تنطبق كافة الشروط المطلوبة على “بول والين” لشراء بيتاً للمرة الأولى؛ فهو يعمل في وظيفة محترمة في القطاع المالي، ولديه مدخرات تؤهله للحصول على قرض عقاري.
لكن مع وجود معدل أسعار يبلغ 10 أضعاف الراتب، تتبخر أحلام الشباب الاستراليين في امتلاك منزلهم الخاص، لا سيما في مدينة سيدني، حيث تقفز أسعار العقارات بنسبة 14 في المئة كل عام، ليبلغ معدل ارتفاعها 60 في المئة منذ عام 2009.
يقول والين، الذي يبلغ 36 عاماً ويعيش في سيدني ويبحث عن منزل يشتريه ليعيش فيه مع زوجته وطفله الرضيع: “كلما طالعت أسعار البيوت في الصحف تراها تقفز بشكل متواصل، في حين أن دخلك لا يزيد بنفس المعدل كل عام. وعلى الأرجح، سنضطر للاعتماد على الوالدين في مساعدتنا على شراء البيت أسوة بالكثيرين مثلنا الذين يعيشون هذا المأزق.”
الارتفاع الكبير في الأسعار يعود إلى انخفاض نسبة الفائدة إلى معدلات قياسية، وارتفاع الطلب من قبل المستثمرين، والنقص في العقارات المعروضة للبيع، مما أشعل سوق العقار في استراليا بصورة جنونية، بحيث تعتبر العقارات في البلاد من بين الأغلى في العالم، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي، إذ يبلغ متوسط سعر البيت في سيدني حوالي 689,269 دولار. أما في ميلبورن فيزيد عن 470,000 دولار.
الحكومة الاسترالية قررت وضع حلول لمشكلة عجز الشباب عن شراء بيوتهم، فأنشأت لجنة تعمل مع السلطات المحلية في كل ولاية من الولايات لزيادة المعروض من البيوت بأسعار يمكن تحملها.
وقد وصف أليكس غرينيتش، عضو البرلمان المستقل عن ولاية نيوساوث ويلز الوضع بأنه خارج عن السيطرة، وأضاف: “قدرة الناس على شراء البيوت اقتربت من حد الأزمة في استراليا، وخاصة داخل حدود سيدني”.
نظرة فاحصة للأمر تكشف عن فداحة الأزمة. في مكتبه الواقع في ضاحية خليج اليزابيث المحاذية للميناء، يقوم رون دانييلي، سمسار العقارات المخضرم في سيدني، بتصنيف العقارات الموجودة في سجل مكتبه حالياً بدءاً من الأرخص سعرا، حيث يبلغ سعر مكان وقوف السيارة 82,242 دولار. أما الشقة في القائمة التي يعدها فيبلغ سعرها 430,793 دولار.
قلة من بين زبائن دانييلي من فئة الأشخاص الذين يشترون بيوتا للمرة الأولى، والذين لم يترك لهم المستثمرون الأغنياء مجالاً، لأن ما يهم هؤلاء المستثمرون هو العوائد المريحة من العقارات كبديل لأسواق الأسهم.
وينصح دانييلي الراغبين في الشراء لأول مرة بالتريث، حيث يرى أن الوضع الحالي عبارة عن فقاعة، وعندما تنفجر فستشهد الأسعار انخفاضاً يتراوح بين 10 إلى 15 في المئة، وعندها يمكنك التقدم للشراء، حسب قوله.
الشراء لمجرد الشراء
كثير من الاستراليين مغرمون بشراء العقارات. يقول والين: “الجميع لديهم حالة من الاهتمام لدرجة الهوس بمعرفة سعر البيت الذي يملكونه، والبيت الذي يرغبون في شرائه.”
فع ذلك الاستراليين الشبان إلى شراء أي شيء يستطيعون شراءه، حتى لو كان لمجرد الاستثمار، أملاً في أن يحققوا ربحاً من بيعه. يثبت التاريخ أن ذلك عبارة عن مجازفة. فقد أدى انتشار التوقعات المتضاربة حول سعر العقارات في الولايات المتحدة إلى أزمة مالية عالمية، وأدى إلى غرق الدائنين من البنوك العقارية في ديون ضخمة.
يقول تيم لوليس، مدير البحث لدى شركة CoreLogic RP Data التي تتابع سوق العقارات في استراليا: “ما نراه هو اتجاه عام لدى المشترين لأول مرة للشراء بغرض الاستثمار وليس من أجل السكن. هذه استراتيجية تتمثل في الدخول إلى سوق العقارات للاستثمار في وقت لا يستطيعون فيه شراء بيت يسكنون فيه.”
ويضيف لوليس أن هذه المجموعة من الناس يعيشون في منازل مستأجرة أو مع أقاربهم بينما يستغلون فرصة ارتفاع أسعار العقارات آملين أن يجنوا من ذلك أرباحاً تساعدهم على شراء بيت للسكن فيه.
ارتفاع الأسعار يفسح المجال أيضاً أمام تغيير التوقعات باستمرار، خاصة لدى فئة الراغبين في السكن في مركز المدينة الذي تتميز العقارات فيه بأنها الأغلى سعراً.
وهذا ما يقوله نيفيل ساندرز، رئيس معهد العقارات الاسترالي، والذي يضيف: “الأمر الأساسي هنا هو أن معظم المشترين للمرة الأولى لا يشترون في هذه المناطق مرتفعة السعر والتي عليها طلب كبير.”
أما غرينيتش فيضيف في هذا الإطار: “أعتقد أننا نبتعد رويداً رويداً عن فكرة الحلم الاسترالي باقتناء بيت يقوم على قطعة أرض. فهناك تزايد في اتجاه الناس للعيش في شقق.”
تغيير السكن
بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في العيش في بيت يقوم على قطعة أرض وله حديقة، تكمن القدرة على الشراء في الضواحي والمناطق المحيطة وليس في داخل المدينة.
“كلما أردت الحصول على بيت بسعر معقول نسبياً فعليك أن تبتعد قدر ما تستطيع عن مركز المدينة. ما زال هناك خارج المدن وفرة من البيوت التي لا يزيد سعرها عن نصف مليون دولار استرالي أو حوالي391,630 دولار، كما يقول ساندرز.
ضواحي سيدني الغربية الممتدة حتى حافة الجبال الزرقاء تعتبر مناطق خصبة للبحث عن منزل بالنسبة للمشترين للمرة الأولى الذين لم يسبق لهم أن امتلكوا منزلهم الخاص من قبل.
ي ميريلاند التي تبعد 28 كيلومتراً عن جسر الهاربر، يبلغ متوسط سعر المنزل المكون من ثلاث غرف 515,000 دولار، وفي روزهيل المجاورة يبلغ سعر المنزل المكون من غرفتين 507,161 دولار. وكلا الضاحيتين تقعان على خط سكة الحديد الواصل إلى مركز المدينة، في رحلة طولها نصف ساعة، أو أطول بقليل في السيارة أو الحافلة.
الفقاعة مقابل الواقع
لا يعرف أحد على وجه التحديد ما إذا كانت هذه مجرد فقاعة أم واقع طويل الأمد. لكن المنظمة التي تمثل سماسرة العقارات في استراليا متفائلة بأن هذه المرحلة ستنتهي بسلام.
يقول ساندرز من معهد العقارات الأسترالي: “لا أعتقد أن لدينا فقاعة ستنفجر عما قريب لأن سببها الرئيسي هو قلة المعروض من العقارات في السوق. الطريقة الوحيدة لتكون الفقاعة هو أن تكون هناك زيادة كبيرة في المعروض في السوق من العقارات، ثم يطرأ حدث اقتصادي تتبخر معه ثقة الناس في السوق. وهذا غير موجود في استراليا.”
ومع زيادة الطلب في مقابل النقص الحاد في العرض، يقدر ساندرز أن الطلب على العقارات سيشهد مزيداً من الارتفاع. أحد الأسباب الرئيسية لأزمة السكن في أستراليا هو الهجرة. فسكان استراليا يزيدون بمعدل نسمة واحدة كل دقيقة، و20 ثانية، حيث سيبلغ عدد السكان 35 مليون بحلول عام 2030.
بالنسبة لاليزا، البالغة من العمر 20 عاماً، طالبة إعلان في جامعة سيدني لا يبدو ذلك جيداً. “الكل يأتي لأستراليا. إنهم يعشقون الشواطيء. يحبون الطقس، لذا فإن الأسعار مرشحة للازدياد بالتأكيد.”
ويعتبر امتلاك منزل بالنسبة لها الهدف الأسمى، لذا فهي لن تيأس، وتقول: “امتلاك بيتك الخاص مؤشر على الاستقرار. ويجعلك تشعر بأنك أنجزت شيئاً ما.”