أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث كان يتوقع أن تتحسن مؤشرات الاقتصاد التركي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي، ولكن نظراً للنتائج المعلنة والتي لم تمكّن حزباً بمفرده من الأحزاب المتنافسة على تشكيل حكومة، واستبعاد الاحتمالات الخاصة بتكوين حكومة ائتلافية، فإن حالة الترقب الإيجابية انقلبت إلى عكسها، حيث هوت البورصة التركية بوتيرة متسارعة، وفقدت الليرة التركية نحو 5% من قيمتها أمام الدولار في يوم واحد.
الساعات المقبلة سوف تضع تركيا أمام سيناريوهات مختلفة، ولكن في مجملها لن تكون تداعياتها الاقتصادية إيجابية، إذ يبقى كل شيء أسير ما ستسفر عنه التوجهات السياسية للأحزاب التركية، هل سينجح حزب العدالة والتنمية في عقد تحالف مع أحد أحزاب المعارضة وتكوين حكومة ائتلافية؟ هل ستنجح أحزاب المعارضة في تكوين حكومة أقلية؟ هل ستتولى الأمور حكومة تكنوقراط لحين إجراء انتخابات مبكرة.
كل السيناريوهات السياسية واردة، ولكل منها تكلفته الاقتصادية التي ستدفعها تركيا كدولة، وبلا شك يدفعها المواطن التركي في محيط اهتماماته الشخصية ومستوى معيشته.
شهور عجاف
ويتوقع الباحث المتخصص في الشؤون التركية، محمد زاهد غول، أن تمر تركيا خلال الفترة المقبلة بشهور عجاف على الصعيد الاقتصادي، قد تطول أو تقصر هذه الشهور حسب ما ستؤول إليه المسارات السياسية للأحزاب التركية.
لكن غول يرى، في مقابلة مع “العربي الجديد”، أنه على صعيد الحكومة سوف يتم توقف العديد من الاستثمارات الخاصة بالدولة، وكذلك العطاءات العامة التي تطرحها الحكومة، والتي تشكل جانباً مهماً من النشاط الاقتصادي القومي.
وبالطبع فإن للمواطن التركي حظاً في في هذه الموجة، إذ من المتوقع أن يتأثر الأفراد بشكل كبير، بسبب تراجع قيمة العملة، واحتمالات تزايد معدلات البطالة، مما يعني تعرض الأسر لمستويات معيشة أصعب مما هي عليه الآن. ويشير غول إلى أن 70% من الشعب التركي مدينون بقروض للمصارف المحلية، وهي مديونية تتجاوز في إجماليها نحو 400 مليار ليرة تركية (144.4 مليار دولار)، وتعثّر الحياة الاقتصادية سيكون سلبياً في إمكانية قدرة هؤلاء الأشخاص في سداد مديونيتهم، أو التأخر في السداد وما يترتب عليه من زيادة تكلفة التمويل.
ومن ناحية أخرى، سوف تتراجع شريحة كبيرة من الأفراد عن الإقدام على الحصول من المصارف على قروض جديدة، كما ستراجع المصارف شروط إقراض الأفراد لوضع مزيد من الشروط. ويتوقع نتيجة للأوضاع التي ستحكم علاقة الأفراد بالمصارف، وتراجع قدراتهم على الاقتراض والسداد، سوف تشهد معدلات الاستهلاك أداء سلبياً، وبالتالي إمكانية الدخول في دورة من الركود بالاقتصاد التركي.
ويدلل غول على تراجع الاقتصاد التركي خلال الفترة المقبلة، بما سيتخذه رجال الأعمال من توقف لاستثماراتهم، ترقباً للوضع السياسي غير المتوقع أبعاده خلال الفترة القادمة. ويرى، أن سلوك رجال الأعمال في هذه الفترة طبيعي، “فرأس المال جبان”.
وحول مدى تأثير تراجع الليرة على المقدرات الاقتصادية، قال غول، إن التراجع سوف ينعكس على مستوى معيشة الأفراد سلباً بينما على صعيد الصادرات فسوف تشهد تحسناً كبيراً نظراً لبنية الاقتصاد التركية الإنتاجية الكبيرة، والتي تجعل الشركات التركية في وضع تنافسي في السوق الدولية، مما يمكنها من زيادة صادراتها.
ويتفاءل غول، كثيراً، بموسم السياحة هذا العام، ولا يرى أي تأثير للأحداث السياسية على تدفق السائحين على تركيا خلال الفترة المقبلة.
آثار محدودة
في المقابل، يرى الباحث في الشؤون التركية، أحمد يوسف، في مقابلة مع “العربي الجديد”، أن الانخفاض الحادث في البورصة التركية والعملة المحلية ردُّ فعل طبيعي لنتيجة الانتخابات البرلمانية، ويتوقع يوسف أن تستمر تراجعات البورصة والعملة خلال الأيام القادمة، لحين الوصول لنتائج ومسارات محددة للمشهد السياسي.
ولا يتوقع يوسف أن تنهار العملة التركية، وأن أقصى ما يمكن حدوثه هو وصول الدولار لما يعادل 3 ليرات، وأن الليرة قد تعود سريعاً إلى مستوياتها الحالية (سعر الدولار 2.77 ليرة) في حال الوصول للاستقرار السياسي.
وحول دور رجال الأعمال في النتيجة التي آلت إليها انتخابات تركيا، وهل تخلى رجال الأعمال عن حزب العدالة والتنمية؟ قال يوسف إن التغيرات الحادثة في نتائج الانتخابات البرلمانية لا ترجع لأبعاد اقتصادية، ولكنها بالدرجة الأولى ترجع لأسباب تتعلق بالأقلية الكردية، والحركة القومية التركية، ولا بد من الأخذ في الاعتبار بأن حزب العدالة والتنمية حل بالمرتبة الأولى، وأنه يمتلك قاعدة كبيرة من رجال الأعمال الذين يدعمونه، وأنهم على استعداد تام باستكمال دعمهم لحين عودة الحزب للسلطة.
ويشير يوسف إلى أن أكبر إنجازات العدالة والتنمية على مدار ثلاثة عشر عاماً هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، والانتقال بالاقتصاد التركي من مقومات اقتصادٍ نامٍ إلى مقومات اقتصاديات دولة صاعدة اقتصادياً.
ويضيف بأن التجربة السياسية لتركيا قبل تولي حزب العدالة والتنمية السلطة كان لها تداعياتها السلبية على الوضع الاقتصادي، ولا يتوقع أن يتقبل المجتمع التركي العودة مرة أخرى لأوضاع اقتصادية مماثلة لما كان عليه الوضع قبل وصول العدالة والتنمية.
ويؤكد الباحثان، غول ويوسف، على أن نتائج الانتخابات التركية، وما ستؤدي إليه من تداعيات اقتصادية ستجعل المواطن التركي يشعر بشيء من الندم، لما قد يتعرض له الاقتصاد من حالة تراجع في العديد من المؤشرات، أبسطها ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع حركة الاستثمارات.
(الدولار الأميركي = 2.77 ليرة تركية)