Site icon IMLebanon

بول كروغمان عن “الأميركي الذي لا يشعر بالأمان الاقتصادي”

UnemploymetnUSAAmerican
بول كروغمان
تظل أميركا، وعلى رغم ما تسبب فيه الكساد الكبير وما أعقبه من ضرر، بلدا ثريا جدا، ولكن لا يشعر كثير من الأميركيين بالأمان على الصعيد الاقتصادي، في ظل حماية لا تكاد تذكر من مخاطر الحياة. ويعاني الأميركيون باستمرار من صعوبات اقتصادية، فكثير منهم لا يتوقعون أن يكونوا قادرين على بلوغ التقاعد، وإذا حدث وتقاعدوا، يتبقى لديهم القليل للإنفاق على أنفسهم إضافة إلى الضمان الاجتماعي.
لن يتفاجأ الكثير من القراء، وهذا ما أتمناه، بما قلته للتو، ولكن لا يبدو على الأميركيين الأثرياء، وهم كُثر، وبشكل خاص، أعضاء نخبتنا السياسية، الشعور إطلاقا بما يعانيه النصف الآخر. ولهذا يجب أن يتم الاطلاع على دراسة جديدة حول الرفاه المالي للأسر الأميركية، أجراها مصرف الاحتياطي الفيدرالي، داخل أوساط الحكومة الفيدرالية. وقبل أن أتحدث عن هذه الدراسة، أود الحديث قليلا عن حالة قاسية من غياب الوعي المتفشي في حياتنا السياسية.
أنا لا أتحدث هنا عن احتقار اليمين للفقراء، أو بالأحرى لا أتحدث فحسب عن ذلك، فرغم هيمنة التيار المحافظ عديم الرحمة الواضحة. يعتقد أكثر من 75 في المائة من المحافظين أن الفقراء «يعيشون حياة متيسرة» بفضل المزايا الحكومية، بينما يعتقد واحد فقط من بين كل سبعة محافظين أن الفقراء «يعيشون حياة صعبة».
من الأمثلة الواضحة على ذلك، الموقف حيال برامج الضمان الاجتماعي، فلطالما كانت الرغبة المعلنة في الحد من مزايا الضمان الاجتماعي، وبخاصة عن طريق رفع سن التقاعد، موقفا مطلوبا من الساسة والخبراء ممن يريدون الظهور بمظهر الحكماء المسؤولين كدلالة على جديتهم. وفي النهاية، يعيش الناس حياة أطول، فلماذا لا يعملون لفترات أطول كذلك؟ أليس الضمان الاجتماعي نظاما عفى عليه الزمن، وبات منفصلا عن الواقع الاقتصادي المعاصر؟ وفي الوقت نفسه، يعد أمر طول الأعمار في مجتمعنا، الذي تغيب فيه المساواة أكثر من أي وقت مضى، مسألة طبقية إلى حد بعيد جدا، فقد ارتفعت السن المتوقعة البالغة 65 عاما كثيرا بين القادرين، بينما ارتفعت بنسبة لا تكاد تذكر في أوساط الذين يقبعون في أسفل سلم الأجور، أي بعبارة أخرى من هم أكثر احتياجا للأمن والضمان الاجتماعي.
وفي الوقت الذي لا يبدو فيه نظام التقاعد الفيدرالي المقترح عصريا بالنسبة إلى المهنيين ميسوري الحال، يعد بمثابة شريان حياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بالنسبة لكثير من بني وطننا. ويحصل أغلبية الأميركيين ممن تتجاوز أعمارهم 65 عاما، على أكثر من نصف دخلهم من خلال نظام الضمان الاجتماعي، بينما يعتمد أكثر من الربع بشكل كامل تقريبا على هذه الشيكات الشهرية.
قد تكون هذه الحقائق في طريقها أخيرا لاختراق النقاش السياسي، إلى حد ما، إذ يبدو أننا لا نسمع كثيرا هذه الأيام عن الحد من مزايا الضمان الاجتماعي، بل ونلمس بعض الاهتمام بالاقتراحات الخاصة بزيادة المزايا، بالنظر إلى تآكل المعاشات الخاصة. مع ذلك أشعر أن واشنطن ما زالت لا تفهم حقائق الحياة الخاصة بأولئك الذين لم يتقدم بهم العمر بعد. وعند هذه النقطة يمكن الحديث عن دراسة الاحتياطي الفيدرالي آنفة الذكر.
مر عامان على هذه الدراسة، وتستعرض النسخة الحالية فعليا صورة لأمة في طريقها إلى التعافي، ففي 2014، على خلاف 2013، قال عدد كبير ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم كانوا أفضل حالا عما كانوا عليه قبل خمس سنوات. ومع هذا، فالمدهش هو مدى ضآلة مجال الخطأ في حياة كثير من الأميركيين.
نحن نجد على سبيل المثال، أن ثلاثة من بين كل عشرة أميركيين غير مسنين قالوا إنهم لا يملكون أي مدخرات، أو معاشا للتقاعد، وأن النسبة نفسها أفادت بأنها عاشت من دون أن يتوفر لها شكل ما من أشكال الرعاية الصحية خلال السنة الماضية لأنهم لم يكونوا قادرين على الحصول عليها، بينما أفاد ما يقرب من الربع أنهم أو أقاربهم قد عانوا صعوبات مالية خلال السنة الماضية.
وثمة شيء أدهشني على وجه الخصوص هو قول 47 في المائة إنهم لن تكون لديهم الموارد الكافية لتغطية نفقات غير متوقعة بقيمة 400 دولار. 400 دولار!، مشيرين إلى أنهم سيضطرون إلى بيع شيء ما للاقتراض من أجل الوفاء بهذه الحاجة، إذا كانوا قادرين على الوفاء بها بالأساس.
ولكن رغم أن الأمور كان يمكن أن تصبح أسوأ، كان يمكن أن تصبح أفضل. لا يوجد ما يسمى ضمانا مثاليا، لكن كان من السهل أن تتمتع الأسر الأميركية بقدر أكبر من الأمان. كل ما هو مطلوب هو أن يتوقف الساسة والخبراء عن حديثهم المشبع باستخفاف عن الحاجة إلى خفض «المستحقات» وأن يبدأوا النظر إلى الطريقة التي يعيش بها إخوانهم المواطنون الأقل حظا.