مارسيل محمد
وضع طلاب الصف التاسع (البروفيه) ثقل الإمتحانات الرسمية جانباً، ليبدأوا الإعداد لتحمّل ثقل المرحلة التالية، أي الصف العاشر، وهو الصف الأول في المرحلة الثانوية، الذي يشكّل لدى الكثير من الطلاب الكابوس الأبرز في الحياة المدرسية. حتى الطلاب الذين ينجحون في هذا الصف، يقرّون بصعوبته، وبأنهم بذلوا مجهوداً أكبر لإجتيازه، على عكس المراحل التعليمية السابقة.
يعود سبب النفور من هذا الصف الى عوامل عديدة، أبرزها الفصل الجذري بين منهاج الصف الأول ثانوي وبين منهاج الصف التاسع المرتبط بالحلقة التعليمية التي تسبقه أي صفي الثامن والسابع. ففي الأول ثانوي على الطالب أن يدرس لأول مرّة مادتي الإقتصاد والإجتماع، وهما تتضمنان مفاهيم جديدة وصعبة بالنسبة لطلاب لا يعرفون ماذا يعني علم الإقتصاد وعلم الإجتماع. فبالنسبة الى زينب التي إجتازت صف الأول ثانوي لم يكن علم الإقتصاد شيئاً مألوفاً بالنسبة إليها من قبل، فهي لم تكن تسمع بمصطلحات مثل “الندرة، الندرة النسبية، البطالة، العجلة الإقتصادية… والكثير من العبارات الجافّة”، بل كانت هذه العبارات “تخص الكبار الذين يتابعون نشرات الأخبار، اما نحن فكل ما كنا نعرفه عن الدولة لا يتجاوز ما هو مقرر في كتاب التربية الوطنية، واليوم بات علينا ان نتعلم أموراً معقدة”.
لا تنفي زينب أهمية هذه المعلومات، لكن “لا يجوز ان يعطونا إياها فجأة من دون تحضير في سنوات سابقة”.
من جهة أخرى، فإن تغريد، إبنة الـ14 عاماً، رسبت في الأول ثانوي، علماً انها لم ترسب أبداً في أي صف سابق، “وكل ذلك بسبب المواد العلمية”. من الواضح ان تغريد تميل الى القسم الأدبي، فعلاماتها في المواد الأدبية جيدة جداً. لكنّ براعتها في المواد الأدبية يحجبها ضعفها في المواد العلمية. “لكن بماذا تنفع البراعة في المواد الأدبية طالما أنني خسرت سنة؟”، تقول تغريد. على أنّ أكثر ما يزعجها هو الرجوع عن الفصل بين التوجه العملي والأدبي كما كان يحصل في الأول ثانوي في المنهاج القديم. وتسأل: “إذا كنت سأختار الأدبي في الصف التالي، فلماذا علي تحمّل عبء المواد العلمية هذه السنة؟ خصوصاً اننا دخلنا مرحلة جديدة تسبق المرحلة الجامعية التي نحدد فيها خياراتنا العلمية بشكل نهائي، فلماذا لا تكون المرحلة الثانوية مرحلة إعداد نختار من بدايتها توجهنا العلمي؟”.
الخوض في هذا النقاش لا يتوقف عند السماح للطلاب بالإختيار بين التوجهين العلمي والأدبي، بل يطال التأثير على عملية التنمية. فقياس معدلات التنمية في بلد ما، يرتكز على قياس نسبة المتعلمين ومدى تطور العملية التعليمية. ولأهمية ذلك، تقوم وزارة التربية بمحاولات عديدة لتطوير التعليم في لبنان، عبر المؤتمرات التعليمية والإستفادة من الخبرات الدولية، او عن طريق القروض بهدف تطوير التعليم، ومنها على سبيل المثال قروض من البنك الدولي بعشرات ملايين الدولارات بهدف “تحسين جودة التعليم وبيئة التعلم في مرحلتي التعليم العام والتعليم ما قبل المدرسي، بالإضافة إلى زيادة حاكمية وزارة التربية والتعليم العالي والمدارس وتحسين قدراتها الإدارية”. لكن بالرغم من ذلك، فإن المناهج التعليمية والوضع التعليمي خصوصاً في المدارس الرسمية، ما زالا دون المستوى المطلوب.
حسن الحاج، وهو أستاذ ثانوي، يوافق على توزيع الطلاب بين المنهجين الأدبي والعلمي “في بداية المرحلة الثانوية، لأنها تتيح للطالب تحديد خياراته، وتسهّل عليه التحضير للمرحلة الجامعية، وبالتالي إختيار سوق العمل لاحقاً”، ويضيف لـ “المدن” ان “تركيز الطالب على ناحية تعلّمية محددة يساعده في تحقيق نتائج أفضل”. ويلفت الحاج النظر الى ان “عدداً كبيراً من الطلاب يرسبون في الأول ثانوي جراء دمج المجالين العملي والأدبي، ويتحولون الى التعليم المهني الذي ما زال يعاني كثيراً في لبنان، ومنهم من يفضّل ترك المدرسة، ليدخل في دوامة البطالة، او البطالة المقنعة في أحسن الأحوال”. ويستطرد الحاج بالقول: “المشكلة ليست فقط في هذا المجال، فحتى نظام تقييم الطلاب بعلامات وامتحانات كالتي نعتمدها في لبنان هو أمر مجحف، وهذه الامتحانات لا تقيم وزناً لنشاط الطلاب طيلة فترة السنة، ولا تأخذ في الإعتبار الثقافة الشخصية لكل طالب”.
في المقابل، اعتبر مدير وأستاذ اللغة العربية في إحدى ثانويات منطقة جبل لبنان، ان “التعليم في لبنان بألف خير ومن الحكمة أن يدرس الطالب جميع المواد رغم صعوبتها على معظمهم، لأن ذلك يزيد معلوماته ومعرفته، وهو أمر يُميّز المنهاج اللبناني عن غيره في المنطقة”.
ووسط تعدد الآراء بين الأساتذة والطلاب، رفض مصدر في وزارة الإقتصاد حصر المشكلة بإختيار التوجه العلمي أو الأدبي، لأن “هناك أزمة في المنهاج التربوي عموماً، ومن الأفضل ان يصبح منهاجنا مثل مناهج الدول المتقدمة التي تعطي الطالب فرصة أكبر لاختيار الإختصاص المناسب وتحفزه على اختيار المهن التقنية، الأمر الذي يحرك سوق العمل وينشط الإقتصاد”. وتطرق المصدر في حديث لـ”المدن” الى “غياب التوجيه التقني، الذي لا يحصل إلا بإختيار فردي من الطالب بعد فشله في الدراسة الأكاديمية. والفجوة بين التعليمين، تؤدي إلى “تخمة في أساتذة العلوم أو الهندسة او الأدب، الامر الذي يقلل من وفرة التقنيين ويؤثر سلباً بالتالي على السوق الذي لا يحتمل أكثر من 4000 وظيفة سنوياً، في حين نرى أنّ عدد المتخرجين يصل إلى 20 ألفاً سنوياً”. ويضيف: “إقتصادنا الريعي لا يخلق فرص عمل بقدر كافٍ، ما يؤدي إلى تصدير اصحاب الإختصاصات إلى الخارج وعدم استفادة لبنان من قدراتهم”، مشيراً إلى أنّ الخطة الإقتصادية المقبلة للوزارة، “تركز على قطاع المعرفة لتشجيع شبابنا على المهن التقنية”.
الى حين تطبيق الخطط المرسومة وظهور نتائج القروض الدولية، يبقى على الطلاب تحمّل المزيد من أزمات قطاع التعليم، وتحمّل صعوبات البطالة وعدم الربط بين التعليم وسوق العمل، إذ ان “34 % من الطلاب يعجزون عن الحصول على فرصة عمل داخل البلاد”، بحسب البنك الدولي. لكن يبقى الأمل في تسريع خطوات الإصلاح، والأهم، وقف إستيراد المناهج التعليمية القديمة، فلبنان ما يزال يعتمد على المناهج الفرنسية القديمة بشكل أساسي، حتى في المرحلة الجامعية.