Site icon IMLebanon

ثورة على فيسبوك تعرّي خفايا مستشفيات مصر

Facebook-Egypt-hospital-Campaign
لم يقتنع المصريون بدهشة رئيس وزرائهم من تدهور أوضاع إحدى المنشآت الصحية الحكومية ودشنوا صفحة على الفيسبوك ليقولوا له إن ما شاهده وصدمه هو أقل بكثير من الواقع. انتقلت الحملة اليوم إلى منشآت حكومية أخرى .

عندما يشاهد المارة في شوارع القاهرة الرئيسية أعمال الرصف والتزيين فإنهم يسألون عادة “هل سيمر مسؤول من هذا الطريق؟” ، ففكرة وضع الزهور على جانبي الطريق – وأحيانا إزالتها بعد ذلك- وتنظيف فناء المدرسة ومدخل المستشفى من الأمور التقليدية المرتبطة بالاستعداد لزيارة “المسؤول الكبير” والذي يجب أن يرى الطريق الذي يمر عليه أو المنشأة التي يزورها في أبهى حلة .

لكن التردي الكبير في الأوضاع في بعض المنشآت العامة، يشكل تحديا أمام الراغبين في تنفيذ فكرة “وضع التراب تحت السجادة” بدلا من إزالته، كما أن حجم التشوهات في العديد من المنشآت الحكومية المصرية صار أكبر من أي إجراء تجميلي سطحي.

رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب واجه خلال زيارته المفاجئة لمعهد القلب ومعهد تيودور بلهارس هذا الواقع دون تزيين، إذ أظهرت الكاميرات التي رافقت محلب أثناء الزيارة، غضب و”مفاجأة” رئيس الوزراء المصري من أشكال الفوضى المتعددة التي رآها داخل معهد القلب.

لكن يبدو أن “المفاجأة” التي ظهرت على وجه رئيس الوزراء، لم تقنع المواطن المصري الذي اعتاد منذ سنوات على صور الإهمال المختلفة في المستشفيات الحكومية المصرية، وبدأت تعليقات المواطنين على مواقع التواصل تركز على رد فعل محلب وكأنه “جاء من السويد ولا يعرف أحوال مستشفيات مصر”، كما قالت بعض التعليقات، وانتهى الأمر بتدشين صفحة “عشان لو جه ميتفاجئش” وانتهى الأمر بتدشين صفحة “عشان لو جه ميتفاجئش” التي تهدف لأن تظهر لرئيس الوزراء أن الواقع أسوأ بكثير مما رآه.

تحمل حملة “عشان لو جه ميتفاجئش” -التي انتشرت بسرعة شديدة- دلالات عديدة كما يوضح الدكتور صفوت العالِم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فالمواطن يرغب من خلالها أن يقول لرئيس الوزراء: “لا تغضب كثيرا فالواقع أسوأ بكثير مما رأيت” وذلك من خلال تقديم صور صادمة أكثر عن الواقع اليومي .
ويوضّح العالِم لـDW أنّ المواطن يدرك أن مثل هذه الزيارات الميدانية لا قيمة لها، في ظل غياب السياسات الصحية السلمية، لكنه مع ذلك أراد أن يعرب عن عدم اقتناعه بالانفعال الذي رآه على وجه رئيس الوزراء.

الملف الصحي يعود للسطح مجددا

في الوقت نفسه شعر الأطباء بأن توجيه اللوم لهم على أحوال المستشفيات بعد هذه الزيارة، مسألة غير عادلة لذا حاولوا من خلال هذه الصفحة التأكيد على أن الحالة المزرية في المستشفيات الحكومية لا ترهق المريض وحده بل الطبيب أيضا.
القائمون على الصفحة فتحوا الباب أمام الجميع للمشاركة بصور تعكس حالات الإهمال المختلفة في المستشفيات من مختلف محافظات مصر. وفي غضون ثلاثة أيام فقط حققت الصفحة نحو أربعة ملايين مشاركة ( كما يعلن محرروها ) واكتظت بصور تُظهر أسرّة متهالكة ومراحيض في أسوأ حالاتها وحيوانات تحت أسرة المرضى وجدران غير نظيفة في سكن الأطباء وتلال من القمامة أمام أبواب المستشفيات والوحدات الصحية في القرى الصغيرة .
ولم تقتصر المشاركات في الصفحة على مصريين داخل البلاد فحسب، بل إن البعض ممن يعيشون في دول أجنبية أرسلوا بصور تظهر تجاربهم مع مستشفيات أمريكية وأوروبية، ومقارنتها بما يحدث بين جدران مستشفيات الحكومة في مصر.

بعيدا عن مواقع التواصل الاجتماعي، خرج بعض الأساتذة والأطباء العاملين بمعهد القلب، بأرقام وبيانات توضح سوء الظروف التي يعملون في ظلها ، إذ أوضحوا أنّ ميزانية المعهد لا تزيد عن ثلث ما يُصرف على المرضى وأن الباقي يأتي من التبرعات، التي يمكن أن تتوقف بسبب الانطباع الذي تولد من خلال الزيارة، بأنّ الأطباء هم من يتحملون مسؤولية الصور السيئة التي “أدهشت” رئيس الوزراء. ويجري المعهد نحو ثلاثة آلاف عملية قلب مفتوح سنويا، وفقا لبيانات المعهد .
جاءت هذه الواقعة لتفجّر بركان غضب يجتاح العاملين في القطاع الصحي المصري منذ سنوات وظهر خلال السنوات الأخيرة من خلال إضرابات وشكاوى من الرواتب الهزيلة للأطباء وضعف الإمكانات في المستشفيات الحكومية .

صحافة المواطن

حملة فيسبوك لم تقتصر على المستشفيات فحسب، إذ ظهرت صفحات أخرى بنفس العنوان على فيسبوك لرصد أوجه الخلل في المدارس والجامعات والمصالح الحكومية، معتمدة أيضا على صور يلتقطها المواطن وأصبح الأمر بمثابة “ثورة إلكترونية” لكشف أوجه الفساد والخلل في مؤسسات الدولة .

تعيد هذه الحملات النقاش حول “صحافة المواطن” والتي صارت طاغية على أنواع الصحافة التقليدية، في مصر تحديدا كما يوضح الدكتور العالم بقوله: “المواطن أكثر قدرة على كشف الفساد لأنه متواجد في كل مكان كما أنه لا يجد صعوبة في رصد وقائع الفساد التي اعتاد عليها في المؤسسات الحكومية المختلفة. ومع التقدم التكنولوجي السريع، صار من السهل التقاط الصور وبثها على مواقع التواصل”.
في الوقت نفسه، لا يتعامل الموظف المقصّر أو الفاسد بحذر مع المواطن العادي بنفس درجة حذره من صحفي جاء لعمل تغطية إعلامية، وهو ما يعطي المواطن العادي ميزة أكبر في رصد أوجه الخلل. لكن صحافة المواطن بشكل عام ورغم مزاياها العديدة، تفتقد أحيانا للدقة المهنية وتحمل بعض المبالغات كما يمكن توظيفها لأغراض شخصية، وفقا للعالِم.
ويبقى السؤال، هل ستساهم هذه الحملة في حث الحكومة على اتخاذ خطوات جذرية تجاه الملف الصحي المصري أم سيبقى الحال على ما هو عليه؟