IMLebanon

الصورة الذهنية عن الوزارات والمسؤولين

Governance
عبدالله بن ربيعان
الصورة الذهنية أو ما يسمى Stereotype، هي صورة تتطبع عادة عن الشخص أو المكان أو أي شيء آخر نتيجة موقف شخصي، أو بسبب تناقل الناس للأخبار والقصص والحوادث عن شخص معين أو مكان معين أو حدث معين، وسرعان ما تتداعى هذه الصورة المختزلة في العقل الباطن للإنسان مباشرة عند ذكر هذا الشخص أو المكان أو الحدث المعين.
والصورة الذهنية قد تكون جيدة وقد تكون سيئة، اعتماداً على الموقف الشخصي أو على أحاديث الرواة عن المكان أو الحدث أو الشخص المعين. ولو ضربنا مثلاً بأجهزة خدمية أو حكومية أو خاصة، فالأكيد أن الصورة التي تتداعى لذهن الشخص حينما يمر ذكر جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ليست الصورة الذهنية نفسها التي تتداعى للسامع حين تذكر جامعة أخرى، هذا بافتراض أنه لم يسبق للسامع أن زار جامعة البترول ولا الجامعة الأخرى.
كما أن الصورة الذهنية عن وزارة التجارة اليوم ليست الصورة نفسها المنطبعة في الأذهان عن الوزارة نفسها في عهودها السابقة، على رغم أن السامع قد لا يكون راجع أو احتاج منها شيئاً في عهديها القديم ولا الجديد، ولم يقابل أياً من مسؤولي العهدين.
أيضاً تخيل – عزيزي القارئ – الصورة الذهنية عن الخطوط السعودية اليوم، وكيف يكون التذمر والشكوى لو تأخرت رحلة واحدة من 100 رحلة طارت منها 99 في موعدها. المنطق يقول تمتدح الخطوط 99 مرة في مقابل انتقادها مرة، ولكن الذي يحصل أن الصورة الذهنية التي تكونت عندك من سماع الشكاوى والتذمر والانتقاد من قبل على ناقلنا الوطني ستنسيك الـ99 رحلة التي غادرت في موعدها، وستركز على الرحلة الوحيدة التي تأخرت، (ولست هنا أدافع عن الخطوط).
تخيل أيضاً وزارة الإسكان، صورتها في أذهان الناس قاتمة، فهي وزارة عاجزة غير منتجة متخبطة، وقل ما شئت عنها والصورة الذهنية تدعمك. يساعد في ذلك أيضاً أن النفس البشرية ترتاح للتعميم، فحينما يخطئ موظف جهة معينة فالصورة الذهنية تعمم أن الجهة كلها سيئة، وجميع موظفيها سيئون، وكل ما تفعله سيئ.
الصورة الذهنية تمتد أيضاً للأشخاص، فالصورة الذهنية عن الأمير خالد الفيصل كقائد أو توفيق الربيعة تختلف عن الصورة الذهنية التي تختزلها عقولنا الباطنة عن مسؤولين آخرين، كما أن الصورة الجيدة عن قيادة الفيصل أو الربيعة ستنعكس مباشرة على الجهتين وإدارتهما حتى قبل أن يباشرا عملهما فعلياً.
وبالتأكيد، لا تعني الصورة الجيدة التي تختزلها عقولنا الباطنة عن أشخاص أو جهات معينة أنهم بلا أخطاء، ولكن حينما تكون الصورة الذهنية عن الشخص أو المكان إيجابية فأخطاؤه مغفورة، وزلته مدموحة في مقابل حسناته التي جملت صورته في الأذهان.
وعلى العكس، فلو كانت الصورة النمطية المختزلة سيئة فكل خطأ يتم تكبيره، وكل زلة يتم تضخيمها، وكل فعل حسن قد يتم قلبه والبحث عن وجهه القبيح ونفخه.
وبالمناسبة، فالصورة الذهنية تختلف عن الانطباع الأول أو ما يسمى First Impression، وإن كان هناك ترابط كبير بينهما. والفارق أن الانطباع الأول قد يتغير في وقت قصير، بسبب أنه غير صادق، ولكن الصورة الذهنية تكونت بمرور زمن طويل، وتواتر الأخبار والحوادث والقصص، ولا يمكن تغييرها بسهولة في الزمن القصير (قد يكون الانطباع الأول هو الأخير، أو هو الصورة الذهنية في حال لقاء شخص لمرة واحدة في الحياة، أو زيارة مكان معين لزمن قصير فقط).
ما سبق يقودنا إلى السؤال المهم، وهو: هل يدرس المسؤول أو الوزير الجديد الصورة الذهنية للجهة التي جاء لقيادتها ويتعرف عليها قبل أن يدخل من بابها؟ وهل يعرف المسؤولون والوزراء الحاليون ما الصورة الذهنية المتكونة عند الناس عن جهاتهم أو عنهم شخصياً؟
شخصياً، أشك في ذلك بدليل عدم سعي الوزراء والمسؤولين الجدد أو حتى القدماء إلى تغيير الصورة السلبية، ومحاولة قلبها إلى صورة إيجابية، من خلال التغيير والعمل والإنجاز، وأيضاً بدليل أنك تقرأ تصريحاً «خنفشارياً» لمسؤول في وزارة أو جهة يعدد إنجازاتها وينفي جميع مشكلاتها، على رغم أن صورتها الذهنية متهالكة وهو – أي التصريح – ما يزيد الصورة رداءة وسوءاً.
والخلاصة، أن تركيز المسؤولين يجب أن يبدأ من فهم الصورة الذهنية وقراءتها جيداً، فإن كانت جيدة فليستمر بالحفاظ عليها، وإن كانت سيئة فليحاول تغييرها. والأكيد أن من يسمى لقيادة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يجب أن يستمر في الخطى نفسها التي تسير عليها الجامعة، ومن يعين في جهة أخرى فعليه العمل على قلب الصورة رأساً على عقب، وما لم تتغير الصورة الذهنية فمعناه أنه لم ينجح. وقراءة ومعرفة الصورة الذهنية وتغييرها هي أولى علامات نجاح المسؤول، وما لم ينجح في تغيير الصورة فالأكيد أن الناس ستطالب بتغييره!