خرج الاقتصاد السوري، أو ما تبقى منه، عن مركزية الإدارة من العاصمة دمشق عبر قرارات الحكومة ومراسيم بشار الأسد، بعد أن خرج نحو 70% من مساحة سورية عن سيطرة النظام وتمددت سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على 50% من مساحة البلاد، بعد ضمها أخيراً مدينة تدمر ومعظم بادية الشام لتكون نحو 9 محافظات سورية تحت إدارة “داعش”، بمساحة وصلت إلى 95 ألف كيلومتر مربع، كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي حين ثبتت سيطرة النفوذ الكُردي في سورية على ثلاثة تجمعات رئيسية، جزء من محافظة الحسكة، ومنطقتي عفرين وكوباني “عين العرب” تتراجع سيطرة الأسد عن المساحة السورية، ليتعاظم بالمقابل نفوذ المعارضة المسلحة، فبعد سيطرة “جيش الفتح” الذي يضم جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل أخرى، على كامل محافظة إدلب وصولاً لحدود مدينة اللاذقية لجهة جسر الشغور، وللحدود التركية لجهة معبر باب الهوى.
وتوسع سيطرة مقاتلي الجنوب في محافظتي درعا والقنيطرة وأجزاء من محافظتَي دمشق وريفها، لتصل المساحة التي يسيطر عليها الجيش الحر مع جبهة النصرة لنحو 20% من إجمالي مساحة سورية. واقتصرت سيطرة النظام السوري على مراكز المدن في طرطوس واللاذقية على الساحل السوري ومركز العاصمة دمشق، فضلاً عن مدينة السويداء وحماة وأجزاء من مدينتي حلب وحمص. بذلك ينتقل ثقل الإنتاج الزراعي والصناعي والنفطي إلى سيطرة المعارضة، وتقتصر موارد النظام على الدعم المالي من حلفاء الحرب في موسكو وطهران وعلى بعض الإنتاج داخل مراكز المدن وعلى ما تبقى من سيولة وأتاوات يفرضها على مؤيديه باسم الضرائب وتحويلات مناصريه في الخارج. ويرى الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد الدين المصبح، لـ”العربي الجديد”: “تعرّى الاقتصاد السوري بعد خسارة نظام الأسد لأكثر من 95% من آبار ومواقع النفط، ولم يعد يسيطر سوى على إنتاج 9 آلاف برميل شرقي مدينة حمص، من أصل نحو 380 ألف برميل إنتاج يومي قبل الثورة، ما دفعه لبيع وتأجير سورية لشركات إيرانية وروسية، بعد أن بدد الاحتياطي النقدي المقدر بنحو 18 مليار دولار قبل عام 2011”. ويرى المصبح أن العرج الذي فضحته الأسواق، من ارتفاع أسعار وقلة العرض السلعي، جاء نتيجة خروج مدينة حلب التي تعد العاصمة الاقتصادية لسورية، بمعاملها ومدينتيها الصناعيتين، وخروج نحو 80% من الصناعة السورية عن الإنتاج كما أورد تقرير اتحاد غرف الصناعة السورية، فضلاً على سيطرة المعارضة السورية على خزان سورية الزراعي في الحسكة ودير الزور والرقة، قبل السيطرة أخيراً على محافظة إدلب المنتج الأول للزيتون والثاني للأشجار المثمرة، بعد سيطرتهم على أرياف حلب وحمص وحماة. وبعد مضي أربع سنوات على الثورة السورية توزع الإنتاج، وخاصة الزراعي على حسب القوى على الأرض ومساحات النفوذ والسيطرة وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد أطراف النزاع الذي يديره كل طرف على نحو نفعي بعيد عن مفهوم الدولة ومركزية القرار، بل بناء على إنتاج مناطق سيطرته من ثروات وما يفرضه على “قطاعه” من ضرائب، وإن اختلفت التسمية بين جزية وضريبة وحسبة.
ويقول المهندس الزراعي يحيى تناري: “يتشتت إنتاج الموسم الزراعي الحالي، وهو الأعلى ربما منذ عشر سنوات وخاصة لجهة القمح المقدر بأكثر من 3 ملايين طن، بين مناطق تعدد السيطرة، وفي حين لا يسيطر نظام الأسد سوى على إنتاج الزراعات المحمية والحمضيات في مدن الساحل وبعض إنتاج الأشجار المثمرة في السويداء واللاذقية وطرطوس، وتتسع سيطرة المعارضة على معظم الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية وسهول حماة وريفي إدلب وحلب”.
ويضيف تناري من ريف إدلب: “وزادت مكاسب الثوار بعد تحرير جسر الشغور وكامل محافظة إدلب، حيث تعتبر إدلب من أهم المدن الزراعية السورية، نظراً لتجاوز مساحة القطاع الزراعي فيها أكثر من 75% بما يقارب 4000 كم2 من المساحة الإجمالية للمحافظة والبالغة 6000 كم2. ومن أشهر الزراعات في محافظة إدلب الزيتون كونها تحوي 12 مليون شجرة مثمرة والقمح والشعير والبقوليات والخضار الصيفية كالخيار والبندورة والفليفلة والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها من المحاصيل الزراعية”. ويحاول نظام بشار الأسد ترميم خسائر الصناعة بعد أن نقل معظم المنشآت إلى مدينة اللاذقية (مسقط رأسه)، في خطوة رآها المحلل السوري حسين جميل سرقة لممتلكات السوريين واحتياطاً اقتصادياً في ما لو تقسمت سورية ولو على نحو فيدرالي، حيث تم نقل أكثر من 214 منشأة صناعية مما كانت بدمشق وريفها وحلب وحمص إلى المدن الساحلية “بعمليات سطو قادها رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس الشهابي”. ويضيف المحلل السوري جميل: زادت خسائر القطاع الخاص الصناعي 295.5 مليار ليرة خلال الحرب، ويؤكد أن نحو 80% من الصناعة السورية انهار، وأن 50% من الصناعيين لم يجددوا تسجيلهم في غرفة الصناعة، بعد هجرتهم من سورية أو تهديم منشآتهم الصناعية بسبب قصف طيران الأسد أو سرقتها من كلا الطرفين “ويمكن القول إن الصناعة السورية برمتها تهدمت وخاصة في مناطق سيطرة المعارضة لكن نظام الأسد يمتلك جزءاً من البنى والمنشآت في مدينة دمشق ومدن الساحل”. وتبقى خسائر النفط الذي كان يشكل 24% من الناتج الإجمالي السوري و25% من عائدات الموازنة وأكثر من 40% من عائدات التصدير، هي الخسارة الأهم للنظام السوري بعد سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على 95% من مساحة مدينة دير الزور”شمالي شرق سورية” وهي الأكثر إنتاجاً، وتمدده إلى مناطق الشدادي والهول وتل حميس وصولاً لحدود آبار مدينة الحسكة التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” ليبقى تحت سيطرة النظام السوري بعض حقول الغاز وإنتاج نفطي من شرقي مدينة حمص لا يزيد عن 10 آلاف برميل يومياً، وهي مرشحة للخسارة بعد سيطرة تنظيم”داعش” على تدمر والبادية القريبتين من الفرقلس وحقول الغاز كما قال الخبير الاقتصادي عماد الدين المصبح.