رأت صحيفة “السفير” أنه إذا كان العنوان الفعلي لتعطيل الحكومة، هو موقع قيادة الجيش، ربطا بالاستحقاق الرئاسي المؤجل، فان رئيس الوزراء تمام سلام اختار التوقيت الحكومي المعلق، ليعلن من وزارة الدفاع في اليرزة تضامنه مع المؤسسة العسكرية في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والإرهابي، مشيدا في الوقت نفسه، بقيادتها الحكيمة وقدرتها على حفظ هذه المؤسسة وصولا الى إبعادها عن التجاذبات السياسية القائمة.
وهكذا، فان “الخميس العسكري”، أعطى أوضح إشارة إلى وجود إرادة محلية وخارجية بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لسنتين إضافيتين على رأس قيادة الجيش في ظل تعذر التعيين من جهة، وعدم استعداد أي جهة إقليمية أو دولية للتفريط بالاستقرار اللبناني من جهة ثانية.
إلى ذلك، اشارت مصادر مطلعة لصحيفة “اللواء” إلى ان “زيارة رئيس الحكومة تمام سلام إلى وزارة الدفاع خلت من أي إشارة إلى أزمة التعيينات الأمنية، لكن الزيارة في حدّ ذاتها اعطت انطباعاً بأن الحكومة ليست في وارد تعيين قائد جديد للجيش في هذه المرحلة، وهو ما أكده وزير الدفاع سمير مقبل بان ما نقل عن لسانه عن وضع قائد الجيش العماد جان قهوجي في تصرف وزير الدفاع غير صحيح”.
من جهتها، اشارت مصادر تكتل “التغيير والاصلاح” لصحيفة “اللواء” الى أن موقف “التيار الوطني الحر” من ملف التعيينات لم يتبدل، وأن هناك إصراراً على إدراجه ضمن بنود جدول أعمال مجلس الوزراء، وأن الكلام عن تغيير في هذا الطرح ليس وارداً بالنسبة إليه”.
صحيفة “الأخبار” رأت أن زيارة رئيس الحكومة ووفد المستقبل الى اليرزة، أمس، تقع شكلاً تحت خانة دعم الجيش، لكن توقيتها قد يصب في مصلحة استخدام قيادة الجيش ورقة ضغط ضد العماد ميشال عون
وقالت: “في الشكل، تحمل زيارة رئيس الحكومة الى وزارة الدفاع، أمس، طابع دعم الحكومة للجيش، وقوبلت بحملة تهليل لكلام رئيس الحكومة في المؤسسة العسكرية، لكن في التوقيت والمضمون، فإن الزيارة ليست معزولة عن الخلاف السياسي المستحكم حاليا بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون من جهة، ورئيس الحكومة وتيار المستقبل من جهة اخرى، على خلفية تعيين خلف لقائد الجيش العماد جان قهوجي”.
وأضافت الصحيفة: “ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها الجيش لضغط امني وعسكري على الحدود، ولا توجد اليوم، بالمعنى الامني، عوامل ضاغطة تستدعي ان يزور سلام اليرزة، فيما لم يزرها حين اندلعت معركة عرسال الخطرة بحيثياتها وتداعياتها المتعلقة بخطف العسكريين في آب الماضي، بل ارسل موفديه وموفدي المستقبل اليها، وترك قائد الجيش والجيش لمصيرهما في مواجهة داخلية وخارجية، قبل ان يدفع الجيش الى قرارات لا تزال تحتمل منذ ذلك الوقت الاخذ والرد.
وبما ان مجلس الوزراء ابتدع أخيراً صيغة لمعالجة وضع عرسال، ارضت تيار المستقبل وحزب الله على السواء في مقاربة تعامل الجيش مع البلدة وجرودها ومراعاة حيثياتها واوضاع النازحين السوريين، فانه لا ضرورات عسكرية طارئة املت القيام هذه الزيارة.
لكن في السياسة، تحمل الزيارة ابعاداً اخرى. فاللافت ان سلام زار قيادة الجيش، بعد يوم واحد من زيارة وفد تيار المستقبل إياها، من ضمن جولته على القادة السياسيين، فيما نقلت وسائل اعلام المستقبل عن قهوجي قوله ان تعطيل الحكومة يؤذي البلد امنيا.
واعتبرت “الأخبار” أنه في الزيارتين، ثمة محاولة للتلطي وراء قيادة الجيش وقائد الجيش نفسه، وجرّهما الى المواجهة السياسية التي يقودها تيار المستقبل ورئيس الحكومة ومعه مسيحيون من قوى 14 آذار ووزراء الرئيس ميشال سليمان، في وجه عون على خلفية مطالبته بتعيين خلف لقهوجي، ما يضيف الى هدف الزيارتين المعلن، طابع دعم قهوجي، ليس بصفته قائداً للجيش يخوض مواجهات ضد الارهاب وعلى الحدود، بل بصفته شخصية عسكرية يريد عون ازاحتها من موقعها. وبذلك يعطي سلام والمستقبل مخاوف عون صدقية من تحول قهوجي، بعد التمديد له مرة ثانية، اسير توجهات هذا الفريق.
وفي كلتا الحالتين، هناك التباسات ومؤشرات ظهرت اخيرا في اداء تيار المستقبل، بعدما ظهرت حقيقة موقفه من الحوار الطويل الامد مع عون، في الوقوف ضده عند اول احتكاك فعلي يتعلق بمطالب الاخير في الحكومة”.
وبحسب احد السياسيين، فان الخطورة تكمن في ان ما يمارسه المستقبل وحلفاؤه حالياً تجاه قائد الجيش، وما يخوضه من مواجهة مكشوفة مع عون، يتزامن مع الجو الايجابي الذي انعكس في الشارع المسيحي بعد لقاء عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. حتى بدا المستقبل وكأنه، في ظل الاستياء الذي عبّر عنه مسؤولوه تكراراً في الايام الاخيرة من زيارة جعجع الى الرابية مهما حاولوا نفي ذلك علناً، يحاول استبدال المواجهة المسيحية الداخلية بين عون وجعجع التي طواها الرجلان، الى مواجهة بين عون وقهوجي باحتضان الاخير وضمه الى لائحة المنتقدين لعون وتعطيله الحكومة. وهذا من شأنه ان يرتدّ على الشارع المسيحي وعلى الجيش على السواء، لان لا مصلحة للجيش اليوم بالدخول طرفا في مواجهة سياسية كالتي هي واقعة اليوم، بعد سعيه اكثر من مرة الى تحييد نفسه عن التجاذبات السياسية.
فالحملة التي بدأت قبل ايام ضد عون، وضمنا ضد جعجع ايضا، على خلفية اجتماع الرابية واصدار ورقة اعلان النوايا، تسعى الى احياء عبارة المقاطعة المسيحية للحكومة ولمجلس النواب، وتذكير المسيحيين بما حصل عام 1992 وبالارتدادات السيئة التي انعكست على وضعهم في الادارة والسلطة، علما ان ما حصل آنذاك انما جرى ابان الوجود السوري، لا في ظل حكومة «وحدة وطنية» كما هي الحال اليوم. وهذا يعني ان هناك، في المستقبل وخارجه من شركاء في تأليف الحكومة، من يسعى جاهدا الى تحويل الخلاف السياسي بين مكونات الحكومة، خلافات مسيحية، وتحميل المسيحيين وزر عدم تمرير سلسلة من البنود الاجتماعية والاقتصادية والصحية والمالية، وصولا الى تحميلهم ايضا مسؤولية عدم تمرير بنود تتعلق بالجيش والمؤسسة العسكرية، علما ان تيار المستقبل رفض انعقاد مجلس النواب ايام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، لا لتشريع الضرورة ولا لغيره، وبرغم وجود رئيس الجمهورية في قصر بعبدا.
وليس تفصيلا ايضا ان تتزامن المحاولات لاحتواء قيادة الجيش، بعد اعوام من الانتقادات والهجومات الحادة التي شنها نواب ومسوؤلون في المستقبل عليها، مع احياء الحديث عن صلاحيات رئيس الحكومة، في وقت يصر فيه عون على عدم البحث في اي بند على جدول الاعمال، قبل البحث في التعيينات الامنية.
وفتح باب صلاحيات رئيس الحكومة، والدفاع عنها، دفعة واحدة مع تجميع الاوراق في الحكومة ومجلس النواب، التي يراد ان يدفع عون وحلفاؤه المسيحيون في الحكومة (ومعه ضمنا القوات بسبب وقوفها مع تشريع الضرورة ولقاء الرابية) ثمن عدم تمريرها، ليس بريئا. في وقت يستكمل فيه المستقبل حواره مع حزب الله وكأن شيئا لم يكن، تجاوبا مع الاوامر الاقليمية، ويلقي عباءته السياسية على قيادة الجيش تحت ستار دعمه.