ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” ان بعض التفاصيل التي تسربت عن لقاءات المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في جنيف أظهرت وجود فجوات في الرؤية، ليس فقط بين الجهات الداعمة للنظام السوري، مثل إيران وروسيا من جهة ومجموعة أصدقاء الشعب السوري و”نواتها الضيقة” من جهة أخرى، بل داخل المعسكرين نفسيهما، وذلك حول نقطتين أساسيتين: مصير الرئيس الأسد وأولويات الحرب القائمة في هذا البلد.
في المقابل، فإنها سلطت الضوء على وجود “توافقات” تتناول بقاء بنية الدولة السورية وتلافي تقسيمها خصوصا التركيز على الحاجة لمحاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش.
وكشفت مصادر دبلوماسية اطلعت على مضمون المحادثات لصحيفة “الشرق الأوسط”، أن موقف الولايات المتحدة الأميركية كما نقله مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية دانيال روبنشتاين، ما زال يتميز بـ”التحفظ” لجهة رحيل نظام الأسد الذي ما زالت الإدارة الأميركية ترى فيه “رافدا” في الحرب التي تقوم بها في العراق وسوريا على “داعش”.
ورغم الوهن البادي على قوى النظام السوري الذي تتسارع خسائره في جنوب البلاد وفي الشمال الشرقي والوسط، فإن الجانب الأميركي ما زال يرى للأسد “دورا” في العملية السياسية الانتقالية. أما “الهاجس” الأكبر لواشنطن، وهو ما عبر عنه كذلك المندوب البريطاني الذي التقى دي ميستورا، فهو وقوع العاصمة دمشق بأيدي داعش.
وبالنظر لأولوية الحرب على “داعش” فإن المواقف الأميركية والروسية أصبحت “متقاربة”، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب لقائه نظيره الأميركي جون كيري في منتجع سوتشي على البحر الأسود في 12 أيار الماضي.
وبحسب الملومات المتوافرة، فإن روبنشتاين قام بزيارة بعيدة عن الأضواء إلى موسكو عقب اجتماعه في جنيف مع دي ميستورا، نقل فيها إلى نائب وزير الخارجية بوغدانوف تصورا أميركيا لحل سياسي في سوريا لا يستبعد الأسد في مراحله الأولى. وفي المناسبة عينها، أبدى روبنشتاين مخاوف من رفض حلفاء إقليميين لواشنطن صورة الحل كما تراه الإدارة الأميركية خصوصا بالنسبة لدور الأسد في المرحلة الانتقالية.
بالمقابل، فإن مصادر أخرى لـ”الشرق الأوسط” في العاصمة الفرنسية، ترى أن التطورات الميدانية المتمثلة بسقوط “قلاع” حصينة للنظام الذي تتراجع رقعة المساحات الجغرافية التي يسيطر عليها “ستدفع بالدبلوماسية الأميركية إلى تغيير نهجها لأن النظام لم يعد قادرا على الصمود، وبالتالي يتعين على واشنطن أن تبلور خططا أخرى”.
وتفيد هذه المصادر بأن “الرياض وأنقرة والدوحة وباريس وغيرها من العواصم لا تتبنى المقاربة الأميركية” رغم دعوتها إلى “عدم الاستهانة” بما بقي للنظام من قوات ودعم، وبالتالي «تلافي الوقوع مجددا في خطأ استعجال توقع سقوط النظام كما حدث في عامي 2011 و2012″.
ما قاله روبنشتاين لدي ميستورا سمعه الأخير من المندوب الروسي في جنيف، ومن مسؤول الملف السوري في الخارجية البريطانية. وفيما طالب الأول بـ”احترام إرادة الشعب السوري في اختيار رئيسه وممثليه”، دعا بموازاة ذلك إلى إدخال تعديلات على بيان جنيف الذي صدر نهاية حزيران من عام 2012، والذي قام على أساسه مؤتمر جنيف الفاشل نهاية عام 2013 وبداية عام 2014.
ورغم أن المندوب الروسي ألكسي بورودافكين جدد القول إن بلاده “غير متمسكة بشخص” في إشارة للأسد، فإنه أضاف أنه “يتعين احترام نتيجة الانتخابات” الرئاسية التي أجريت في سوريا العام الماضي والتي منحت الأسد ولاية جديدة. لكن ثمة قناعة تقوى يوما بعد يوم في الدوائر الدبلوماسية الغربية، أنه “ربما حان الوقت” للعمل اليوم بشكل أوثق مع موسكو لإيجاد مخرج سياسي للحرب الدائرة في سوريا، وأن موسكو هي “الجهة الوحيدة القادرة على لعب دور مؤثر”، خصوصا إذا اقتنعت بأمرين: الأول، أن النظام السوري “لن يكون قادرا بعد اليوم على الحفاظ على مصالحها” بعد الإنهاك الذي يعاني منه. والثاني، وجود اختلاف في الأهداف القريبة والبعيدة بين روسيا وبين إيران حيث إن طهران تلعب الورقة السورية كجزء من مجموعة وسائل ضاغطة لفرض أجندتها الخاصة على المنطقة وفي عملية لي الذراع بينها وبين الغربيين، وعلى رأسهم الطرف الأميركي.
كان المبعوث الدولي بادي الاهتمام بما سيسمعه من مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، الذي عاد، وفق المصادر التي تحدثت إليها “الشرق الأوسط”، للتسويق لخطة قديمة طرحتها طهران سابقا وتقوم على وقف النار وإطلاق حوار وطني يتبعه تشكيل حكومة وطنية واسعة التمثيل والتركيز على معالجة الوضع الإنساني الناتج عن الحرب.
وواضح من نزع الغبار عن خطة لا تأتي لا من قريب ولا من بعيد على مصير النظام والأسد، أن طهران ما زالت “متمترسة” عند مواقفها السابقة الداعمة من غير حدود للنظام السوري ولرئيسه. لكن طهران سعت لإغراء الاتحاد الأوروبي أو الدول الرئيسية المهتمة داخله بالأزمة السورية عن طريق الإعراب عن استعدادها للتعاون معه لإيجاد حل، وللقيام بدور “الوسيط”، ولكن من غير طرح أفكار جديدة.
الجديد جاء به فريدريك هوف، المبعوث الأميركي السابق والمسؤول عن الملف السوري، الذي أعد تقريرا رفع إلى الإدارة الأميركية، وفيه ينصح بإنشاء ما يسميه “قوة استقرار” سورية تسهم واشنطن في تدريبها وتأهيلها وتتشكل من 50 ألف رجل، وتكون مهمتها المحافظة على المؤسسات وتوفير الأمن، وليس فقط محاربة “داعش” مثلما تريد الإدارة.
وتدعو خطة هوف، بالتوازي، إلى إقامة منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة، وهو ما تطالب به تركيا وترفضه واشنطن حتى الآن لعدم رغبتها في الاصطدام بقوى النظام أو حتى بإيران. لكن هوف لا يبدو متفائلا لجهة تغير السياسة الأميركية في سوريا، حيث إن أولويات واشنطن اليوم في المنطقة لها عنوانان: توقيع الاتفاق النووي مع طهران وهزيمة “داعش” في العراق. أما ما خلا ذلك فهو قابل للانتظار رغم تداخل الملفات.
من جهتها، كتبت صحيسفة “النهار”: “ما الذي يعوق وضع بشار الأسد وحاشيته الضيقة في طائرة تنقلهما الى بلد يمنحهم اللجوء، بما يفتح الباب على عملية انتقال سياسي شاملة تُبقي الهياكل الضرورية للدولة كنقطة التقاء مع المعارضة لمواجهة “داعش” والتنظيمات المتطرفة؟
وقالت: “شيء واحد معقد يعوق هذا هو الخشية الأميركية والروسية المشتركة ان تندفع الجماعات المتطرفة لسد الفراغ، الذي سينتج من انهيار الأسد وتهاوي نظامه كاملاً، ولهذا يتركز الاهتمام على وضع ترتيبات صلبة للإمساك بالوضع في اليوم التالي لنهاية الأسد”.
وأضافت: “كل ما يقال عن غموض الموقف الروسي من القبول أخيراً بتسفير الأسد الى لجوء يحميه من الوقوف أمام محكمة الجنايات الدولية لا معنى له على الإطلاق، اذ يكفي ان نعرف ان موسكو أجلت معظم ديبلوماسييها ورعاياها من اللاذقية وان بين الذين رحلوا خبراء يعملون في غرفة عمليات دمشق التي تضم خبراء روساً وإيرانيين. ويكفي ان نقرأ التقارير الديبلوماسية عن سعي أعضاء الدائرة المحسوبة على الأسد الى الحصول على تأشيرات للسفر الى الخارج، لكي نفهم ان الأسد بات خارج الحساب الروسي.
وتابعت “النهار: “دعونا من هذه المؤشرات ولنسأل هل كان المراوغ ستيفان دو ميستورا ليدعو الأسد الى الرحيل مطالباً واشنطن بالضغط عسكرياً في هذا الإتجاه، لو لم يكن يعرف ان هناك مساعي اميركية روسية تعمل ضمناً في هذا الإتجاه؟
ودعونا نسأل لماذا حرصت ايران بعد سقوط اللواء ٥٢ بما يفتح طريق المعارضة الجنوبي الى دمشق، على الإعلان ان ليس لها قوات تدعم الأسد على الأرض، في حين تتحدث التقارير من طرطوس عن ان قوافل الإيرانيين والأفغان الذين جندتهم طهران، يصلون لدعم الأسد الذي يتهاوى عسكرياً منذ أسابيع، أوليس هذا النفي من قبيل استباق احتمال انهيار النظام، بحيث تحاول طهران ان تدرأ نفسها سلفاً عن الهزيمة مباشرة!
ورأت الصحيفة أنه لم يعد خافياً على أحد ان الأسد في نظر الأميركيين والروس بات يواجه نهايته المحتومة منذ بدأت سلسلة انهيارات قواته في الجنوب والشمال، وفي ظل هذا اتّسع هامش الحوار بين البلدين بحثاً عن مخرج يبعده ويقطع الطريق على زمن الدواعش، وليس مستغرباً ان يكون هذا فتح الأبواب على بازارات أخرى على هامش الملف السوري.
في هذا السياق ماذا يمنع بوتين من أن يدخل في مقايضة مع أميركا والأوروبيين فيبيع في سوريا مقابل الشراء في أوكرانيا، وخصوصاً اذا ضمن ان مصالح روسيا ستُحفظ مع النظام الجديد وان المعركة ستستمر ضد التكفيريين في سوريا، بما يحول دون عودة الدواعش من شيشانيين وروس وطاجيك وغيرهم لتنفيذ عمليات ارهابية في روسيا، وما الضرر من انخراطه في مقايضة ثانية مع الخليجيين الذين يشترون رأس الأسد بأي ثمن؟.