بحث صناع القرار العرب والألمان في الملتقى الاقتصادي العربي الألماني في برلين سبل تشجيع الاستثمارات على الجانبين. فرغم انتعاش التجارة بين ألمانيا والعالم العربي؛ بقيت الاستثمارات ضعيفة! فما هي الأسباب؟ وما هي الحلول؟
تسجل الصادرات الألمانية إلى الدول العربية نموا متزايدا متحدية الأزمات الأمنية والسياسية التي تشهدها العديد من الدول العربية. وخلال العام الماضي، 2014، زادت صادرات ألمانيا إلى الدول العربية عن 37 مليار يورو، مشكلة أكثر من 76 بالمائة من حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وألمانيا، الذي بلغ نحو 49 مليار يورو في العام نفسه. وللمقارنة كان حجم التجارة في عام 2005 أقل من 29 مليار يورو، شكلت الصادرات الألمانية منها 21.5 مليار يورو، أي حوالي 64 بالمائة، ما يعني أن التطور التجاري يسير لصالح الصادرات الألمانية التي تتنوع وتزيد الخلل في الميزان التجاري بين ألمانيا والدول العربية.
الإمارات والسعودية أهم شريكين تجاريين
تأتي الإمارات العربية المتحدة في صدارة المستوردين العرب من ألمانيا، فخلال عام 2014 بلغت قيمة وارداتها أكثر من 11.4 مليار يورو، مقابل حوالي 9 مليارات يورو للسعودية، التي احتلت المرتبة الثانية، وحوالي 2.9 مليار يورو لمصر، تليها الجزائر بقيمة 2.6 مليار يورو.
أما على صعيد الصادرات العربية إلى ألمانيا، والتي يشكل النفط ومصادر الطاقة الأخرى القسم الأكبر منها، فاحتلت الجزائر المرتبة الأولى في عام 2014 بصادرات قيمتها 2.5 مليار يورو، تليها ليبيا (1.7 مليار)، ثم تونس (1.6 مليار)، فمصر بـ (1.5 مليار)، والسعودية بـ (1.1 مليار) ثم المغرب بـ (0.9) مليار يورو. وعلى الرغم من ارتفاع صادرات الدول العربية إلى ألمانيا ولو بنسب متواضعة فإنها، باستثناء تونس وليبيا وموريتانيا، تعاني عجزا متزايدا منذ سنوات طويلة في تبادلها التجاري مع الجانب الألماني.
استثمارات لا تناسب حجم التجارة
وعلى عكس التجارة فإن الاستثمارات الألمانية في العالم العربي ما تزال دون مستوى الفرص المتاحة، رغم تحسنها في عدة دول كتونس والمغرب. حيث دخلت استثمارات ألمانية جديدة في مجالات الأنسجة وقطع الغيار والمكونات الخاصة بالسيارات خلال السنوات العشر الماضية. لكن ذلك لا يغير من حقيقة أنها ما تزال متواضعة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ألمانيا هي أقوى اقتصاد أوروبي.
فمثلا في الإمارات، أكبر شريك تجاري عربي لألمانيا، لم يتجاوز حجم الاستثمارات الألمانية المتراكمة 1.6 مليار يورو حتى عام 2010. وفي مصر، أكبر سوق عربية من حيث عدد المستهلكين، تقدر استثمارات ألمانيا بنحو 1.1 مليار يورو فقط حتى نهاية عام 2014. ويتركز القسم الأكبر من الاستثمارات الألمانية حاليا في مصر والجزائر يليهما المغرب وتونس. أما الاستثمارات العربية في ألمانيا فتذهب في غالبيتها لشراء أسهم وحصص في شركات ألمانية كبيرة مثل دايملر بنز وفولكسفاغن والبنك الألماني “دويتشه بنك” حيث تأتي قطر والإمارات والكويت في صدارة المستثمرين.
تعددت الأسباب ومشكلة الاستثمار واحدة
يختلف المحللون وصناع القرار في تفسير أسباب ضعف الاستثمارات الألمانية في العالم العربي. وإذا كانت الغالبية تضع في سلم الصدارة المخاطر السياسية وضعف الاستقرار الأمني نتيجة ما يعرف بالـ”الربيع العربي”، إضافة إلى استشراء الفساد في إدارات الدول، فإن آخرين يرون أن القوانين غير المشجعة والبيروقراطية المعقدة في مقدمة الأسباب. وعلى العكس من ذلك يرى فولفغانغ شويبرت، الخبير في قوانين الاستثمار، أن الأطر القانونية للاستثمار في الدول العربية أضحت جيدة في مجملها على ضوء التحسن، الذي عرفته خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما في مجال تملك الأجانب والتسهيلات الضريبية. وذكر شويبرت أمثلة على ذلك من السعودية حيث أصبح بإمكان الأجنبي تملك حصة تزيد على 49 بالمائة من قيمة المشروع، كما سيتم فتح سوق الأسهم السعودي للمستثمر الأجنبي قريبا. وأضاف شويبرت على هامش الملتقى الاقتصادي العربي الألماني الثامن عشر، في برلين 8- 10 يونيو/ حزيران 2015، أن المناطق الحرة المتواجدة في جميع الدول العربية توفر للمستثمر الأجنبي، الذي يشتكي من قوانين الاستثمار المحلية، المناخ الاستثماري الذي يعفي استثماراته من الخضوع لهذه القوانين.
هناك سبب آخر ينبه إليه سليمان سعود السياري مدير الشركة السعودية- الألمانية للتنمية والاستثمار ألا وهو تقاليد الشركات الألمانية، إلى تجعلها تتردد وتتحفظ في اتخاذ القرار قبل دراسة الوضع بكل تفاصيله. وعندما تقوم باتخاذ القرار يكون الوقت قد تأخر في الغالب لصالح شركات أخرى، حسب تعبير السياري. أما ميشائيل ايناكر مدير دبليو م بي (WMP) الأوروبية للاستشارات فيعتقد أن أحد المشاكل الأساسية تكمن في قلة التواصل، الذي من شأنه توفير المعلومات الكافية عن فرص الاستثمار بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة لدى كلا الطرفين. وتذهب التقديرات غير الرسمية إلى أن العرب يستثمرون بين 60 إلى 70 مليار يورو في الأسهم والأوراق المالية الألمانية.
كيف يمكن تغيير الوضع الحالي؟
ويتفق الجميع على أن هناك فرصا استثمارية كبيرة للشركات ولرجال الأعمال العرب والألمان لم يتم استغلالها سواء في ألمانيا أو في الدول العربية. وخلال فعاليات الملتقى الاقتصادي العربي الألماني ذكر المعنيون أن هذه الفرص موجودة بشكل خاص في الطاقات التقليدية والبديلة والصناعات الثقيلة والتحويلية الخفيفة. وتكتسب هذه الفرص أهمية أكبر على ضوء سعي الدول العربية المكثف لتنويع مصادر دخلها وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز والمواد الخام في إيراداتها وتمويل موازناتها. فكيف يمكن جذب الاستثمارات الألمانية إلى الدول العربية في ظل الأزمات السياسية التي تشهدها حاليا؟ وكيف يمكن جذب المزيد من الاستثمارات العربية إلى ألمانيا في ظل انخفاض سعر اليورو حاليا؟ هذان السؤالان كانا من ضمن الأسئلة الأساسية التي تناولها الملتقى الاقتصادي العربي الألماني الثامن عشر في برلين بمشاركة أكثر من 600 من صناع القرار ورجال الأعمال والخبراء من العالم العربي وألمانيا.
وخلال ذلك الملتقى، الذي نظمته “غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية – برلين” أكد زيغمار غابريل وزير الاقتصاد والطاقة الألماني وتوفيق فوزان الربيعة وزير التجارة والصناعة السعودي على متانة العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والدول العربية. وحث كلاهما أيضا على تعزيز وتطوير الجهود المبذولة للسير قدماً على طريق تطوير التعاون الاقتصادي بين الجانبين. ولفت غابرييل نظر الحاضرين إلى أن لألمانيا “تاريخا طويلا من العلاقات والتحديات المشتركة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية”، وقال إن “الشركات الألمانية تقوم بعمل جيد في الدول العربية، لاسيما على صعيد نقل تجربة التعليم والتدريب ونقل التكنولوجيا والمعرفة”، لكنه شدد على “أهمية الاستقرار في المنطقة العربية كأساس للنجاح وتأمين فرص العمل والاستثمار والتطور”.