وضع معهد راند الأميركي دراسة بالأرقام للتكاليف الاقتصادية المترتبة على خمسة حلول ممكنة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لكن يبدو أن طرفي الصراع غير مهتمين بما تطرحه من مكاسب حتى الآن.
الحرب مكلفة، والسلم مكلف أيضًا. هذا ما حاول معهد راند الأميركي دراسته حين انكب باحثوه لمعرفة كلفة أي حل مفترض للصراع العربي الاسرائيلي، بمساعدة خبراء واقتصاديين من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ثمة خمسة سيناريوهات للحل، هي حل الدولتين، وحل انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وحل انسحاب إسرائيلي بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وحل مقاومة فلسطينية غير عنيفة، وأخيرًا اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة.
ثمن السلام
تناول الاعلام العربي والعالمي هذه الدراسة بمزيد من الاهتمام، خصوصًا أن تكلفة أي من هذه الحلول، إن تمّ، يقع على عاتق الدول المانحة، التي ستضطر لدفع الأموال للسلطة الفلسطينية وإسرائيل. فبحسب الدراسة، تتوقع إسرائيل الحصول على زهاء 123 مليار دولار حتى العام 2024، على شكل زيادة في الاستثمارات والتجارة والسياحة، وتراجع عامل الاستثمار في الأراضي المحتلة مع توجيه الأموال للنمو داخل الخط الأخضر. بينما يؤدي جمود مباحثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلى ناتج محلي
إجمالي إسرائيلي في 2024 بحدود 439 مليار دولار، مقابل 295 مليارًا في العام 2014. أما سلام بحل الدولتين فيرفع الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي في 2024 إلى حدود 462 مليار دولار، أي بفارق 23 مليار دولار.
من الجانب الفلسطينين يزيد الناتج المحلي الاجمالي في أراضي السلطة الفلسطينية 8,8 مليارات دولار في العام 2024. فالناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني في العام 2014 يقف عند عتبة 13,9 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل في العام 2024 إلى 19,9 مليار دولار إن استمر الجمود، وإلى 28,7 مليار دولار مع إقرار حل الدولتين.
ثمن العنف
في المقابل، تحسب دراسة معهد راند كلفة تجدد العنف في غزة وتوسّعه إلى الضفة ومشاركة جهات خارجية فيه، كاندلاع انتفاضة ثالثة ترافقها عمليات خارجية من قبل حزب الله. إن حصل هذا، بحسب خبراء راند، يتضاءل ناتج إسرائيل المحلي الإجمالي 10% في العام 2024، ويتراجع إلى 395 مليار دولار، مع توقع خسارة إجمالية كبيرة بقيمة 250 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، خلال السنوات العشر المقبلة.
أما في الجانب الفلسطيني، إنتفاضة ثالثة تسحب الاقتصاد الفلسطيني إلى قاع جديد، إذ يكون الناتج المحلي الإجمالي 12,6 مليار دولار في العام 2024، أي أقل بزهاء 7,3 مليارات دولار، منخفضًا بنسبة 37% مقارنة مع استمرار الجمود الراهن.
تقول دراسة راند المستفيضة إن انتفاضة فلسطينية ثالثة سترفع نفقات الأمن في إسرائيل 9% في ثلاث سنوات من الصراع، وستقلّص التجارة مع الفلسطينيين بنسبة 15%، كما ستوقف تشغيل الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية، وستخفّض الاستثمارات في إسرائيل بنسبة 20%، وستقلص السياحة بنسبة 25%، وتخفض نسب النموّ في سوق العمل بنسبة 50%.
أما في الأراضي الفلسطينية، فانتفاضة ثالثة ستضرب أسواق رأس المال وتضعها تحت خسارة فادحة تصل قيمتها إلى 1,5 مليار دولار، كما ستخفض أسعار الخدمات المصرفية والاستشفائية 50%.
ثمن الانسحاب
بحسب راند، انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية يعيد 60 ألف مستوطن إلى حدود الخط الأخضر، ويبقي في الضفة مستوطنات كبرى قرب هذا الخط، ويبقي الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بحدود 439 مليار دولار في 2024، مماثلًا للناتج إذا استمر الجمود الحالي، بينما يرفع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى 21,5 مليار دولار، أي أكثر بـ 1,6 مليار دولار منه إذا استمر الجمود الحالي.
كما يتضاءل الإنفاق الحكومي الإسرائيلي على المستوطنات 10% سنويًا، وترتفع نسبة السياح القادمين إلى إسرائيل 5%، وتزداد التجارة مع الفلسطينيين 5%، وتفتح المعابر في الضفة وتختفي تكاليف العبور، وتنخفض تكاليف الحواجز التجارية 10%، ويتوسع تدفّق الاستثمارات إلى البنى التحتية الحكومية والخاصة.
أما الانسحاب من دون تنسيق مع الفلسطينيين فيرفع الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي إلى 436 مليار دولار في 2014، أي أقل بـ 3,5 مليارات دولار من الناتج المحلي مع استمرار الجمود الحالي، ويرفع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى 19,9 مليار دولار، مماثلًا له إن استمر الجمود، لكن ترتفع تكاليف الأمن 2%، وتنخفض نفقات الحكومة الاسرائيلية على المستوطنات 5% سنويًا، وتتضاءل الاستثمارات 5% وتتراجع السياحة 5%، ولا تحصل إسرائيل على تمويل دولي لإسكان المستوطنين داخل الخطّ الأخضر، بينما تسيطر السلطة الفلسطينية على نصف المساحة التي تخليها إسرائيل وتحصل على نصف التمويل الاستثماري المطلوب.
ثمن المقاومة غير العنيفة
ودرس معهد راند سيناريو مقاومة فلسطينية غير عنيفة بتوجه السلطة إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، مع تفعيل حملة مقاطعة إسرائيل. هذا الخيار يرفع الناتج الإجمالي المحلي الإسرائيلي إلى 424 مليار دولار في 2024، أقل بنحو 3.4% من استمرار الجمود، ويرفع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى 17,7 مليار دولار، أقل بنحو ملياري دولار من استمرار الجمود. لكن تواجه إسرائيل حينها انخفاضًا بنسبة 10% في الاستثمارات، وبنسبة 2% في الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة المقاطعة، كما يتضاءل عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل بنحو 30 ألفًا.
نيات حسنة
ونقلت نيويورك تايمز عن تشارلز ريس، نائب رئيس معهد راند وواحد من المشرفين على التقرير، قوله: “سيقت هذه الدراسة لإثبات أن ثمة أموالًا متوافرة ومكاسب من السلام لا يدرك الناس كم هي كبيرة”.
وبالرغم من الجهود الكبيرة في احتساب أثمان سيناريوهات الحلول للصراع العربي الاسرائيلي الطويل، يبقى هذا الأمر أبعد مما يمكن أن تبينه الأرقام. فالصحيفة نفسها تنسب إلى الاقتصادي الاسرائيلي مانويل تراشتنبيرغ، الذي امتنع عن المشاركة في دراسة معهد راند، قوله: “من الخطأ أن تعتقد أنه يمكن التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وكأنه معادلة رياضية يمكن حلها، ثم المضي قدمًا في تنفيذها، فالمال يمكن اقتسامه، لكن عندما يتعلق الأمر بالحقوق، فهذا أصعب بكثير، لأن المحصلة صفر دائمًا، ولا حلول وسط ولا تسويات”.
أما سمير عبد الله، من مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، فوصف دراسة معهد راند بـ “الممارسة الأكاديمية حسنة النيات”، لكنه استدرك قائلًا: “الجميع يعرف فوائد حل الدولتين”.
يضيف عبد الله، وهو واحد من 20 شخصًا دعاهم معهد راند للمشاركة في ورشة عمل في أثينا في خلال العام الماضي: “السؤال الحاسم هنا هو ما هي عواقب التخلي عن حل الدولتين، والانتهاء بكيان واحد ثنائي القومية، والطريق إلى ذلك تمر حكمًا عبر نظام فصل عنصري يوقع الطرفين في المعاناة والتراجع الاقتصادي والعزلة، وبالتالي تحضير الناس لحل الدولة الواحدة له تكلفة ضخمة”.
وعلّق ريس على ذلك بالقول: “حل الدولة الواحدة يتطلب نهجًا حسابيًا مختلفًا تمامًا”.