يغلب الاعتقاد لدى اوساط وزارية ونيابية بأن الأزمة الحكومية الناشئة عن تعليق جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع بقرار طوعي من رئيس الوزراء تمام سلام أملته عوامل احتواء الموقف المشروط لتكتل التغيير والاصلاح مدعوما من “حزب الله” في شأن ملف التعيينات الامنية والعسكرية يستحيل ان تطول كثيراً لان معظم القوى السياسية تدرك تماما معنى توجيه رصاصة الرحمة لآخر معقل دستوري تشكله الحكومة ولا مصلحة تاليا لأحد في انهيار واسع شامل على هذا المستوى من الخطورة.
وتقول هذه الاوساط انه على رغم الطابع التصعيدي المتواصل في نبرة “التيار الوطني الحر” الذي لا يزال متشبثا بمنع مناقشة اي بند في مجلس الوزراء ما لم يستجب شرطه لتعيين قائد جديد للجيش حالا وفورا فان الاسبوع المقبل مرشح لان يشهد اختبارا من نوع جديد للتيار وحلفائه كما للقوى الاخرى التي ترفض هذا الاتجاه باعتبار ان مرور اسبوع آخر من دون انعقاد جلسة لمجلس الوزراء سيبدأ برسم مشهد مختلف في لبنان لن تقتصر تداعياته على اعلان كبير وخطير هو شلل الحكومة فحسب بل سيتمدد الامر الى تداعيات خارجية بالغة السلبية. وهو عامل من جملة عوامل اخرى داخلية تتصل بحسابات القوى السياسية يفترض معها المضي بسرعة نحو مخرج ما لهذه الازمة لئلا ينزلق الواقع الحكومي الى حيث لم يحسب له كثر.
وتلفت الاوساط نفسها لصحيفة “النهار” الى ان مسألة التروي التي اتبعها الرئيس سلام في عدم الدعوة الى الجلسة هذا الاسبوع بدت على جانب من الإيجابية لجهة الرسالة التي وصلت الى الرابية تحديدا ومن خلالها الى داعمي العماد ميشال عون وفي مقدمهم “حزب الله” لجهة ان رئيس الحكومة لم يتجاهل الثقل التمثيلي لقوة مشاركة في الحكومة تمتلك توجها اعتراضيا على ملف بارز وان كان رئيس الوزراء لا يشاطرها هذا الموقف مع قوى عدة اخرى.
وإذا كان تعليق الجلسة لم يضع حدا للمشكلة فانه على الاقل حال دون تفاقمها وتطورها خصوصا لجهة تجنب اثارة حساسية اضافية بين رئاسة الحكومة وتكتل التغيير الذي لا يمكنه الزعم ان رئاسة الحكومة تتجاهل موقفه وتتمترس وراء صلاحياتها الدستورية الصرفة. بل ان الاوساط الوزارية والنيابية تعتقد ان سلام آثر ان يسلح اصحاب الوساطات الحميدة ولا سيما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ما يمكنهم من العمل على الحؤول دون تجاوز الاعتراض العوني حدود التعطيل الموقت القصير المدى للجلسات الى حالة شلل طويلة قد تتطور مهددة مصير الحكومة.
حتى ان بعض هذه الاوساط يذهب في رهان على ان “حزب الله” في حواره المستمر مع تيار “المستقبل” نفسه وكذلك في علاقته العضوية الثابتة مع الرئيس بري لن يجد من مصلحته وسط الظروف الشديدة الخطورة ان يماشي حليفه العوني الى حدود تهديد الحكومة او شلّها لمدة غير منظورة.
وجاءت التطورات الميدانية الجديدة في جرود عرسال اخيرا لتضع الواقع اللبناني برمته امام مرحلة شديدة التوهج خصوصا انها واكبت المتغيرات الميدانية الكبيرة الجارية في سوريا حيث يفقد النظام السوري سيطرته بسرعة كبيرة على مناطق شاسعة في مختلف انحاء البلاد مما ينذر بتطورات تفوق بأهميتها سائر مراحل الحرب السابقة. وهي تطورات عادت تضغط بقوة على الواقع اللبناني من خلال احياء المخاوف من تداعيات لا تقتصر على الحدود الشرقية وحدها بل تتمدد في اتجاهات اخرى جنوبا وشمالا ووسطا.
يضاف الى ذلك ان البلاد تشهد تفجرا فوضويا للازمات الاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها تشكيل خطر صدامات اجتماعية لن يكون ممكنا تجاهل أخطارها ايضا على الاستقرار بحيث قد لا تبقى مفاعيلها محصورة بالنطاق الاجتماعي والاقتصادي بل تنذر بتداعيات امنية ايضا.
وستكتسب الجولة المقبلة من الحوار بين “حزب الله” وتيار “المستقبل” اهمية كبيرة من حيث ملامستها الوضع الحكومي انطلاقا من خلاصات سابقة توصل اليها الفريقان وأعلنا عبرها ثابتتين على الاقل لم تتعرضا لأي تبديل منذ انطلاق هذا الحوار على رغم كل ما واجهه من مطبات وجولات من السجالات الحادة. وهاتان الثابتتان تتمثلان بالعمل على تخفيف الاحتقان السني الشيعي بما يحمي الاستقرار الداخلي وتفعيل عمل المؤسسات ولا سيما منها الحكومة وسط زمن الفراغ الرئاسي وتعطيل الجلسات التشريعية لمجلس النواب.
وتلفت الاوساط نفسها الى نقاط تقاطع بين الفريقين برزت مرات عدة في شأن الحفاظ على الحكومة خصوصا وحتى في شأن بعض ما يتعلق بتشريع الضرورة. وهي امور لا توحي التطورات الاخيرة بأنها باتت عرضة للتبديل مما يسبغ اهمية على نتائج الجولة المقبلة من الحوار لجهة المقاربة التي يمكن ان تسفر عنها في هذا الجانب.
ولكن مجمل هذه المعطيات لا تزال قاصرة عن رسم تصور للمخرج الذي يمكن ان يؤدي الى اعادة انتظام العمل الحكومي ما لم تجترح المساعي الجارية “وصفة” لإنزال التصعيد العوني عن شجرة الشلل الحكومي علما ان هناك خشية لدى هذه الاوساط من ان يؤدي التعنت الحاصل الى رد فعل أوسع بدأت ملامحه بتشكل جبهة وزارية واسعة من الأكثرية تضم وزراء ١٤ آذار واللقاء التشاوري وكذلك الكتلة الوزارية للنائب جنبلاط على قاعدة مواجهة التعطيل للحكومة بالمطالبة بإعادة النظر بآلية عملها ورفض الاستفراد والتحكم بمجلس الوزراء من طرف واحد.
في سياق متصل، كشفت صحيفة “النهار” أن رئيس الوزراء تمام سلام أبلغ زواره والمتصلين به أنه لم يدع الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع والتي كان موعدها العادي الخميس “ليس خضوعاً لشروط ولا تنازلا عن صلاحيات وإنما لكي أعطي انطباعاً أنني لا أتحدى، لكن الموقف المتسم بالليونة حدوده أيام وبالتالي سأعطي مجالا للاتصالات القائمة كي لا أخرج البعض ولا أحرج البعض الآخر”.
وأبدى الرئيس سلام تفاؤلا بحصيلة الاتصالات التي أجريت حتى الآن والتي أظهرت أن جميع الاطراف متمسكون بالحكومة واستمرارية عملها.
وفي هذا الاطار، رجّحت مصادر وزارية لـ”النهار” أن يدعو الرئيس سلام الى جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل، وقد يكون من مؤشراتها المبكرة توزيع جدول الأعمال غداً أو بعد غد، وإلا فإن الجدول السابق للأعمال سيبقى هو المعتمد.
ولفتت المصادر الى ان الموضوع الحكومي خاضع لتفاعل هذه الاتصالات التي قد تبدّل المشهد بين وقت وآخر.
وأشارت الى ان القائمين بالاتصالات هم كتلة “المستقبل” والرئيس بري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط وأركان “اللقاء التشاوري”.
وقالت إن الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء وزعت على الوزراء دفتر شروط المناقصة الدولية للخليوي، بما يعطي إنطباعاً جزئياً عن العزم على معاودة الحكومة إجتماعاتها باعتبار أن هذا الموضوع سيكون على طاولة مجلس الوزراء عندما يعاود جلساته.
ونقلت مصادر وفد “المستقبل” لصحيفة “المستقبل” أنّ رئيس الحكومة تمام سلام أعرب أمام أعضاء الوفد الذي زاره في السرايا الحكومية عن كونه سيتريث “لأسبوع أو أسبوعين” قبل اتخاذ قراره حيال مقاربة أزمة تعطيل عمل الحكومة، مع تأكيد عزمه دعوة مجلس الوزراء إلى الالتئام “في الوقت الذي يراه مناسباً وفق جدول الأعمال الموزّع سابقاً على أعضاء المجلس”، مشيراً إلى أنّ “الاتصالات بهذا الخصوص متوقفة حالياً” وأنه على تنسيق دائم مع الرئيس نبيه بري.