وليد خدوري
أثارت سياسة منظمة «أوبك» المتمثّلة بالدفاع عن حصّتها في الأسواق النفطية العالمية، زوبعة في صناعة الطاقة، خصوصاً لأنها أدت إلى انهيار الأسعار من نحو 100 دولار للبرميل إلى نحو 30 دولاراً. واستقرت الأسعار خلال الأسابيع الأخيرة في نطاق 60 – 70 دولاراً للبرميل، ويُتوقَّع أن تحافظ على هذا المستوى مع ارتفاع تدريجي في المستقبل المنظور.
لكن، هل استطاعت المنظمة تحقيق أهدافها المنشودة من خلال سياستها هذه؟ حاولت «أوبك» التأثير في الأسواق للحصول على توازن جديد في ميزان العرض والطلب العالمي للنفط الخام، بعدما أدى السعر العالي إلى تقليص الطلب على النفط، بالترافق مع زيادة ملحوظة في الإمدادات النفطية للدول غير الأعضاء في المنظمة.
من جهة، ارتفع مجمل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى نحو 4.2 مليون برميل يومياً، مسجّلاً زيادة سنوية عالية بنحو 1.1 مليون برميل يومياً على مدى ثلاث سنوات متتالية، ما جعل الولايات المتحدة، أهم الأسواق المستوردة والمستهلكة للنفط وأكبرها، مكتفية ذاتياً، بل وارتفع معدل إنتاجها لتصبح واحدة من أكبر ثلاث دول منتجة عالمياً (مع روسيا والسعودية)، وفاق معدّل إنتاج النفط الصخري الأميركي معدّل إنتاج النفط في العراق، ثاني أكبر دولة منتجة في «أوبك». لكن مواجهة «أوبك» لم تكن محدودة بإنتاج النفط الصخري، بل تعدّت ذلك لتشمل الإنتاج من أعماق البحار (20 – 30 ألف قدم تحت سطح الماء)
باختصار، شملت المواجهة بين دول المنظمة (دول النفط التقليدي) والدول غير الأعضاء (دول النفط غير التقليدي) نزالاً حول جدوى أسعار 100 دولار. فكلما كانت الأسعار عالية جداً، كلما كان في الإمكان زيادة إنتاج النفط غير التقليدي، لأن ذلك يحقّق الأرباح الضرورية لنجاح النفوط غير التقليدية التي تتجاوز تكاليف إنتاجها 50 – 70 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 5 – 10 دولارات لإنتاج دول الخليج والعراق.
وحاولت «أوبك» في الوقت ذاته، الحفاظ على معدلات الطلب على النفط، خوفاً عليه من سلبيات الأسعار العالية جداً في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم، لم تكن معركة المنظّمة مع دولة بذاتها، بل مع منتجين للنفط غير التقليدي الباهظ الكلفة، الذين استغلّوا الأسعار العالية كي يستطيعوا تحقيق أرباح غير ممكنة في ظلّ أسعار معقولة.
وتحقّق هدف آخر خلال المنازلة في الأشهر الأخيرة، إذ اضطرت الشركات إلى تقليص بعض برامجها الجديدة أو التوسعية أو تأجيلها بسبب انخفاض الأسعار، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار الخدمات الهندسية واللوجستية.
لكن، هل كان ثمة خطر كبير على مصالح دول «أوبك» يستدعي المجازفة بهذا التدهور في الأسعار، وفي هذا الوقت بالذات؟ واضح أن التقنية الخاصة بإنتاج النفط المحصور، ومنه النفط الصخري، أصبحت متوافرة. هذا أمر يجب الاعتراف به والتعامل معه. ويجب توقّع تطوّر مستمر لصناعة النفط الصخري، في أميركا الشمالية وبقية أنحاء العالم حيث توجد احتياطات عالية، تضاهي تلك التي في الولايات المتحدة. لذا، لم يكن هدف المنظمة ولا يمكن أن يكون، وقف إنتاج النفط الصخري أو إنتاج النفوط من أعماق البحار والمحيطات. الهدف هو كبح جماح توسّع الطاقة الإنتاجية لهذه النفوط غير التقليدية، في ظل أسعار غير عادية تشجّع على سرعة تطويرها.
في الوقت ذاته، ومنذ فترة طويلة، يبرز اهتمام مستمر في المنظمة بإنعاش الطلب على النفط ليتوازن مع زيادة الطاقة الإنتاجية من داخل المنظمة أو خارجها، هذا الطلب الذي ينخفض بسبب الأزمات الاقتصادية أو بسبب زيادة عالية للأسعار. وتزامن أخيراً تأثير هذين العاملين للضغط على الطلب. واستطاع النفط أن يشكّل الحصة الأكبر لوقود الطاقة المستهلكة عالمياً، على رغم توافر بدائل كثيرة، هيدروكربونية أو غيرها. لكن الأمر يختلف مع النفوط غير التقليدية. فهي تطيل عصر النفط، لكنها تزاحم النفط التقليدي في عقر داره.
لذلك، نحن أمام وضع جديد لم نألفه سابقاً. في الحقيقة، نحن في بداية المنازلة بين النفوط التقليدية والنفوط غير التقليدية. ويجب أن نتوقع إمدادات أكثر وأكثر من النفط غير التقليدي، خصوصاً مع تطور تقنيات إنتاجه، وزيادة عدد الدول التي تنتجه، وبدء تصديره بكميات ضخمة إلى الأسواق العالمية. فالصين لديها احتياط من النفط الصخري أكثر من الولايات المتحدة. والحفر في المياه العميقة أخذ يمتدّ إلى القطب الشمالي، ناهيك عن مياه المحيط الأطلسي المجاورة للبرازيل.
في المقابل، دلّت التطورات النفطية خلال الأشهر الأخيرة، على عدم استدامة النهج المالي الذي تبنّته دول عربية نفطية، من إسراف في الالتزامات المقرّرة في الموازنات، وعدم توفير ما يلزم للأيام الصعبة. لذلك، تضرّرت بعض هذه الدول أكثر من غيرها. المهم الاتعاظ من التحديات المقبلة، خصوصاً تدهور في الأسعار، على رغم أن النظرة المستقبلية للنفط لا تزال إيجابية، فسكان العالم في ازدياد، والنمو الاقتصادي في الدول النامية في تحسّن، الأمر الذي سيستتبع ارتفاعاً في معدلات الطلب في الأجل البعيد. لكن الخطورة تكمن في الهزات التي تواجهها السوق أحياناً، والأضرار التي تسبّبها للدول المنتجة المعتمدة في شكل شبه كلّي على عائدات النفط أو الغاز.