هلا صغبيني
قبل الربيع العربي، كانت عملية الحصول على تمويل (access to finance) في الوطن العربي متدنية جداً. فمن أصل 185 بلداً، كانت سوريا في المرتبة 165 والعراق في المرتبة 180، ثم ليبيا واليمن في المرتبتين الأخيرتين.
هذه الاحصاءات التي نشرتها مؤسسة التمويل الدولية مؤخراً والتي عرضت في القمة المصرفية العربية الدولية التي ينظمها اتحاد المصارف العربية في بودابست، تؤكد أهمية الوصول الى تمويل بهدف الابتعاد عن أعمال التطرف من أجل المال من جهة، وخلق وظائف جديدة وتقليص البطالة والحد من الفقر، من جهة أخرى مما من شأنه أن يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
وأكثر من ذلك، فإن دراسات عدة وضعت عام 2014، أظهرت أن هناك نحو 50 في المئة من البالغين او نحو ملياري شخص لا يملكون حسابات مصرفية، معظمهم يعيش في البلدان المتطورة في جنوب آسيا وفي بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن هنا، فان فرص توسيع الاشتمال المالي او الشمول المالي كما عرفته القمة، في البلدان العربية كبيرة وخصوصاً بين النساء والفقراء. «الفقراء الذين لا يجب أن ننساهم أبداً حين وضع السياسات» كما قال المسؤول في الاحتياط الفيديرالي او المصرف المركزي الأميركي سركيس يوغورجيان.
القمة المصرفية العربية الدولية التي افتتحها رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان تتناول موضوعاً يزداد اهمية في العالم وهي تحمل عنوان «الشمول المالي من اجل التنمية الاجتماعية والاستقرار». وكان لافتاً الاهتمام الرسمي الهنغاري بانعقاد القمة، والرسائل التي بعثها الجانب الهنغاري بهدف جذب الاستثمارات العربية الى هنغاريا، والصراحة في التعبير عن مكامن قوة الاقتصاد الهنغاري وضعفه. وكانت مسألة التسويق لهنغاريا التي قادها رئيس الوزراء الهنغاري ووزير خارجيته الذي يحمل أيضاً حقيبة التجارة، مثار إعجاب من قبل الحاضرين، ومن بينهم وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كانت له لقاءات عدة مع مسؤولين هنغاريين هنا.
في افتتاح القمة، كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان حاضراً من خلال استحضار رئيس اتحاد المصارف العربية محمد بركات موقف له في مسألة الشمول المالي، حين قال في عام 2003: «الحقيقة القاسية هي أن معظم فقراء العالم لا يزالون يفتقرون إلى الخدمات المالية الأساسية والمستدامة، سواء كان الادخار او الائتمان او التأمين. والتحدي الأكبر أمامنا يكمن في معالجة المعوقات التي تمنع الناس من المشاركة الفعالة في القطاع المالي. لذا، فإنه واجب علينا أن نبني قطاعات مالية شاملة تساعد على تحسين حياة الأفراد ورفع مستوى معيشتهم». ويقصد أنان بقطاعات مالية شاملة ما بات يعرف اليوم بالشمول المالي، كما أوضح بركات«.
الشمول المالي يُعنى بتقديم الخدمات المالية بتكاليف معقولة الى ذوي شرائح الدخل المنخفض في المجتمع، على عكس الإقصاء المالي الذي يستثني هذه الشرائح باعتبار أن الوصول المطلق الى السلع والخدمات العامة هو شرط أساسي لقيام مجتمع منفتح وفعّال. يقول بركات إن إشراك الناس في القطاع المالي الرسمي لا يؤدي الى تحسين معيشتهم فحسب إنما سيسهم أيضاً في سلامة الأنظمة المالية ذاتها، إذ إن الأزمة المالية العالمية الأخيرة ألقت الضوء على هشاشة الأنظمة المالية وأهمية الربط بين الشمول المالي والاستقرار والنزاهة وحماية المستهلك.
وإذ نوه بركات بوجود فرص اقتصادية كبيرة بإمكانية الوصول الى الخدمات المالية، رأى أن المنطقة العربية تحتاج من أجل توفير فرص العمل وزيادة مستويات المعيشة، إلى أن تنمو بشكل أسرع مما كانت عليه على مدى العقود الماضية، متوقعاً أن تساهم زيادة فرص الحصول على التمويل في سد فجوة النمو هذه.
ونبّه بركات إلى أن المنطقة العربية لا تزال دون المستوى المطلوب على صعيد الشمول المالي على المستوى العالمي، حيث إن نسبة 18 في المئة فقط من السكان في المنطقة العربية لديها حساب مع مؤسسة مالية، مقارنة بـ43 في المئة بالنسبة الى البلدان النامية ككل، ومقابل 24 في المئة في دول افريقيا جنوب الصحراء.
والنسبة اللافتة التي اشار اليها كل من بركات، والرئيس الفخري لاتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عدنان القصار، فهي أن 8 في المئة فقط من إجمالي القروض المصرفية تذهب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر محرك نمو القطاع الخاص وخلق فرص عمل. وهو «ما يؤكد أهمية الموضوع الذي تناقشه القمة وأهمية التعلم من التجارب الناجحة في هذا المجال». يقول القصار الذي دعا المصارف العربية الى أن تتأقلم مع الواقع الجديد الذي يتطلّب منها دوراً أكثر شأناً وريادة في تمويل التنمية.
فما المطلوب إذاً لتحسين نسب الشمول المالي؟ يعددها بركات بالآتي: تطوير البنية التحتية المالية، ووضع إطار تشريعي وواضح للمؤسسات المالية غير المصرفية، وتشجيع المنافسة الحقيقية في الأسواق المالية والمصرفية، والعمل على توزيع المنتجات والخدمات المالية المتخصصة، ودعم حصول المرأة على التمويل.
وبحسب دراسة وضعتها مؤسسة التمويل، فقد بلغ عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في المنطقة العربية ما بين 19 مليوناً الى 23 مليون مؤسسة تعمل في القطاعين العام والخاص.
رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه، قال: «إننا مطالبون اليوم باتخاد خطوات كبيرة لمواجهة تحديات جمة لا سيما الفقر والبطالة وعدم التوعية»، لا سيما التثقيف المالي. اضاف ان العديد من الدول العربية تمر اليوم بصعوبات كبيرة وموجعة وتواجه مشكلات عميقة كالبطالة والفقر والإقصاء المالي، وان مواجهة هذه التحديات يكون بالتعليم والشمول المالي، وهما عنصران أساسيان في التنمية المستدامة والنمو.
وهو أيضاً ما ركز عليه المستشار في بنك لبنان والمهجر العضو السابق في لجنة الرقابة على المصارف في لبنان امين عواد الذي عدد 3 خطوات من اجل الوصول الى الشمول المالي: التوعية المالية والتمويل المايكرو، وحماية المستهلك او العميل.
ويقول عواد ان الشمول المالي يؤدي الى نمو اقتصادي واستقرار اجتماعي من خلال تسهيل الحصول على تمويل الى الذين لا قدرة لهم على الحصول عليه بالوسائل العادية، وهذا من شأنه ان يحول جزءاً من الناس من عاطلين عن العمل الى فئة العاملين. وعرض عواد الى تجربة انشاء مؤسسة في بنغلادش للتمويل الصغير من قبل محمد يونس والتي كانت لها ردود فعل ايجابية على مستوى تقليص الفقر وخلق وظائف جديدة.
كبير استراتيجيي مصرف «بنك ميد» مازن سويد شدّد من جهته على وجوب ان يكون استقرار مالي مستدام، وهو امر اعتبره بأهمية الشمول المالي.
أما يوغوردجيان فقد ركز على الفقراء وكيفية مساعدتهم داعياً الى التقليل من المخاطر لتأمين التمويل لمن ليست لهم القدرة على ذلك. وحض على إنشاء مصارف أصغر من تلك القائمة اليوم من أجل ذلك.
وكان رئيس الوزراء الهنغاري افتتح القمة بالحديث عن أهمية السياحة في هنغاريا ونموها السنوي البالغ بين 8 في المئة وعشرة في المئة. وتحدّث أيضاً عن الصناعات التي تتمتع بها هنغاريا والتي يمكن ان تفيد العالم العربي.
اما وزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر شيجارتو فقال إن بلاده باتت تستخدم السياسة الخارجية من أجل تعزيز اقتصادها وأنها مصممة على العمل من أجل جذب الاستثمارات.