Site icon IMLebanon

الشركات الأمنية الخاصة.. أدوار تتجاوز الجيوش الحكومية

Blackwater
ألكسندر دريكسلر

بعد فضيحة شركة بلاك ووتر في العراق سلطت الأضواء على دور الشركات الأمنية الخاصة، لكن الجدل حولها سرعان ما بات طي النسيان. باحثون ألمان عادوا إلى فتح ملفات هذه الشركات، التي باتت تضطلع بأدوار أكبر في النزاعات حول العالم.

استخدام الطائرات بدون طيار في الحروب والسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي والتحولات في العالم العربي، من المواضيع التي يسلط تقرير السلام العالمي الضوء عليها. في كل عام تستعرض خمسة معاهد ألمانية لدراسات السلام والصراعات النقاشات الأساسية حول السياسات الأمنية. النتائج التي يخلص إليها هذا النقاش يتم تقييمها وتقديمها في ما يسمى بـ”تقرير السلام”.
الباحثون يسلطون الضوء في هذا التقرير السنوي أيضاً على مواضيع، لا تكاد تجد أي صدى في الرأي العام رغم أهميتها. ويتضمن تقرير هذا العام قضية شركات التعاقدات الأمنية الخاصة، فقد خُصص لها فصل كامل هذه السنة 2015. منذ فترة طويلة لم يتم التطرق إلى هذه الشركات، ربما لعدم ظهور فضائح كبيرة بحجم فضيحة شركة بلاك ووتر الأمريكية في العراق عام 2007، حيث قام عناصر من هذه الشركة بإطلاق النار عشوائياً في ساحة النسور بالعاصمة بغداد في 17 أيلول/ سبتمبر 2007، ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين.
وحينها اتهم بعض المنتقدين الشركة بأنها لا تتكون إلا من مرتزقة، شاركوا في الصراعات ولم يلتزموا بأي قانون من أجل المال وحده.

نشاط تجاري متوسع

في الوقت الراهن أصبحت هذه الشركات أكثر حذراً، ولم تعد تتبع أسلوب الرجل الخارق، لكنها أصبحت في الوقت ذاته أكثر نشاطاً من ذي قبل. في هذا السياق يقول أستاذ العلوم السياسية فلوريان فلورسهايمر: “من أهم خدمات هذه الشركات الأمنية هو حماية الممتلكات والأفراد، لا سيما في مناطق الحروب، وكذلك الحصول على المعلومات من خلال الاستجواب والتجسس بالطرق الكلاسيكية المعروفة، إضافة إلى ذلك تقوم هذه الشركات بالاستطلاع الجوي إذا ما توفرت لها الإمكانيات الملائمة لذلك. لكن الأهم هنا هو قيامها بتدريب عناصر حكومية”.
هذا التوسع المستمر لأنشطة الشركات الأمنية الخاصة يثير قلق إلكا كراهمان أيضاً، وهي إحدى معدات تقرير السلام وأستاذة بجامعة برونيل للندنية وتحل حالياً ضيفة على مؤسسة أبحاث السلام والنزاعات في ولاية هيسن الألمانية. عن مخاوفها تقول كراهمان: “في تسعينات القرن الماضي قامت هذه الشركات في المقام الأول بتقديم خدمات لوجستية للجيش الألماني داخل ألمانيا. لكن مع اضطلاع الجيش الألماني بمهام خارجية تولت هذه الشركات أيضاً إدامة المعدات الحربية له. ومع مهمة الجيش الألماني في أفغانستان توسعت خدمات هذه الشركات أيضاً، فقد تواجدت هناك عناصر مسلحة من شركات خاص لغرض الحراسة، وقام هؤلاء على سبيل المثال بحماية المعسكرات الألمانية”.
نفقات لا حصر لها
مقارنة بالأجهزة العسكرية في بلدان أخرى، فإن القوات الألمانية تعد الأكثر تحفظاً بشأن إيكال الخدمات العسكرية لهذه الشركات. لكن الجيش الألماني والأمريكي على حد سواء يرغبان في توفير المصاريف عن طريق الاستعانة بمصادر خارجية. في هذا السياق تقول كراهمان إن “من الصعب إيجاد أدلة على هذا، وعلى وجه الخصوص في لتدخلات العسكرية في بلدان أخرى استغلت هذه الشركات عدم وجود الرقابة الكافية لرفع النفقات، فقد حُسب خدمات عسكرية أكثر من المقدمة فعلاً”.

وتضيف أستاذة العلوم السياسية قائلة: “وإذا ما جمعنا هذه النفقات بمجملها، سيتضح أن دور الشركات لم يكن له تأثير فعال في خفض نفقات المهام الخارجية للجيوش”.
وتوصلت القوات الأمريكية إلى أن هذه الشركات الأمنية الخاصة غالباً ما كانت تغش الحسابات عن خدماتها المقدمة. وفي ألمانيا أيضاً، بالرغم من عدم ظهور أي حالة غش، لكن لا يسجل أي توفير في النفقات على الخدمات العسكرية. لهذا فإن الشركات، التي أسسها الجيش الألماني نفسه من أجل العمل بفاعلية، تم حلها ونقل خدماتها إلى القوات العسكرية. لكن على الرغم من ذلك تتنامى أهمية هذه الشركات، التي تجني أرباحها في مجالات كانت مقتصرة على الجيوش فقط.
وهذا ما تذهب إليه أيضاً باحثة شؤون السلام أندريا شنايكر في جامعة زيغن الألمانية، التي تقول: “هذه الشركات تعد من العناصر المكملة للتدخلات العسكرية الدولية، كما أن جيوش الدول تلجأ في أحيان كثيرة إلى هذه الشركات العسكرية الخاصة”.

خصخصة احتكار السلطة

كراهمان وأيضاً شنايكر ينظران لهذا التطور بقلق كبير، لأن الأمر يتعلق بكيفية تعريف احتكار السلطة الحكومية. لهذا تتساءل شنايكر عن المهام التي تتولاها الدولة والمهام التي يمكن خصخصتها، وتضيف قائلة: “هذه الأسئلة تتطلب نقاشاً اجتماعياً واسعاً”.
كراهمان تقول إنه حتى تسعينات القرن الماضي كان هناك اتفاق، ينص على أن للدولة وظائف سيادية خاصة يجب عليها أن تمارسها بنفسها. هذه الوظائف كانت تخص السلطة العسكرية، لا سيما في التدخلات العسكرية الخارجية. وتضيف بالقول: “في الوقت الحالي تعلل الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة بأن الحكومة تملك حق المسؤولية في التدخلات العسكرية، إلا أنها غير ملزمة بالقيام بها بنفسها”. لهذا السبب تستطيع الدولة أن تنقل مهامها إلى الشركات العسكرية الخاصة، لكن يجب على الدولة أن تضمن الرقابة حول كيفية تنفيذ هذه المهام.
كما أولت أحزاب التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا اهتماماً كبيراً بالشركات الأمنية الخاصة وبالنقاش حول الاحتكار الحكومي للسلطة العسكرية، وهو ما تم التطرق إليه في اتفاقية ائتلاف هذه الأحزاب عام 2013، إذ نصت على أن “المهام العسكرية لا يُسمح بإيكالها إلى شركات أمنية خاصة”. لكن منذ أن حكم التحالف الموسع ألمانيا لم يتناول البرلمان الألماني “بوندستاغ” إلى هذه القضية في جلساته مطلقاً. وربما يمكن لتقرير السلام المقدم هذا العام من تغيير ذلك، وجعل مسألة الشركات الأمنية على جدول أعمال البرلمان الألماني.