لوحظ ان اي صوت سياسي في قوى “14 آذار” خصوصاً، لم يُثِر معارضته او انتقاده للزيارة التي بدأها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لدمشق ، في ما تعتبره مصادر سياسية بارزة قريبة من هذه القوى اقتناعاً بعدم جدوى التسبب بأيّ مشكلة جديدة مع البطريرك، ولا سيما في هذه الظروف المعقّدة التي يجتازها البلد، والتي تشهد أزمات أكبر وأكثر إثارة للاهتمام.
وتذكر هذه المصادر لصحيفة “الراي” الكويتية ان “الواقع المسيحي لا يحتمل خضّة اضافية، وخصوصاً وسط معالم التهدئة التي شاعت عقب صدور إعلان النيات بين فريقي (التيار الوطني الحر) بزعامة ميشال عون و(القوات اللبنانية) بقيادة سمير جعجع، والذي كان باركه الراعي خلال تسلّمه نصّه من موفديْن للفريقيْن السبت الماضي، واعتبره (هدية للمسيحيين)، قبل ان يكرر الإشادة به أمس، في عظة الأحد، قبيل انتقاله الى دمشق”، واصفاً إياه بأنه «خطوة فتحت آمالا جديدة في شد أواصر الوحدة الداخلية، وأيقظت انتظارات انفراج، وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت”، لافتاً الى ان “الإعلان المشترك (ركز على) التمسّك بنهج الحوار والدستور ووثيقة الوفاق الوطني والديموقراطية، ولذا نأمل من جميع الجهات الداخلية والخارجية الإسراع في التطبيق”، ومؤكداً ان “القاعدة الاساسية في كل هذه الأمور تبقى مصلحة الدولة والوطن، وإذا احتُرمت هذه القاعدة لا يقع رجال السياسة وكتلهم النيابية في تجربة (شد الحبال) والتلذّذ في تعطيل المؤسسات وتعذيب الشعب وكأننا في حالة من السادية السياسية”.
ومع ان غالبية القوى المسيحية الأخرى لا تزال تنظر بعين الشكك الى اختبار هذه الخطوة بين عون وجعجع، لكنها تعاملت معها بايجابية، من ناحية إراحة الموقف المسيحي على الأقلّ، ولو انها تطرح تساؤلات وشكوكاً حول النقطة المركزية في الاختبار العوني – القوّاتي المتصلة بأزمة الفراغ الرئاسي.
أما في ما يتعلق بزيارة الراعي لدمشق، فتعترف نفس المصادر بأن «كثيرين لا يبدون اقتناعاً بأنها تشكّل خطوة جيّدة، بل لا يَرون فيها اي ضرورة فعلية، كونها ستشكّل في النهاية ما يُحسب انها زيارة لمصلحة النظام السوري، الذي تولّت قوى أمنه حماية موكب البطريرك، ولو ان الأخير لن يقابل في دمشق اي مسؤول سوري. كما أنها تأتي في اللحظة التي بدأ معها العد العكسي لانهيار النظام، بما يفاقم من رسم علامات الاستفهام والشكوك حول جدوى اي قمة مسيحية روحية تُعقد في دمشق ومدى خدمتها لواقع المسيحيين في سورية، كما برّرت الزيارة”.
وتخشى المصادر ان “يكون القادة الدينيون للطوائف المسيحية الذين سيشاركون في القمة المسيحية اليوم في دمشق، بعيدين عن الوقائع الحقيقية والدقيقة لمجريات الحرب السورية، التي بات يتوجّب معها على المسيحيين ان يرسموا إستراتيجيات إنقاذ المسيحيين في سورية بمعزل عن اي إيحاء بأنهم يربطون مصيرهم بمصير نظام الرئيس بشار الأسد. ولذا تبدو القمة المسيحية هذه لبطاركة الشرق أكثر من ضرورية وملحّة، ولكن في غير المكان الذي تُعقد فيه، ومن دون الإيحاءات التي تتركها»، وهو الأمر الذي ترى المصادر انه «كان على البطريرك الراعي تحديداً مراعاته باعتبار ان ما ينطبق على بطاركة سوريين لا ينسحب عليه”.
في مقابل ذلك، تطرح أوساط سياسية موضوع انعقاد القمة المسيحية في دمشق من منظار أوسع متّصل باقتراب الحرب السورية من مفاصل إستراتيجية بالغة الخطورة، اي استشعار القادة الدينيين المسيحيين دون خطر التقسيم الواقعي في سورية تحديداً. ذلك ان معركة جرود عرسال والاستعجال الواضح لدى “حزب الله” والنظام السوري لحسْمها، باتا عنواناً أساسياً من عناوين مجريات محاولات تحصين مناطق حماية النظام وما تبقّى من خطوط التقسيم الزاحف بقوة على سورية.
وتفيد هذه الأوساط بأن “المسيحيين كما الأقليات الأخرى – بمن فيهم الدروز- باتوا بين فكّيْ الكماشة الشديدة الخطورة على مصيرهم. ومثلما يسعى الزعماء الدروز اللبنانيون – وفي مقدّمهم النائب وليد جنبلاط – الى محاولة حماية الدروز في سورية ومنْع تَمدُّد الأخطار عليهم في لبنان، يسعى القادة الدينيون المسيحيون الى تلمُّس الطرق الممكنة لتجنيب المسيحيين وما تبقى منهم في سورية، كأساً قاتلة كتلك التي تجرّعها مسيحيو العراق. لكن المحاذير هنا ان غالبية الصورة تُبرِز المسيحيين الى جانب النظام السوري، مع ما يشكّله ذلك من مزيد من تعريضهم لخطر الجهات الاصولية المتطرفة”.
وتلفت نفس الأوساط في هذا السياق، الى ان “الفاتيكان ليس بعيداً عن محاولات البطاركة الشرقيين لتحييد المسيحيين، وإلا لما كان البطريرك الراعي زار دمشق ثانية، ولكن ذلك لا يمنع التساؤلات المتكاثرة عما اذا كانت القوى الدولية والإقليمية النافذة تسمع صوت الفاتيكان، وتالياً بطاركة الشرق، فيما ترسم مجريات المعارك في سورية مساراً لا يبدو ممكناً معه ضمان اي حماية للأقليات”.