ناتاشا بيروتي
يشكل الانتشار اللبناني في الخارج رأسمالاً اقتصادياً كبيراً خصوصاً لجهة المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال الذين يختارون بلاد الاغتراب لتوسيع مشاريعهم بعد ان فقدوا ثقتهم ببلدهم لبنان.الا ان الهجرة اللبنانية التي تعتبر ظاهرة سكانية مميزة للمجتمع اللبناني انحرفت عن مسارها الذي سلكته منذ نهاية القرن التاسع عشر، بحيث تحولت من كونها تشكل «صمام أمان» في التوازن الاقتصادي من خلال التحويلات المالية الكبيرة التي كان يرسلها المغتربون إلى ذويهم والتي ساهمت في سد العجز الذي كان يلحق بالاقتصاد اللبناني، إلى واقع استنزاف للكفاءات والطاقات البشرية اللبنانية وخصوصاً المتعلمة منها.
رئيس مجلس إدارة شركة «رامكو» رجا مكارم لـ «الديار» الى ان الاوضاع الامنية والسياسية المتردية في لبنان دفعت اصحاب رؤوس الاومال الى الاتجاه نحو للاستثمار في الخارج، حتى ان بعض الدول اصبحت تقدم تسهيلات لهؤلاء بهدف استقطاب استثمارات اصحاب الاموال.
ويتابع: على الدولة اللبنانية ايجاد الحلول للحد من «هجرة» الاستثمارات وذلك بتأمين الامن والاستقرار، وحماية الحدود، اضافة الى حلحلة المشاكل السياسية الداخلية وازمة الشغور الرئاسي.
ويلفت الى انه رغم كل الظروف العاطلة التي مر بها لبنان الى ان القطاع العقاري استطاع ان يحافظ على نموه ولكن اليوم بدأ يخسر «مناعته» شيئاً فشيئاً، وتردي الاوضاع من شانه ان يضرب القطاع العقاري.
وعن تراجع نسبة الاسستثمارت في السنوات الماضية، يؤكد ان الاستثمارات تراجعت بشكل كبير خصوصاً في القطاع العقاري الذي يعتبر احد اهم مكونات الاقتصاد اللبناني.
ويقول ان احصاءات تطور بيع الشقق التي انجزت ولم تباع خلال العام 2012 وصل الى 18% اما في العام 2013 فوصل الى 20% ليصل الى 25% في 2014 ما يعني ان نسبة بيع العقارات تتقلص خلال السنوات الثلاث الماضية.
وعن جنسيات المستثمرين يؤكد مكارم ان كل المستثمرين هم من ابناء البلد ومنذ عام 2006 حتى الآن لم يعد هناك استثمارات اجنبية كما واصبح لبنان خالياً من الاستثمارات الخليجية حيث عمد معظم الخليجيين الى بيع استثماراتهم وعقاراتهم او عرضها للبيع. ويدعو السياسيين الى الكف عن الاستهتار بمصالح لبنان.
من جهته، يقول رجل الاعمال نضال ابو زكي نعمل في مجال تقديم الخدمات الاستشارية التسويقية ولدينا 10 فروع في الخليج بما فيها المقر الرئيسي في دبي، اما في لبنان فنعمل في مجال العقارات. و70% من العاملين في شركاتنا من الجنسية اللبنانية. ونحقق نمواً بشكل مضطرد حيث وصل نمو ارباحنا الى 20%خلال العام 2014.
لافتاً الى ان الظروف الامنية والسياسية المتشنجة دفعته الى الاستثمار في الخارج.
ويشير الى ان البيئة اللبنانية غير مشجعة للاستثمار فالاستقرار والرؤية الواضحة والتشريعات المناسبة اضافة الى التسهيلات في التسويق غائبة عن لبنان وهذا ما دفع المستثمرين ورجال الاعمال الى توظيف اموالهم في الخارج.
ويتابع: المشكلة ليست برجال الاعمال اللبنانيين بل بتقصير الدولة اللبنانية التي لم تستطع حتى الآن طمئنة هؤلاء بتأمين بيئة حاضنة وفرض تشريعات مناسبة.
ففي لبنان يستشري الفساد الاداري في كافة الدوائر الحكومية ما يعرقل عمل المستثمرين ويجنبهم الاستثمار، نظراً للضغوطات التي قد يتعرضون لها. اضافة الى ان لبنان بلد المفاجآت والتشنجات الامنية. اما في الخارج فالمستثمرون اعتادوا على بيئة ناضجة من الاستثمارات تطغى عليها التشريعات والقوانين الشفافة فتطمئن اصحاب رؤوس الاموال.
وعن المسؤولين عن تراجع قطاع الاستثمارات يشير الى ان النظام الاقتصادي المهترىء والغير مشجع في لبنان، كما وللحكومة دور مهم في ذلك حيث انها لم تضع الملف الاقتصادي يوماً على لائحة اولوياتها.
وعن الخطوات التشجيعية التي يجب على الدولة تقديمها لجذب المستثمرين، يقول: تخفيض تكاليف الاتصالات التي تعتبر الاغلى في العالم، تحسين البنى التحتية، مكافحة الفساد الاقتصادي في الدوائر الحكومية، اعتماد المكننة الالكترونية في انجاز المعاملات، وتخفيض الضرائب.
ويضيف: في ظل وجود هذه المنظومة الاقتصادية الفاسدة لن يتغير الوضع.
ويوضح ان الاقتصاد هو عصب السياسة وعندما يبدأ المسؤولين بالاهتمام بالسياسة على حساب الاقتصاد لتحقيق مصالحهم السياسية تسوء الاوضاع وتدهور وتتراجع حركة الاستثمارات.
ويرى ان البنية الاستثمارية الصحيحية تظهر عندما يبدأ المستثمرون توظيف اموالهم في بناء المصانع الانتاجية التي تمكنهم من التصدير الى الخارج.
وبالنسبة للاستثمارات الخليجية في لبنان يقول: معظمها تجمد خلال السنوات الماضية، وتبقى الاستثمارات العقارية محافظة على مكانتها نسبياً كون وضعها مستقر وآمن على غرار القطاعات الاخرى.
وفي ما يتعلق بالاستثمارات السورية التي بدأت تنتشر على مختلف الاراضي اللبنانية يقول انه لا بد من وضع التشريعات التي تضمن حقوق المواطن اللبناني، على ان يفرض على كل مستثمر اجنبي توظيف نسبة معينة من اللبنانيين في مؤسساتهم، ووضع نظام ضريبي على الاجانب مختلف عن ذلك المطبق على اللبناني.
وعن وضع اللبنانيين في دول الخليج يقول ان هناك تطمينات بأن وضع اللبناني في الخليج مستقر طالما انه يحترم قوانين البلد ويبتعد عن التدخلات السياسية، متمنياً على سياسيو لبنان ان يراعوا مصلحة اللبنانيين في تصريحاتهم السياسية. ودول الخليج فيها 600 ألف لبناني وكلهم يبحثون عن تأمين لقمة عيشهم وبالتالي يفيدو الاقتصاد المحلي، داعيا الطبقة السياسية تخفيف خطاباتهم العدائية.
اذا يوماً بعد يوم تتسع دائرة الاستثمارات اللبنانية في الخارج وبالتالي يحرم لبنان من مداخيل اضافية تعود بالنفع على المواطن والدولة معاً، فكيف تطمئن الدولة اللبنانية اصحاب رؤوس الاموال كي يستثمروا فيه؟ وما هي الضمانات الكفيلة بدوام الاستقرار بعيداً عن الأزمات الملتهبة في المنطقة؟ خصوصا وان المستثمرين سواء كانوا من العرب أم من الغربيين يريدون ضمانات أمنية وتسهيلات ضريبية وقوانين وقضاء مستقلاً بما يحفظ لهم حقوقهم في استثماراتهم ويشجعهم على التوسع بمشاريعهم؟