هل ما عجزت عنه الحكومة بحراً ستنجح في تحقيقة براً بعدما ثبت وجود مخزون مهم للبترول في البر اللبناني؟ ومع ان للتنقيب البري ميزات تجعل استخراج النفط أسهل من البحر، إلا أن المشكلة ليست في آلية التنقيب بقدر ما هي في التوافق السياسي. وبالتالي، المشكلة قائمة سواء في البر أو في البحر.
فقد اعتبر مستشار مجلس النواب للشؤون النفطية الخبير ربيع ياغي أن ما كشفته داتا المسح الجوي للبر اللبناني عن توفر مخزون بترولي في مناطق محددة في البر اللبناني يشكل نتائج اولية مشجعة. ولفت الى ان هذه الخلاصات هي نتيجة المسح الجيولوجي الجيوفيزيائي الجوي لمنطقة لا تتجاوز مساحتها 6000 كلم 2، 4000 منها في الشمال و 2000 منها تمثل الساحل اللبناني اي تقع ما بين البر والبحر الممتد من الشمال الى حدود صور.
وأوضح لـ«الجمهورية» ان التركيبة الجيولوجية لهذه المنطقة تمتد باتجاه البقاع الاوسط وهو ما يعرف بخط نار او مرمى من الساحل باتجاه البقاع الاوسط، لافتاً الى ان هذه التركيبة والطبقات المالحة للارض تعطي مؤشرات ايجابية عن احتمال وجود نفط في هذه المنطقة او غاز او الاثنين معاً.
وشرح أن الدراسات التي قدمت هي تشخيص اولي، ويمكن استناداً اليها القول ان المؤشر ممتاز.
أما للتأكد 100 في المئة من وجود البترول في البر فيجب اللجوء الى مسح جيولوجي ثنائي وثلاثي الابعاد في البر كما سبق وحصل في البحر، وذلك لتثبيت ما هو مؤكد. وشدّد على ضرورة ان تستكمل الدراسات لتشمل كل الاراضي اللبنانية، لا سيما في البقاع والجنوب وجبل لبنان.
ميزات التنقيب البري
شرح ياغي رداً على سؤال، أنه وفق تركيبة لبنان الجيولوجية يقع بر لبنان في الحوض التدمري، بينما بحر لبنان يقع في الحوض المشرقي. وقد اظهرت الدراسات التي اجريت في سوريا على نفس الحوض التدمري مؤشرات واعدة كونها تحتوي على طبقات ملحية بما يؤكد وجود «هايدرو كاربور». واعتبر ان كل هذه المؤشرات تجذب شركات النفط وتشجعها على الاستثمار في البر خصوصاً وأن التنقيب براً اقل كلفة من التنقيب في البحر بأشواط.
على سبيل المثال، حفر البئر الواحد بحراً يكلف 150مليون دولار، بينما كلفة حفر البئر الواحد في البر تتراوح بين 15 و 20 مليون دولار، عدا عن ان التكنولوجيا المطلوبة للحفر براً سهلة ولا تحتاج الى تكنولوجيا معقدة. الى ميزات التنقيب في البر نضيف عامل الوقت، ففي حين نحتاج ما بين 9 الى 10 سنوات لاستخراج النفط من البحر، نحتاج الى 3 سنوات لاستخراجه من البر، هذا في حال الاستقرار السياسي والامني.
الى جانب سهولة الحصول على النتائج، إذ يكفي أحياناً الحفر على عمق 4 الى 5 كلم لمعرفة النتيجة، في حين بحراً نحتاج الى عمق 2000 الى 3000 متر تحت سطح المياه. كل هذه الخصائص تجعل التنقيب في البر أسرع وأكثر تنافسية. ولفت ياغي ايضاً الى ان التنقيب براً أسهل لأن كل الاراضي تخضع للسيادة اللبنانية وغير متنازع عليها مثل حدودنا البحرية.
البقاع الاوفر حظاً
وعما اذا كان البترول متوفرا في كل المناطق اللبنانية، قال: إن مساحة لبنان كلها تساوي حجم حقل نفطي واحد في السعودية، او ايران او روسيا، لذلك هذا الامر غير مستبعد، انما يجب التفتيش عن المكامن الاساسية للبترول.
وأكد ان المكامن الاساسية للنفط عادة لا تتوفر في الجبال، انما في المنحدرات او المناطق المنخفضة، ومعروف ان المناطق المنخفضة في لبنان هي سهل البقاع وتحديداً البقاع الاوسط، وهو الاكثر حظاً باحتوائه على بترول. كذلك يعتبر البقاع الشمالي والبقاع الغربي مناطق واعدة.
ملكية الثروة براً
وشرح ياغي ان كل الثروات الموجودة في باطن الارض سواء الثروات الطبيعية او الكنوز المدفونة تكون ملك الدولة، انما عندما توجد الثروة في ارض ذات ملكية خاصة يتفق صاحبها مع الشركات المنقّبة عن النفط، إما يبيعها للشركة المنقبة، وإما يؤجرها لاجراء عمليات الحفر التجريبي. لكن في حال اكتشف البترول في الارض بالطبع يصبح سعر الارض طائلاًَ، لتصبح اغلى من ملكية الارض الصناعية او الارض الزراعية.
وفي هذا السياق، يبرز عائق واحد في عملية التنقيب براً، وفق ياغي يتمثل في كون معظم الاراضي اللبنانية هي ملكية خاصة تعود لأفراد او لعائلات وليست مشاعات. هذا العامل يستوجب عقد اتفاقات استثمار او استئجار او شراء بين الشركات وصاحب الارض.
وعن الكميات الممكن توفرها في البر، قال: لا يمكن تقديرها قبل استكمال عمليات المسح الجيولوجي او الجيوفزيائي والزلزالي الثنائي والثلاثي الابعاد على كامل المنطقة البرية، لكن من غير المستبعد أن تكون الكمية توازي او أقل أو أكثر الكمية المتوفرة بحراً.
وأوضح ياغي أن عندما نتحدث عن التنقيب البحري فإن أغلب الظن أن ما نستخرجه هو الغاز، اما في التنقيب البري فغالباً ما نستخرج النفط الخام، مع أرجحية للغاز.
هل يسبق التنقيب البري؟
إن التنقيب عن النفط في البر يتطلب قوانين تنظم عملية التنقيب والاستملاك والاستثمار براً، تليه مراسيم تطبيقية. وتجنباً للتعقيدات التي مرت بها قوانين التنقيب عن النفط بحراً التي لا تزال عالقة في مجلس الوزراء، اقترح ياغي شركة نفط وطنية حكومية مستقلة تتولى على عاتقها كل العملية النفطية من اصدار المراسيم التطبيقية الى الادارة والرقابة والتفاوض وتوقيع عقود ومشاركة الدولة في الاستثمار لأن الكلفة أقل من الاستثمار براً.