ل اقترب موعد طرد اليونان من منطقة اليورو؟
سؤال بات يتردد في أوروبا وبدت علاماته تتبدى للمراقبين. فرئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس، يتصل هاتفياً مع رئيس المفوضية جون كلود يونكر، ويونكر يرفض رفع السماعة، ورغم أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وافقت أخيراً على الاجتماع مع رئيس الوزراء اليوناني بعد عدم استجابتها لطلبه يوم الثلاثاء، لكن السؤال يدور حول ما هي التنازلات التي سيحملها تسيبراس للمستشارة الألمانية.
الخبراء الألمان يقولون إن الموقف الألماني لم يتغير بشأن ضرورة قبول الحكومة اليونانية لشروط خطة الإنقاذ السابقة مقابل أية تسوية. وبالتالي فلايزال مصير تسيبراس وربما مصير اليونان معلقاً على حبال المشنقة المعلقة بين أثينا وبروكسل.
ورغم هذا اللقاء المقرر بين تسيبراس والمستشارة الألمانية، يقول خبراء في لندن إن آمال إنقاذ اليونان من فك الإفلاس تتضاءل وسط الضغوط داخل البرلمان الألماني بعدم تسوية أزمة اليونان على حساب دافع الضرائب الأوروبي.
وقال مسؤولون ألمان وبرلمانيون إن المستشارة الألمانية تجد معارضة كبيرة داخل البرلمان الألماني” بندستاغ”، وحتى داخل حزبها نفسه، الحزب الديمقراطي المسيحي، لإعادة مناقشة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أجيز في العام 2012، لإنقاذ اليونان من الإفلاس ومنحت بموجبه 240 مليار يورو.
وأشار خبراء ألمان إلى أن أي خطة جديدة لليونان، لا يمكن للمستشارة ميركل إجازتها من داخل الحكومة أو لجان المالية، وإنما ستحتاج إلى عرضها على البرلمان. وهذا ربما يفسر رفض المستشارة ميركل الاجتماع مع تسيبراس مساء الثلاثاء على هامش القمة الأوروبية.
ويشير خبراء في لندن، إلى أنه حتى المعسكر المتفائل في أوروبا الذي كان يقوده رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر، بات الآن متشائماً من احتمال إيجاد حل لأزمة اليونان.
وكدليل على رفض المسؤولين الألمان محاولة إعادة التفاوض مع رئيس الوزراء اليوناني حول خطة بديلة، التصريحات العلنية الصادرة عن نائب المستشارة الألمانية، زيغمار غابرييل، يوم السبت الماضي، التي قال فيها “لا مجال لمزيد من التذبذب في المفاوضات بشأن تقديم تمويل لأثينا في مقابل إصلاحات”.
وقال المسؤول الألماني في مقابلة لصحيفة “شتوتجارت ناخريختن” الألمانية: “حل أزمة اليونان يتوقف على الحكومة اليونانية وحدها.. فأوروبا نفد صبرها”.
وتقول مصادر بريطانية إن المفوضية وضعت خطة متكاملة لمقابلة احتمالات طرد اليونان من منطقة اليورو، وأن خروجها لن يكون له تأثير كبير على أوروبا مثلما كان في السابق، لأن كل الاحتمالات وضعت ودرست سبل معالجتها على صعيد منطقة اليورو.
المفوضية ترفض التنازل
وكانت الحكومة اليونانية قد قدمت خلال الإسبوع الماضي خطة جديدة للإصلاح المالي تتكون من ثلاث ورقات رفضتها المفوضية الأوروبية مباشرة، حتى دون مناقشتها.
وطالبت خطة اليونان التي قدمت إلى الدائنين بمنح اليونان 10.9 مليارات يورو من أموال الإنقاذ والسماح للبنوك اليونانية بشراء السندات الحكومية قصيرة الأجل، كما طلبت كذلك من المفوضية الأوروبية منحها 6.7 مليارات يورو من أموال مالية الاستقرار المالي الأوروبي.
لكن المفوضية في المقابل طلبت من الحكومة اليونانية تقديم بديل مقبول لبرنامج الإصلاح المالي قبل التفاوض بشأن منحها أية تسهيلات مالية من المؤسسات المالية الأوروبية أو من دفعات أموال الإنقاذ.
وفي لندن، قال رئيس شركة “كابيتال إيكونومكس” للوساطة المالية روجرز بوتل “أعتقد أن اليونان ما كان لها أن تصبح عضواً في منطقة اليورو… لقد كان المركزي الألماني يعارض عضويتها وكان محقاً… لقد آن الأوان لخروجها من منطقة اليورو”.
ويرى خبراء ماليون أن أزمة اليونان المالية تواصل التفاعل، وأن وضعها المالي والاقتصادي يزداد تدهوراً منذ صعود حكومة اليسار الراديكالي التي يقودها حزب سيريزا في يناير/ كانون الثاني الماضي. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لليونان بنسبة 25% فيما ارتفعت نسبة البطالة فوق نسبة 24% وانخفض الدخل الحكومي.
وفي مقابل هذه المعادلات السالبة، يقول خبراء اقتصاد إن خطة الإصلاح المالي القائمة على برنامج التقشف لن تنجح، لأن الاقتصاد اليوناني يعاني من انكماش في الطلب.
ومعالجة الانكماش في الطلب يستدعي “تيسير السياسات النقدية، وخفض قيمة العملة، حتى يتمكن الاقتصاد اليوناني من زيادة حجم الصادرات وجذب مزيد من السياح خلال موسم الصيف الجاري”.
ويقول بوتل في هذا الصدد “برنامج الإصلاح الهيكلي صحيح إذا لم تكن هنالك مشكلة في انكماش الطلب، أما وأن هنالك مشكلة في الطلب، فإن حال الاقتصاد اليوناني شبيه بأزمة الركود الكبير الذي ضرب أميركا في الثلاثينيات وألمانيا في العشرينيات. وأن علاج الانكماش في الطلب يتم عبر تسهيل السياسات النقدية أو خفض العملة”.
وتخلفت اليونان حتى الأن عن تسديد دفعات دين قيمتها 305 ملايين يورو، لصندوق النقد الدولي وتتجه للتخلف عن دفعات ديون أخرى للصندوق، تقدر قيمتها بحوالى 1.6 مليار يورو.
ويحل أجل دفعات هذه الديون في 12 و16 و19 من شهر يونيو/حزيران الجاري. لكن مشكلة تسيبراس لا تنحصر فقط في ديون الصندوق وإنما تتفاقم في نهاية الشهر الجاري، حينما يحل وقت دفع أموال أصحاب المعاشات ومرتبات موظفي الحكومة، وهي مبالغ تقدر بحوالى 1.5 مليار يورو.
استجابة الأسوق
وعلى صعيد الأسواق، يواصل المستثمرون خروجهم من اليونان، في وقت ترتفع فيه معدلات التأمين على سندات الحكومة اليونانية.
وحسب مصرفيين في حي المال البريطاني، فإن حجم السحوبات المالية من البنوك اليونانية يرتفع، وإن مزيداً من أثرياء اليونان باتوا يسحبون إيداعاتهم إلى ملاذات آمنة في لندن وسويسرا وألمانيا.
ويقول مستثمرون في السندات الأوروبية إن الاقتصاد الأوروبي اليوم أقوى مما كان عليه في الأعوام بين 2010 و2012، التي شهدت أزمة اليورو، وبالتالي يشيرون إلى أن معظم البنوك والمؤسسات المالية وضعت في حساباتها احتمالات طرد اليونان. ومن هذا المنطلق يقولون إن تداعيات طرد اليونان لن تكون ذات أثر كبير على الأسواق.