمية بأنواعها على نقل الخبرات في هذا المجال في اطار المصالح المشتركة، ولعل الخاسر في أجواء الأسعار الحالية هو الغاز الطبيعي لارتباط أسعاره بأسعار النفط الخام ولتوقعات ارتفاع المعروض في السوق مما يشجع على تنامي السوق الفورية وزيادة الاعتماد على المعروض في السوق الفورية.