تنقسم المرجعيات السياسية والدينية الدرزية حول آلية التعامل مع تداعيات المجزرة التي ارتكبها إرهابيو “جبهة النصرة” بحقّ دروز إدلب. المجزرة أعادت البحث عن سبل لحلّ أزمة دروز جبل السّماق، وعاد البحث عن إخراجهم من إدلب إلى لبنان
تداعيات المجزرة التي ارتكبها إرهابيو “تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة” في حقّ أهالي بلدة قلب لوزة في جبل السماق في إدلب شمال سوريا، والتطورات الميدانية في الجنوب السوري ولا سيما في محيط مدينة السويداء، لا يزال صداها يتردّد في لبنان وسوريا وفلسطين. وعلى رغم التطمينات التي خرجت أمس على لسان النائب وليد جنبلاط بعد اجتماعٍ استثنائي للمجلس المذهبي الدرزي عن أن “الحادث كان فردياً” و”سأعالجه بالاتصالات الإقليمية”، أكّدت مصادر من داخل قرى جبل السّماق لصحيفة ”الأخبار” أن “الأوضاع لا تزال متوتّرة في كل القرى، والأهالي يعانون من خوف شديد”.
وقالت المصادر: “لم يسمحوا لنا بدفن الشهداء، ولا بإقامة مراسم الدفن والعزاء”. وأضافت أن “هناك سبعة معتقلين كانوا لدى النصرة قبل المجزرة، ولا نعرف عنهم شيئاً الآن”. وأكّدت أن “الأمير الجديد الذي عُيِّن مكان الأمير التونسي السابق، وهو من بلدة حارم المجاورة لقلب لوزة، أبلغ الأهالي بأن من يريد البقاء عليه الالتزام بالشريعة، وإلّا عليه الرحيل ومنزله ستتم مصادرته”، مشيرةً إلى أن “أحد نوّاب أمير النصرة أبو محمد الجولاني أتى إلى الجبل، وجال على القرى، ومنحنا مهلة أربعة أيام لتسليم أي سلاح موجود بين أيدينا تحت طائلة المحاسبة، والمهلة بدأت أول من أمس”.
تداعيات المجزرة أعادت البحث في سبل حلّ أزمة بقاء نحو ستة آلاف من أهالي قرى جبل السّماق تحت رحمة إرهابيي “النصرة”، والحديث عن إمكانية إجلاء الأهالي الى خارج منطقة إدلب.
وكشفت صحيفة “الأخبار” أن جنبلاط، الذي طرح في الماضي خروج الأهالي إلى تركيا أو إلى لبنان ولم ينل طرحه موافقة الأهالي الذين أصرّوا على البقاء في بيوتهم، عاد الآن لطرح مسألة خروجهم من إدلب إلى لبنان، عبر تركيا. وقالت مصادر بارزة في المؤسسة الدينية الدرزية لـ”الأخبار” إن “خروج دروز إدلب إلى لبنان أو السويداء قد يكون الحلّ الأمثل، مع أننا لا نفضل هذا الحلّ، وكنا نتمنى لو يبقون في بيوتهم”.
وأكّدت المصادر أنه “لم يحسم شيء حتى الآن، لكنّ البحث في إمكانية قدومهم إلى لبنان حلّ جدّي، وغالبية دروز لبنان وجبل العرب هم في الأصل من إدلب وحلب”. وقالت مصادر أخرى إنه “تمّ البحث قبل أشهر في إمكان خروج الدروز إلى تركيا، وقد تبرّعت الدولة التركية بمجمعات سكنية لإيوائهم، لكنّهم رفضوا وقرّروا البقاء في بيوتهم. أما الآن فيفضّلون النزوح إلى أهلهم في لبنان أو السويداء”.
أجواء اجتماع المجلس المذهبي عكست انقساماً حاداً داخل جسم المؤسسة الدينية حول آلية التعامل مع تداعيات المجزرة وحالة التوتّر الذي يمتدّ من الشوف وعاليه إلى راشيا وحاصبيا. وقالت مصادر شاركت في الاجتماع لـ”الأخبار” إن “جنبلاط حاول فرض التهدئة على الجميع، داعياً إلى احتواء أي ردّات فعل في مناطق البقاع والشوف وإقليم الخروب، في مقابل اعتراض عدد من الحاضرين ومطالبتهم برد فعلٍ على ما حدث لأهالي قلب لوزة”. وأشار جنبلاط في مؤتمرٍ صحافي بعد الاجتماع إلى أن ما حدث هو “مأساة كبيرة صحيح، لكن، أي تفكير أو هيجان من قبل أي أحد هنا أو في سوريا يعرض دروز سوريا للخطر”، داعياً أهل السويداء إلى “المصالحة وعقد الراية والتآلف مع أهل حوران”. بدوره، دعا شيخ العقل نعيم حسن في كلمته خلال المؤتمر الصحافي إلى “أننا في هذه اللحظة الحرجة ما زلنا نؤمن بأن للسياسة الحكيمة دوراً له أصداؤه عند كل الشرفاء، لذلك ما زلنا ندعم كل مسعى في هذا الاتجاه”.
كلام جنبلاط وحسن لا يعكس المزاج الدرزي العام، باعتراف أكثر من مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي، في ظلّ سقوط نظرية الحياد أو الحصول على ضمانات من الجماعات التكفيرية. وقد أجرى جنبلاط في اليومين الماضيين اتصالات عدّة، أبرزها مع السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل ومع تركيا والأردن، وتلقّى اتصالات من عددٍ من الشخصيات والمرجعيات اللبنانية. وأعلنت قناة “أل بي سي”، ليلاً، أن الوزير وائل أبو فاعور “سيتوجّه إلى تركيا الأحد للبحث في ما يواجهه دروز سوريا”.
وبدا كلام النائب طلال أرسلان أمس أقرب إلى ما يردّده الموحدون الدروز في لبنان وسوريا، إذ أكّد أن “كل من يحاول الاعتداء على جبل العرب ستكون مقبرته في هذا الجبل”، مشيراً خلال مؤتمرٍ صحافي في حضور شيخ العقل ناصر الدين الغريب إلى أن “دروز جبل العرب لا يدافعون فقط عن أهل الجبل هناك، بل عن اللاهوت القومي في المشرق”. وتوجّه أرسلان إلى أبناء طائفته بالقول: “إنها معركة المصير التي تطالنا جميعاً، ولا أحد يخاف على الدروز لا في سوريا ولا لبنان، بل خافوا من الفتن الداخلية التي تخدم إسرائيل. المعركة تتطلب تضامناً واتحاداً مع المقاومة والجيش (السوري)، فلنوحد فصائلنا ونوطد التنسيق بين الفصائل كما فعلت المقاومة بالتنسيق مع الجيش اللبناني لحماية الوطن والعرض”، مؤكّداً أن “أي كلام آخر يعرّض الوضع الدرزي للطعن بالظهر”. وشدّد رئيس الحزب الديموقراطي على أن “من يفكر يوماً أن الدروز سيكونون حرس حدود لإسرائيل هو واهم، فالدروز أكبر من ذلك، وأكبر دليل على ذلك هو مقاومة أهل الجولان وصمودهم طوال هذه الأعوام”.
من جهته، أبرق رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب إلى السفراء المعتمدين في لبنان، داعياً إياهم إلى “وقف المذبحة الجماعية والتطهير الديني والمجازر التي يندى لها الجبين، والتي ترتكب بحق أبناء طائفة الموحدين المسلمين الدروز في سوريا على أيدي أبو محمد الجولاني وعصابة الإرهابيين”. وقام وفد من مناصري حزب التوحيد بالتجمّع أمام دار الطائفة الدرزية في بيروت، وسلّموا الشيخ حسن رسالة تدعو إلى “حمل السلاح للدفاع عن الأرض والعرض والكرامة والوجود”. وعلمت “الأخبار” أن هناك سعياً لتنظيم اعتصامات في عاليه وحاصبيا تضامناً مع شهداء المجزرة.