هاجر كنيعو
في أيلول 2000، شهدت نيويورك أكبر تجمع في التاريخ لقادة دول العالم للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للالفية، حيث قامت 189 دولة بالتصديق على إعلان الألفية وأهدافها. ويعد القضاء على الفقر وبالتالي تخفيض عدد الجياع بحلول العام 2015 أهم الأهداف الرئيسية للألفية. إلا أن نتائج التقرير الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للإمم المتحدة (الفاو) أظهرت مؤخراً إنتكاسة خطيرة شهدتها منطقة الشرق الأدنى في تحقيق الهدف الإنمائي للألفية الخاص بمكافحة الجوع ، بدليل إرتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية المزمن منذ عام 1990 إلى يومنا هذا ليبلغ 33 مليون نسمة وإرتفع معدل إنتشار نقص التغذية من 6,6 في المئة إلى 7,5 في المئة. والسبب الأساسي لانعدام الأمن الغذائي فيها يعود الى الازمات والصراعات طويلة الأمد، في العراق والسودان وسوريا واليمن وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن في مواجهة هذه الصورة السوداوية، أظهر التقرير أن لبنان هو من بين البلدان الـ 15 التي أستطاعت تقليص نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية الى النصف او أدنى من 5%.
ولكن الإشكالية المطروحة كيف يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن تداعيات الأزمة السورية خصوصاً بعد التقديرات الأخيرة بأن الأزمة قد خلفت 13.6 مليون نسمة فى حاجة ماسة إلى المعونة الغذائية والدعم الزراعي، 9.8 مليون منهم داخل سوريا و 3.8 مليون منهم في عداد اللاجئين؟
ممثل منظمة الفاو في لبنان موريس سعادة أوضح في حديث لـ «الديار» أن لبنان هو أصلاً من البلدان التي لا تعاني من نقص حاد في التغذية إسوة ببقية الدول «فمنذ العام 1990، نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص في التغذية هم دون 5 في المئة، في وقت ترتفع هذه النسبة في المناطق الفقيرة حيث تشهد معدلات مرتفعة في سوء التغذية». وفي وقت تتقاعس فيه وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية عن وضع دراسات وإحصاءات دقيقة لمعدلات نقص التغذية في المناطق الفقيرة، أتت أزمة اللاجئين السوريين لتزيد الطين بلة لا سيما في مناطق إنتشارهم في عكار والبقاع الأوسط والغربي وفق ما قال سعادة، مثنياً على دور برنامج الأغذية العالمي في إعطاء معونات وقسائم شرائية لحوالى 800 ألف لاجئ سوري في لبنان، هذا إلى جانب المساعدات التي تقدمها منظمة الفاو إلى وزارة الزراعة والتي بلغت 4 مليون دولار خلال العامين الماضيين لدعم القطاع الزراعي .
وحذر سعادة من وجود توقعات بإنخفاض الدعم من الجهات المانحة، ما قد يعرض برنامج الأغذية العالمي إلى نقص في التمويل ، الأمر الذي يترتب عليه تخفيض مساعداتها الموجهة إلى اللاجئين السوريين. والأمر الثاني بحسب سعادة، هو عجز منظمة الفاو عن القيام بأي تعاون أو نشاط مع اللاجئين في لبنان حاليا كتدريبهم على زراعة الحدائق مثلاً ، خشيةً من الحكومة اللبنانية بتهيئة ظروف الإستقرار لهم المشجعة على الإقامة الدائمة في لبنان. إلا أنه في المقابل، اشار إلى بعض المشاريع الصغيرة التي تعمل على تنفيذها منظمة الفاو لمساعدة اللاجئين في تأمين غذائهم مثل الزراعة الحضرية agriculture urbaine دون لجوئهم إلى إستخدام اراض زراعية.
أثار الأزمة السورية على القطاع الزراعي
وكان حذر وزير الزراعة أكرم شهيب خلال مشاركته في اجتماعات الدورة الـ39 لمنظمة «الفاو» في روما، من آثار الحرب المستمرة في سوريا على لبنان عموماً وعلى الزراعة في لبنان اضافة الى آثار ضعف الضوابط الحدودية، الأمر الذي يساهم في تدفق عشوائي لقطعان الماشية مع ما يحمل ذلك من مخاطر انتقال الأمراض السارية والمعدية، يضاف إلى ذلك تعطل تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية عبر الأراضي السورية إلى دول الخليج . أمام هذه المخاوف، نفى سعادة أي مخاطر لإنتقال الأمراض المعدية من قطعان الماشية العابرة للحدود، خصوصاً بعد قيام منظمة الفاو بحملات تلقيح للماشية على مدى عامين كان أخرها في آيار الفائت.أمّا في ما يتعلق بتعطيل التصدير امام الصادرات اللبنانية بعد إقفال معبر نصيب الحدودي وما لذلك من إنعكاسات سلبية على تصدير البطاطا وموسم التفاح في آخر الصيف، إعتبر سعادة أن على المصدر اللبناني أن يتجه أكثر إلى الأسواق الأوروبية كونها أكثر ربحاً إلا أن ذلك يفرض تحسين جودة الصادرات اللبنانية لتتناسب والمعايير الموجودة في السوق الأوروبي.
– مشاريع إنمائية –
وفي أطار مشاريع منظمة الفاو لدعم القطاع الزراعي في لبنان، أشار سعادة إلى سلسلة من المشاريع الإنمائية:
-حملات تلقيح تشمل 95% من الماشية في لبنان بتمويل من الحكومة البريطانية.
-مشروع دعم قطاع إنتاج الألبان ممّول من عدة جهات مانحة في الجنوب، البقاع ، عكار والشمال خلال أعوام 2009-2014.
-مشاريع سهل مرجعيون لتحسن وسائل الريّ في السهل بتمويل من الحكومة الإيطالية.
-مشروع حالي بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي لدعم قسم الإحصاء في وزارة الزراعة.
-مشروع دعم العائلات الفقيرة على مستوى إنتاج الدواجن في جميع المناطق لا سيما الفقيرة منها (50 دجاجة لكل عائلة)
هذه المشاريع الإنمائية ، تضاف لها مشاركة الفاو في رسم مسارات تطبيق إستراتيجية وزارة الزراعة للأعوام 2015-2019 في إطار برنامج التنمية الزراعية والريفية ARDP الممول من الإتحاد الأوروبي. إلى جانب التعاون المشترك في مجال تحديث الزراعة وتحديث معايير الصحة النباتية والحيوانية وضمان إستدامة الموارد الزراعية وخلق فرص عمل في الريف.
– ما بعد أهداف الألفية –
يستند جدول أعمال التنمية المستدامة لما بعد 2015 (SDGs) على التقدم المحرز في الأهداف الإنمائية للألفية بحسب سعادة، كاشفاً عن مؤتمراً أخر سيعقد في أيلول المقبل في نيويورك لوضع الأهداف الإنمائية المستدامة «وذلك من أجل مواجهة التهديدات المتعددة والمخاطر التي يتعرض لها الأمن الغذائي والتغذية، من خلال برامج وسياسات شبكات الأمان الاجتماعية والإنتاجية المرتبطة بالأمن الغذائي والتغذوي».
وفي إطار إستراتيجية الفاو للامركزية، كشف سعادة لـ «الديار» عن جهود تبذلها الحكومة اللبنانية ووزارة الزراعة لإنشاء مكتب شبه إقليمي لمنظمة الفاو في لبنان يغطي دول المشرق فقط: لبنان، سوريا، العراق، إيران والإردن. إسوةً بالمكتب شبه الإقليمي الذي أنشأ في أبو ظبي لتغطية منطقة الخليج. إلا أن الأمر يتوقف على إستعداد الحكومة في تحمل النفقات المالية من خبراء دوليين والكادر الداعم.