IMLebanon

الرقابة والمصارف العراقية الخاصة

IraqCentralBank
ذكاء مخلص الخالدي
انطلقت في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد الانخفاض الملحوظ في إيرادات النفط، تصريحات تنتقد دور المصارف العراقية الخاصة والتي تأسست بعد الاحتلال بموجب قانون المصارف لعام 2003 والصادر عن سلطة الائتلاف الموقتة، وتشمل مصارف تجارية واستثمارية وإسلامية. ومن هذه التصريحات اتهامها بتبييض الأموال وتهريبها، إذ صرح أحد النواب بأن البلايين من الدولارات تخرج من العراق من دون أن تدخل في مقابلها بضائع مستوردة، ما يشير إلى وجود تهريب للأموال مسؤولة عنه المصارف الخاصة. كما صرح رئيس لجنة المال النيابية قبل فترة بأن البنك المركزي باع من خلال مزادات العملة اليومية 312.7 بليون دولار خلال فترة ثماني سنوات من 2006 إلى 2014، أي ما يعادل أكثر من 50 في المئة من مجموع إيرادات النفط التي تسلمتها الحكومة خلال الفترة ذاتها والبالغة 551.7 بليون دولار. وتساءل عن مصير الأموال التي بيعت من خلال المزاد إذ لم يتوقع أن تكون قد أنفقت كلها على واردات للقطاع الخاص في وقت بلغت واردات الحكومة خلال الفترة ذاتها ثلث هذا المبلغ تقريباً أي 115 بليون دولار، وتشمل استيراد الوقود وسلع عسكرية وأمنية وغيرها.
ان الانخفاض الكبير في إيرادات النفط والذي لا يعرف إلى أي مدى سيستمر، هو الذي أثار اهتمام بعض المسؤولين العراقيين بضرورة مراجعة الماضي ومعرفة أين ذهبت موارد النفط خلال السنوات الاثنتي عشرة التي أعقبت الاحتلال. وربما لو ظلت موارد النفط عند مستوياتها السابقة أو زادت عنها لما أثار الموضوع هذا القدر من الاهتمام. والسؤال الذي يستحق الطرح هنا هو: أين كان مجلس النواب وأين كانت اللجان المعنية فيه طوال الفترة السابقة؟
لم يعرف العراق المصارف الخاصة خلال العقود الأربعة السابقة لاحتلاله والتي تميزت بهيمنة القطاع العام حصراً. ثم جاء الاحتلال وخلق وضعاً غير مسبوق في تاريخ العراق من حيث كثرة الشخصيات السياسية التي تتمتع باستقلالية عن رأس الهرم والتي ظهرت كرئاسات أحزاب أو كتل أو مراجع دينية لها مصالح اقتصادية اعتبرتها حقاً لها.
ولو هدفت مصالح هذه الشخصيات إلى إنعاش الوضع الاقتصادي وتحقيق استثمارات منتجة وخلق مشاريع زراعية وصناعية تنتج فرص عمل، وقائمة على معايير اقتصادية، لحقق ذلك الكثير من الفائدة للاقتصاد العراقي وللعراقيين. ولكنها اختارت أسهل الطرق وأكثرها ربحية وهي تأسيس مصارف خاصة. فهناك أكثر من عشرين مصرفاً خاصاً يعمل في العراق، مرتبطة بعضها بأسماء سياسيين متنفذين لهم قدرة على التأثير. ولكن يجب عدم وضع اللوم كله على سلوك هذه المصارف. فالسلطة النقدية ممثلة بالبنك المركزي تتمتع برقابة كاملة على هذه المصارف ومتابعة أعمالها بموجب المادة 40 من قانون البنك المركزي العراقي لعام 2004. وحيثما تخطئ هذه المصارف، يجب على دائرة الصيرفة ومراقبة الائتمان في البنك المركزي رصد هذه الأخطاء وتنبيه المصارف إليها ومطالبتها بتصحيح المسار. كما أن خضوع البنك المركزي لمساءلة السلطة التشريعية، يضع الكثير من المسؤولية على مجلس النواب، وبخاصة على اللجان المعنية بالشؤون المالية والمصرفية. فالمعروف عن مؤسسات القطاع الخاص أنها مؤسسات ربحية تعتبر تحقيق الأرباح ومزيد منها هدفها الرئيس وسبباً لاستمرار وجودها.
لذلك لا يتوقع أن تعمل المؤسسة الخاصة بإرادتها للمصلحة العامة أولاً. ولكن يمكن الاستفادة كثيراً من المؤسسة الخاصة إذا وضعت أنشطتها على المسار الصحيح من خلال تشريع القوانين التي تحدد ما للمؤسسة الخاصة وما عليها في مجال تخصصها وتخضعها للمراقبة والمساءلة من الجهات الحكومية المعنية.
إلى جانب الخلل الموجود في ضعف الرقابة على المصارف الخاصة وأنشطتها، هناك عدد كبير من مكاتب الصيرفة العاملة في العراق، والتي تتعامل بحريّة في بيع العملات الأجنبية وشرائها، وبالذات الدولار، وإجراء تحويلات خارجية لا يستهان بكميتها. ومما يجذب الانتباه أن لا قانون المصارف لعام 2003 ولا قانون البنك المركزي لعام 2004، يشيران بأية طريقة إلى هذه المكاتب وكيفية ممارسة أعمالها ونوع الرقابة المفروضة عليها. ويبدو أن هذه المكاتب تعمل بموجب تعليمات صادرة عن مجلس إدارة البنك المركزي وتشتري العملات الأجنبية من المصارف الخاصة. وبهذه الحالة لا يقع اللوم في تهريب الأموال أو تبييضها على المصارف الخاصة فقط وإنما تتحمل هذه المكاتب قسطاً منها. إضافة إلى ذلك فإن الوضع الخاص لإقليم كردستان وضعف علاقته بالمركز في شكل عام، وضعف خضوعه لرقابة السلطة النقدية في شكل خاص، تفاقم مسألة كيفية التصرف بالأموال التي يتم شراؤها من مزادات العملة.
اتخذ البنك المركزي أخيراً بعض الخطوات التي تقلص تحويل الأموال خارج سلطته، ووضع أنشطة المصارف الخاصة ومكاتب الصيرفة تحت رقابة فعّالة، ما قد يساعد في تصحيح الممارسات الخاطئة التي حصلت في السابق والتي تتحمل مسؤوليتها جهات متعددة.