IMLebanon

الفساد يمنع ضخ 1.1 مليار دولار في السوق اللبنانية

MoneyTransfers
خضر حسان
تطرح الأزمات الكثيرة التي يمر بها لبنان تحديات ليست بقليلة، خصوصاً على مستوى إدارة هذه الأزمات، والإستفادة من الدعم الدولي بشكل كبير. وأكثر ما يواجهه لبنان مشكلة ضمان إستمرار توفير الدعم ومشكلة إستثماره في مجالات إنتاجية وحيوية، في ظل إرتفاع الضغوط، والتي تُعدّ أزمة النازحين السوريين من أبرزها.
تُعتبر الدول متوسطة الدخل أو أدنى، من الدول المدرجة على لائحة من يتلقون المساعدات من البنك الدولي. لكنّ التمويل مهدد بالتوقف ما ان تصبح الدولة قادرة على إعانة نفسها وتجاوز أزماتها. ويندرج لبنان في عداد الدول “التي بلغت سن الرشد” وباتت قادرة على إدارة أزماتها، ومنها أزمة النازحين، وبالتالي لم يعد لبنان بحاجة لمساعدة البنك الدولي تحت باب تمويل الدول المتوسطة الدخل أثناء الأزمات. وإتخذ البنك الدولي قراره إعتماداً على إجمالي الناتج المحلي للفرد، وهو أحد المؤشرات التي يعطي البنك تمويله على أساسها.
وأمام تخلي البنك الدولي عن تمويل لبنان في هذا المجال، تزداد صعوبات تحمل كلفة النزوح السوري في ظل عدم قدرة البنى التحتية على إستيعاب حوالي 6 ملايين شخص موجودين على الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، يرى المجتمع الدولي ان لبنان “أبلى بلاءً حسناً في بعض الأمور الإستثمارية في السنوات الخمس الماضية، في ظل وجود ما يقارب 1.5 مليون نازح. وحصل ذلك لأن لديه بنية قوية تمكّنه من استقبال النازحين”، لكن الى جانب ذلك، “ليس من العدل ان يتحمل لبنان وحده عبء النازحين، فعلى الأسرة الدولية زيادة مساعداتها للبنان”، وفق إيريك سولهايم رئيس لجنة المساعدة الإنمائية في منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية.
وخلال ندوة حول “تحديات تمويل الدول متوسطة الدخل أثناء الأزمات”، أقيمت في “الجامعة الأميركية في بيروت”، رأى سولهايم أنّ الضغوط التي يواجهها لبنان حيال النازحين، “تواجهها كل دول العالم تقريباً، حتى الدول الأوروبية لديها مشكلة مع النازحين، وبعض أحزابها يعارض إستقبالهم. ومن هنا نرى بأن لبنان أحسن إستقبال النازحين، ولو حصلت هذه الأزمة في بلداننا لكانت الخسائر أكبر”.
إشادة سولهايم بما قدمه لبنان للنازحين، رافقتها إشادة من المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريد بلحاج، الذي أشار الى ان “لبنان يوفر خدمات جيدة للنازحين لكن الوضع سيصبح سيئاً إذا إستمرت الأزمة ولم تزداد المساعدة من الأسرة الدولية”، وعبّر بلحاج صراحة عن إتجاه الى “توقف التمويل على المدى الطويل”، وهذا ما يضع لبنان أمام خطر حقيقي، خصوصاً أنّ “النازحين سيبقون لفترة ما بين 8 الى 10 سنوات في لبنان”، لذلك دعا بلحاج الى “إيجاد سبل لمساعدة النازحين ليشاركوا في الديناميكية الإنتاجية للدولة”، وكشف بلحاج عن وجود “1.1 مليار دولار جاهزة لكي تُضخ في السوق اللبنانية، لكن ضخها يفشل بسبب نظام الحوكمة في لبنان”، مؤكداً على الحاجة “لتخطي المشاكل السياسية، وضرورة الفصل بين الإقتصاد والسياسة، وهذا ما يعتبر مشكلة كبيرة في لبنان”.
في المقابل، وبرغم تناول النزوح السوري كأزمة أساسية تواجه لبنان، الاّ ان الفساد السياسي يندرج ضمن أكثر الأزمات تعقيداً، والتي تنعكس سلباً على تحقيق التنمية، وحتى على الإستفادة أكثر من المساعدات الدولية التي يتلقاها لبنان لمعالجة آثار النزوح. فالفساد السياسي مسؤول عن فرملة المشاريع الإنتاجية منذ وقف الحرب الأهلية مطلع التسعينيات حتى اليوم، وبحث كل طرف سياسي عن مصالحه في كل مشروع إستثماري على مستوى الدولة، وعدم تأمين البنى التحتية لجذب المستثمرين المحليين والعالميين، يشكّلان عامل طرد للمستثمرين، ويُبقيان معدلات التنمية منخفضة، ويؤثران سلباً على الإقتصاد الوطني. كما ان توجيه النشاط الإقتصادي نحو القطاعات الإستهلاكية، وتحديداً قطاع الخدمات، يجعل من الإقتصاد اللبناني إقتصاداً هشّاً لا يصمد امام الأزمات، وهذا ما يشهده الإقتصاد حالياً، فهو غير قادر على تحمّل نتائج إقفال الحدود البرية وتصاعد التوترات الأمنية على الحدود وفي الداخل.
وفي ما يتعلق بالبنى التحتية، رأى الخبير الإقتصادي والوزير السابق ناصر السعيدي، أن “هناك ضرورة لتأهيل البنى التحتية اللبنانية التي تعود الى مرحلة السبعينيات”، ولفت السعيدي النظر في حديث لـ “المدن” إلى أنّ تأهيل البنى التحتية “يجب ان يتولاه القطاع الخاص بالشراكة مع الدولة، وهناك خبرة واسعة للقطاع الخاص في هذا المجال”، مشيراً الى ان “الشركات اللبنانية هي من شيّد البنى التحتية في الخليج، وهذا دليل على ان المشكلة ليست في إستعدادات القطاع الخاص، وإنما في الأزمة السياسية”. من جهة أخرى، أكّد السعيدي إستعداد القطاع الخاص للمساهمة في القطاعات الإنتاجية وليس فقط في الخدمات، فالقطاع الخاص “يستثمر في الزراعة، كزراعة الزيتون والعنب، وفي صناعة النبيذ وغيرها، لكن المشكلة في تسويق الإنتاج. لذلك علينا الدخول الى الحلقة الإقتصادية العالمية وإعتماد المعايير العالمية ومعرفة كيفية التسويق، وهنا يأتي دور الدولة، لأن القسم الأكبر من هذا النشاط ترعاه الإتفاقيات الدولية”.
إستمرار تداعيات النزوح والفساد السياسي، يكشف خطأ قرار البنك الدولي بوقف تمويل لبنان ضمن برنامج تمويل الدول متوسطة الدخل. لكن هذا الخطأ مبرّر إذا ما نظرنا الى ان البنك الدولي لا يقيس القدرة الشرائية للدخل الفردي، فإحصاءات البنك الدولي تبيّن ان إجمالي الناتج المحلي للفرد سنوياً في لبنان، وصلت الى حوالي 10 آلاف دولار سنوياً في العام 2013، وهذا الرقم ينتج عن حساب الناتج على أساس راتب 500 دولار للمنتجين إقتصادياً. لكن في الواقع، فإن الـ 500 دولار لا تكفي لإعالة فرد في بيروت مثلاً، حتى ان فرداً يتقاضى 1000 دولار شهرياً، أي 12000 دولار سنوياً، غير قادر على تأمين معيشته بشكل لائق، في ظل توزيع الراتب بين الأكل والشرب ودفع أكلاف الكهرباء والمياه للدولة، وللقطاع الخاص، فضلاً عن تكلفة الصحة والتعليم وما الى ذلك. وهذه الفجوة بين الأرقام المجرّدة والقيمة الحقيقية للدخل الفردي، “باتت موضوع حوار ونقاش في البنك الدولي من أجل الخروج من مأزق فارق القيمة”، كما يؤكد بلحاج، الذي يضيف ان البنك الدولي يناقش أيضاً “الأخذ في الإعتبار القدرة الشرائية للدخل في ظل ضغط النازحين”.
وقف مساعدة البنك الدولي للبنان يُتوقع ان تتحول الى أزمة متواصلة ستتخبط فيها القوى السياسية، كما كانت عليه الحال مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين، والتي لم تتحول الى أزمة إلا بعد بروز الجانب السياسي للوجود الفلسطيني، وهذا ما تخطاه لبنان ما بعد الحرب. ومع إنحسار “الأزمة الفلسطينية” وبروز الأزمة السورية، تبقى أزمة الفساد السياسي حاضرة بقوة، ولعلها هي أساس وجود الأزمتين المذكورتين والأزمات اللاحقة المجهولة – المتوقّعة. وعلى هامش الحلول، بات من الضروري بحث رفع الحظر عن النشاط الإقتصادي الفلسطيني في لبنان، لأن الفلسطينيين باتوا تماماً كاللبنانيين، مشاركين فاعلين في حركة الإستهلاك اليومية، لكن من دون الإستفادة منهم في الإنتاج، فهم بحسب القانون، ممنوعون من ممارسة أكثر من 70 مهنة، ما يعني عدم الإستفادة من اليد العاملة الفلسطينية المنتجة، التي تضخ أموالاً في السوق، على عكس بقية “الأجانب” الذين يُخرجون أموالهم من لبنان.
أما إذا لم ينجح السياسيون في تغيير سياساتهم، فعليهم زيادة إستجدائهم للمنظمات الدولية لكسب المزيد من الأموال.