بروفسور غريتا صعب
يبدو أنّ ما اعلنته اليونان عن انها لن تدفع ٣٠٠ مليون دولار كسداد لديونها الى صندوق النقد الدولي وانها سوف تستبدل ذلك بدفع جميع المبالغ المتوجبة عليها أيْ ١،٦ مليارات يورو في ٣٠ حزيران الحالي، سيؤثر سلباً في سوق مالي محفوف بالمخاطر والتقلبات.
أضف الى ذلك مؤشرات اخيرة برزت بعد اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط والتي ابقت على معدلات انتاجها ما يعني أنّ اسواق النفط العالمية لن تتغيّر في المدى القريب كذلك مؤشرات البطالة في الولايات المتحدة والتي أتت مع تراجع طفيف اذ بلغ ٥،٥ بالمئة مما يعني أنّ الاقتصاد الاميركي لم يبلغ من القدرة ما يدعي الاحتياطي الفيديرالي الى ارتفاع اسعار االفوائد في ١٦-١٧ حزيران الحالي وقد يعني ذلك عاملاً اضافياً ليزيد من حدة التقلبات في الأسواق العالمية. هذا مع العلم أنّ برننكي رئيس الاحتياطي الفيديرالي السابق حاول طمأنة المستتثمرين بأنّ رفع اسعار الفوائد الأميركية سوف يكون موشراً جيداً للاقتصاد الأميركي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف للمستثمرين الثقة بما يقوله برننكي لا سيما أنه اغفل في السابق عن فقاعة العقارات وآثارها وهو اليوم للمرة الثانية يتجاهل الفقاعات في الصين واليابان والولايات المتحدة- هذا مع العلم أنّ أيّ ارتفاع في اسعار الفوائد الاميركية سوف يؤدّي الى ارتفاع الدولار الاميركي مقابل (الين واليورو كذلك سوف يولد ضغطاً نزولياً على ايرادات وارباح الـ S & P 500 – لذلك وبالمطلق إنّ هذه الحالة سوف تنتج عنها زيادة تكاليف خدمة الديون وآثار مدمرة على فقاعة الأسهم الحالية.
وقد تكون المصارف المركزية السابقة والراهنة على السواء لها مصلحة في اقناع المستثمرين بمنافع استراتجيات فوائد مصفرة لسياسة الـ QE ولكن تبقى الحقيقة أنّ هذه السياسات أدّت الى ديون متزايدة على الاقتصاد العالمي بلغت ٦٠ تريليون دولار منذ نهاية الأزمة المالية العالمية ما أدّى الى اعادة ظهور فقاعات العقارات والسندات والاسهم العالمية – وعلى ما يبدو أن برنانكي يتجاهل ما اوصلت اليه سياسته علماً أنّ المستثمرين بحاجة الى التطلع لهذه الاحداث وتداعياتها بشكل جدي.
وللعلم فإنّ الفقاعات (Bubble) تحدث عندما يزيد المستثمرون طلبهم على الاسهم بشكل يرفع اسعارها بشكل تتجاوز قيمتها الحقيقية التي ينبغي أن يحدّدها أداء الشركة الأساسية. وغالباً ما تتبع هذا الـ Bubble حالات ذعر يحاول خلالها المستثمرون الهروب عبر بيع اسهمهم ما يؤثر عليهم وعلى الأسواق وعلى الجميع بشكل عام وغالباً ما تلي ذلك فترات انكماش وتراجع في الاقتصاد.
ومن الناحية التاريخية فإنّ تداعيات السوق وتحطّمها كثيراً ما أتت نتيجة لهذه الفقاعات في مختلف القطاعات المالية أم العقارية. كلّ هذا حدا بالشركات المالية العالمية الى دعم ما سُمّي ادوات «Macroprudential» من اجل اخذ الحيطة والحذر ومحاولة منها لتجنّب فقاعات في الاسواق.
وهذه السياسة الجديدة نسبياً في الاقتصادات المتقدمة تشير الى استخدام نوع من التدخّل الموقت لوقف فقاعات الاصول التي قد تزعزع استقرار النظام المالي. وعلى سبيل المثال أنشأت اللجنة المالية في بنك انكلترا نوعاً من القيود لتهدئة سوق الرهن العقاري في بريطانيا ومحاولة منها لتجنّب سياسة رفع اسعار الفوائد.
وللعلم فُتحت الأسهم الأوروبية يوم الجمعة الفائت على تراجع بعد قرار اليونان تأجيل دفع ديونها لصندوق النقد الدولي والحذر من بيانات الوظائف الأميركية وانخفض مؤشر FTSE 300 index بنسبة ٤،٣ بالمئة منذ اول الأسبوع وهي الأشد خسارة منذ كانون الأول- لذلك نرى الأسهم الاوروبية في دائرة الضوء حالياً على رغم كلام صدر من دراغي حيث قال إنه يجب على المستثمرين أن يعتادوا على هكذا تقلبات في الأسواق المالية العالمية ما يرفع عوائد السندات عالياً.
هذا والاسواق المالية العالمية لديها تاريخ طويل من فقاعات المضاربة من فقاعة التوليب عام ١٦٣٧ الى فقاعة بحرالجنوب في العام ١٧٢٠ وفقاعة الأصول اليابانية في أواخر الثمانينات وأخيراً فقاعة العقارات في ٢٠٠٧ والتي انتهت في انهيار الأسواق المالية العالمية ويعني بالمطلق حلقة مستمرة من اللاعقلانية.
وهذه السياسة على ما يبدو مازالت متماشية مع اسعار فوائد منخفضة تدفع بالمستثمرين الى البحث في عوائد الأسهم المرتفعة ومن المفارقات أنّ هذه محاولة يائسة لمساعدة الاقتصاد الأميركي التي تدفع اسعار الأسهم نحو الارتفاع بشكلٍ خيالي وبالتالي ساعدت في خلق فقاعات (Bubble) تؤدي في نهاية المطاف الى ركود حاد.
كذلك فإنه على ما يبدو أنّ الاقتصاد الاميركي ينتعش فعلياً والخوف من أن يكون ذلك هدوء ما قبل العاصفة والشيء نفسه حصل في العام ٢٠٠٧ حيث كان الاقتصاد ينمو والبطالة تتراجع والاسعار ضمن المعقول والصورة الاقتصادية بأحسن احوالها. لكن وكما في العام ١٩٢٩ كانت المظاهر خادعة إذ إنه وفي كانون الأول من تلك السنة دخل البلد رسمياً حالة الركود الشديد وكاد يتعطل النظام المالي العالمي تعطيلاً كاملاً.
والمرعب اكثر هو أنّ الوضع في الولايات المتحدة الأميركية أكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية ممّا كان عليه قبل ثمان سنوات مضت ما يجعله أكثر عرضة للأزمات في المستقبل خصوصاً أنّ البلد يرزح تحت وطأة الديون (١٨ تريليون دولار) اضف اليها تريليونات الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي واستحقاقات اخرى.
والملفت للنظر أنّ المصارف الكبيرة والتي كانت مسؤولة عن الأزمة المالية اصبحت اكبر مما مضى وارتفعت موجوداتها من ٤٣ بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي قبل الازمة المالية الى ٥١ بالمئة في نهاية ٢٠١٤ عبر مزيج من الكفالات والاندماج والاستيلاء.
وفي ضوء ذلك قد تكون المسألة مسألة وقت حيث يزيد ضعف الاقتصاد ويضغط على سوق الأوراق المالية وتدخل الولايات في الركود أو ما هو اسوء. وقد نعود مع ذلك الى نقطة البداية ويكون الانهيار في النظام الحالي انهياراً حتمياً وليس مجرد احتمال.
لذلك قد يكون من الجدير ذكره أنّ سوق الأسهم هو في فقاعة حالياً وككلّ الفقاعات في التاريخ سوف ينفجر عاجلاً ام آجلاً وقد يكون من المفيد للمستثمرين أتباع استراتجياتٍ تسمّى «استراتجيات خروج» تسمح لهم بنوع من الحماية من خسارة محتمة وتضمن لهم كسباً جذاباً.