يعيش لبنان حالاً من الجنون السياسي المطبق وغير المبرر الذي ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي ويوميات اللبنانيين. هذا الكلام يطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد المراوحة التي يمرّ بها مختلف الافرقاء، ومن دون التوصل الى خواتيم سعيدة، تفتح “الحواجز” السياسية المنصوبة امام قصر بعبدا الى ساحة النجمة، وصولاُ الى السرايا الحكومية المهددة بدورها بالتعطيل.
اكثر ما يقلق بري في الايام الاخيرة هو تطورات الوضع الامني في سوريا، ولا سيما بعد ما تعرض له ابناء الطائفة الدرزية في ادلب والسويداء من مضايقات واعتداءات من الجماعات الارهابية المتطرفة، وانعكاس هذا الامر على لبنان. وينظر من الزاوية المحلية الى خطورة ما يحدث في هذا البلد. وينطلق من مقولة “كيف حالك واسأل جارك”. والجار هنا سوريا، التي تمر في حرب مفتوحة على طول مساحة اراضيها منذ اربعة اعوام انتهت حتى الان بتبدلات على الارض وسيطرة الجماعات المسلحة على مساحات كبيرة لم تعد مسافاتها بعيدة من دمشق. وما يحصل في جرود بعلبك وعرسال خير شاهد على تأثير تلك المعارك والمواجهات على الداخل اللبناني.
ومن هنا يؤمن بري بأن من مصلحة سوريا ومختلف البلدان العربية ان يبقى لبنان موحداً، وكذلك سوريا، لان تقسيمها وفق رأيه يؤدي الى المزيد من التطرف والتعصب المذهبي، الذي لا يجلب الا المعارك ويكثف من حجم الخراب والدمار “وفي اختصار سوريا غير الموحدة تعني حدود النار مع لبنان”.
ويختلف بري مع القائلين ان الاتفاق النووي الايراني الذي سيختم رحلته في نهاية حزيران الجاري، لن تؤثر مفاعيله على لبنان. ويعتقد ان هذا الحل سيترك ارتياحاً اولا في صفوف الايرانيين، ولا سيما بعدما ثبت ان حصار دولتهم طوال الاعوام الثلاثين الاخيرة لم ينفع ولا جدوى منه، بدليل تمكن طهران من الصمود والمواجهة وتأثيرها على سياسات اكثر من دولة في المنطقة.
وسبق لرئيس المجلس ان خاطب مسؤولاً اميركياً بالقول: “ماذا سيحصل لو حبست هراً في غرفة وعدت في ما بعد الى فتح بابها؟ تخيل المشهد، هذا الامر فعلتموه مع الايرانيين”. ولم يكتف بذلك، بل تابع مخاطبا ضيفه: “لو اصبت بمرض واستعملت الدواء نفسه مرات ومرات، هل تتناوله في ما بعد، بالطبع لا، لانه لم يوفر لك الشفاء المطلوب. انتم استعملتم دواء الحصار ضد الايرانيين ولم تستطيعوا كبحهم. ولجأتم في النهاية الى محاورتهم. وكان من المطلوب اتباع الاسلوب الاخير قبل سنوات عدة”.
ودعا ضيفه الى التدقيق جيدا في بدء اعوام الحصار على ايران، عندما كان على قيد الحياة حافظ الاسد وصدام حسين وياسر عرفات، وما حال دولهم اليوم، واجراء هذه المقارنة لابراز موقع طهران وصولاً الى اليمن. ولذلك يشدد بري على ضرورة الحوار واتباعه بين الدول، لان المعارك ستنتهي الى طاولة المفاوضات، واذا ما بوشر به في “حوار جنيف اليمني” وهو على قاب قوسين او ادنى من النجاح فسيفتح صفحة جديدة بين المملكة العربية السعودية وايران.
ويقول: “انا اول من دعا الى هذا الامر في اجتماع لكوادر حركة “أمل” في الاسبوع الاول من حرب اليمن. ودعوت الى حوار بين افرقاء هذه الدولة في سلطنة عمان والجزائر او بيروت او جنيف لتستضيف الاخيرة اللقاء، وهذا الامر سيفتح الباب على لبنان”.
وفي تقديره ان التقارب السعودي – الايراني سيساعد لبنان وينعكس ايجابا على استحقاق الانتخابات الرئاسية المعطلة. ويقول لـ”النهار”: “حتى الآن ما في ضو”. يطلق موقفه هذا من دون ان يدخل في ارتدادات هذا الامر، لان التفاهم في حدوده الدنيا يضمن رئيسا للبلاد.
ويبقى التعويل الدائم لبري على الامن المضبوط في البلد على عكس ما يرافق الاجواء السياسية اليومية. ويحمد الله على هذه النعمة اذ”لا امن اذا لم تكن ثمة سياسة سليمة نحن نطبق العكس”، وسط كل العواصف الساخنة التي تلف لبنان وحدوده والمنطقة.
ولاطلاق عجلة موسم السياحة مع اقتراب شهر رمضان اجرى بري اتصالاً بوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وخاطبه: “يا صديقي نهاد، الطقس حار في بلدان الخليج كما تعلم وهو الى ازدياد. وكل يوم تأتي اربع طائرات من الكويت، وهذا مؤشر جيد ومشجع. اسرع في عقد مؤتمر صحافي لدعوة الخليجيين الى ربوعنا، وانت مسؤول يحترمك اللبنانيون والعرب وتملك شبكة من العلاقات. اسرع في عقد مؤتمر صحافي ليأتوا في هذا الصيف، اذ يبقى لبنان اكثر البلدان اماناً في المنطقة”. وردد الدعوة نفسها امام سفير السعودية علي عواض عسيري. وتلقى منه اشارات ايجابية.
ويذكر ان بري يطلق رسائل دعم للحكومة اكثر من رئيسها تمام سلام، ليس من باب تسجيل النقاط عليه، على الرغم من اتفاقهما على الحفاظ عليها لاعتبارات عدة. وكان قد ابلغ وزيريه علي حسن خليل وغازي زعيتر الرسالة الاتية: “عندما تكونان في الجلسة ويحصل خلاف وقرر وزراء تكتل التغيير والاصلاح الخروج ابقيا مكانكما، وافعلا الامر نفسه عندما يهم وزيرا حزب الله بذلك. واذا قام سلام عن كرسيه، استمرا بالبقاء في السرايا الى حين التأكد من وصول الوزراء الى منازلهم”.
في انتظار الطبعة الاخيرة من الاتفاق النووي الايراني وتطورات الوضع على جبهات الميدان السوري الساخن، يدقق رئيس المجلس ملياً في خريطة المنطقة، ليعرف ما سترسو عليه محطات هذه الحرب، في ظل عدم تمكن الافرقاء في لبنان من انتخاب رئيس للجمهورية، ولا سيما بعدما قال “تيار المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي كلمتيهما في المرشح العماد ميشال عون واعلانهما الى جانب قوى اخرى عدم تأييده في هذا السباق. لم يجب بري عن سؤال من هذا النوع حتى الان لاعتبارات تخص موقعه.