لا تزال قضية الدروز في سوريا تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام ولا سيما في لبنان من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي يقوم مع ممثلين عنه بالتواصل مع المعنيين في محاولة لتهدئة الوضع بعد «مجزرة قلب لوزة» قبل يومين وتأمين الحماية لدروز سوريا، خصوصا في منطقة إدلب. وكان لافتا تعهد كل من «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» حماية دروز إدلب، بعدما أعلنت النصرة في بيان لها أنّ ما حدث في «قلب لوزة»: «ناتج عن خطأ فردي»، مؤكدة أنّ القرية ما زالت وأهلها آمنين مطمئنين تحت حمايتها وفي مناطق سيطرتها. وتعهدت بتقديم كل من تورط في تلك الحادثة لمحكمة شرعية للمحاسبة.
وبدأ وفد من حزب «التقدمي الاشتراكي» زيارة إلى تركيا للتباحث في هذا الأمر مع المعارضة السورية، ومع المسؤولين الأتراك. وقال مصدر في الحزب لـ«الشرق الأوسط»، بأن الوفد سوف يلتقي في إسطنبول قوى معارضة سورية، يعول الحزب على قيامها بتولي أمن المنطقة التي ينتشر فيها الدروز في محافظة إدلب والبالغ عددهم نحو 20 ألف شخص. وأوضحت المصادر أن الوفد سوف يلتقي أيضا مسؤولين في جهاز الاستخبارات التركية، ثم يزور وزارة الخارجية التركية للقاء عدد من المسؤولين الكبار فيها. ونفت مصادر في الحزب الاشتراكي لـ«الشرق الأوسط» ما تم التداول به لجهة عمل جنبلاط على خط نقل دروز الشمال إلى لبنان، مشيرة إلى أنّ المباحثات الأولية تجري لتوّلي «أحرار الشام» حماية دروز إدلب، وفي حال فشلت هذه الجهود، قد يعمل على إجلاء هؤلاء إلى تركيا أو محافظة السويداء في جنوب سوريا حيث سبق لعدد كبير من الدروز أن لجأوا إليها.
من جهته، أشار مفوض الإعلام في الحزب الاشتراكي، رامي الريس إلى أن قيادة الحزب وجنبلاط يقومان بما سبق أن أعلنه الأخير منذ اللحظة الأولى لوقوع حادثة قلب لوزة بريف إدلب والتي أدت إلى مقتل العشرات، لجهة الاتصالات مع الجهات المعارضة والإقليمية المعنية في محاولة لتأمين حماية القرى الدرزية وتلافي تكرار ما حصل، لافتا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «أنّ نتائج هذه الاتصالات تأخذ منحى إيجابيا». وبعيدا عن الدخول في السجالات، قال الريس «نحن مقتنعون أن حماية الدروز في المرحلة الحساسة بحاجة إلى مواقف عاقلة وليست متهورة قد تؤدي إلى سفك دمائهم وتوريطهم في حروب لن يتمكنوا من تحمل تبعاتها».
وأكّد أنّ «دعوة جنبلاط للمصالحة بين أهالي السويداء والجوار بدأت كذلك تأخذ صداها الإيجابي فيما يتم العمل على درس الخطوات العملية اللازمة في هذا الإطار»، لافتا إلى «أنّ دروز السويداء معرضون لخطر (داعش) كما غيرهم من مكونات الشعب السوري، وهو ما أدى إلى دعوة جنبلاط للمصالحة مع جيرانهم، لا سيما أنّ النظام قدّم الدليل على أن التعويل عليه كان خطأ استراتيجيا بعدما ترك المنطقة في العراء، بإفراغ معسكراتها من الأسلحة».
وقالت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط» بأن الوضع في منطقة السويداء يسير إلى الأفضل، مشيرة إلى أن موسم الحصاد بدأ في المناطق المتاخمة لدرعا، من دون أحداث تذكر.
من جهتها، كتبت صحيفة “الأخبار”، لم تنفع اعتذارات «جبهة النصرة» وإدانات مجزرة بلدة قلب لوزة في إدلب في تخفيف الاحتقان الذي يجتاح القرى الدرزية في لبنان وسوريا وفلسطين، ما يسبّب إحراجاً كبيراً للنائب وليد جنبلاط. وبالتزامن مع الضغوط العسكرية والأمنية والإعلامية لفصل محافظة السويداء عن جسم الدولة السورية، يظهر حجم التدخّل الإسرائيلي والأميركي من خلال تسريبات عن نية إسرائيل إنشاء منطقة للدروز «المهجّرين» من السويداء على الحدود مع الجولان المحتل
تظاهر دروز من عرب الـ48 في غالبية قرى الجليل والكرمل، في اليومين الماضيين، تضامناً مع أهالي قرى جبل السماق الذين ارتكبت «جبهة النصرة» مجزرة في حقهم. لكن الخلفية السياسية لهذا التحرك تتصل أكثر بالوضع في محافظة السويداء، حيث يتركز النشاط الاسرائيلي ــ الاميركي على سبل إنشاء صلات وصل جغرافية وعسكرية بين دروز الجليل وأبناء المحافظة السورية الجنوبية.
وخرج الآلاف في قرى يانوح وكسرى وكفر سميع ويركا وبيت جنّ وجولس والرامة ودالية الكرمل في شمال فلسطين المحتلة، داعين الى مناصرة أبناء السويداء في مواجهة المجموعات المسلحة.
وترافق التحرك مع حملة تبرعات مالية في القرى منذ أيام لجمع المال وإرساله إلى أهالي السويداء. وليلاً، قال شيخ عقل الدروز في فلسطين، موفّق طريف، للقناة الثانية الاسرائيلية إنه تمّ جمع نحو مليوني دولار أميركي، داعياً «أميركا والتحالف الدولي إلى مساعدة الدروز في السويداء»!
ويأتي كلام طريف وطلبه العون من التحالف الدولي في وقت كشفت فيه صحيفة «هآرتس» أمس أن «إسرائيل تقدّمت بطلب إلى رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي، مارتن ديمبسي، أثناء زيارته لإسرائيل الأسبوع الماضي، لمساعدة الدروز في سوريا». وأكدت أن «مسؤولين إسرائيليين طالبوا ديمبسي بتقديم مساعدات لسكان جبل الدروز عن طريق الأردن»، وأن الجنرال الأميركي «لم يتعهد بشيء في هذا الخصوص، لكن التقديرات هي أنه سيتم بحث الموضوع بصورة إيجابية في واشنطن». وذكر تقرير «هآرتس» أن «ممثلين عن الطائفة الدرزية طلبوا من إسرائيل تقديم مساعدة للدروز في سوريا، وردّت إسرائيل في أعقاب مداولات أجراها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن موشيه يعلون وقادة جهاز الأمن بأن إسرائيل يمكن أن تقدم مساعدات إنسانية إلى سكان بلدة حضر السورية القريبة من خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، لكن لن يكون بالإمكان تقديم مساعدات لجبل الدروز في عمق الأراضي السورية، لأن ذلك سيعتبر تدخلاً مباشراً في الحرب الأهلية السورية، الأمر الذي قد يورّط إسرائيل فيها».
غير أن موقع «واللا» القريب من الاوساط الامنية كشف أن «إسرائيل بادرت إلى إقامة منطقة خاصة في الأراضي السورية، بالقرب من الحدود، يمكن أن يصل إليها لاجئون دروز لتلقّي مساعدة إنسانية». وهذا الاعتراف الإسرائيلي هو الأول من نوعه، ويؤكد مخاوف الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية من أن إسرائيل التي تدعم الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا وتوجّهها، تنوي الدفع في اتجاه تهجير قسمٍ من أهالي جبل العرب، ونقلهم إلى الجولان المحتلّ، بغية تحقيق حزام أمني على الحدود السورية مع شمال فلسطين المحتلة.
وتستغل إسرائيل الغليان الشعبي في القرى الدرزية في الكرمل والجليل لتنفيذ مخططها، وأوضح «واللا» أن «الاتصالات حول هذه المسألة (إقامة منطقة خاصة للدروز) جرت على خلفية الخشية وسط أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل من مذبحة محتملة تنفذها التنظيمات المتطرفة بإخوانهم ما وراء الحدود، وبشكل خاص في منطقة جبل الدروز الواقع جنوب سوريا». وأضاف الموقع أن «إسرائيل تدير اتصالات مع عدة دول في العالم، ومع جهات في الأمم المتحدة ومع الصليب الأحمر من أجل إقامة المنطقة المشار إليها».
وأكد مصدر سياسي لموقع «واللا» أن إسرائيل تتابع وضع الدروز في سوريا، مشيراً إلى «أننا لا ننوي استيعاب لاجئين دروز في إسرائيل، ولكن كشعب (يهودي) تعرض لكارثة، لا ننوي تجاهل إمكانية تعرض الأقلية الدرزية لمذبحة». وأوضح الموقع أنه «في حال ضممنا هذا الكلام إلى كلام الضابط الرفيع في هيئة الأركان العامة، خلال حديث مع مراسلين عسكريين، يصبح بالإمكان القول إن إسرائيل لن تسمح بدخول جماعي للاجئين الدروز إلى إسرائيل، ولكنها لن تقف جانباً إذا ما تعرّضوا لمذبحة».
وبحسب الموقع نفسه، رفضت رئيسة شعبة الاتصالات في الصليب الأحمر، سفين سيتروك، تأكيد أو نفي هذه التفاصيل، لكنها وافقت على القول إن «الصليب الأحمر يجري حواراً سرياً مع جهات تقدير مختلفة حول الوضع في سوريا»، مضيفةً أن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر تجري تقديرات عن الوضع الإنساني، وحاجات السكان المدنية، الموجودين في منطقة المواجهة، وعن نوع وحجم المساعدة التي ينبغي توفيرها، على جانبي الحدود».
ويروّج الموقع لحاجة أهالي السويداء إلى الدعم العسكري من إسرائيل، مؤكّداً أن «مسؤولين رفيعي المستوى في الطائفة الدرزية في إسرائيل تحدثوا الأسبوع الماضي مع جهات أمنية حول وضع إخوانهم في جبل الدروز، وطلبوا الاهتمام بتزويدهم بالسلاح»، مضيفاً أن «من يتحدث عن فكرة استيعاب الدروز من سوريا في إسرائيل لا يفهم ماهية المشكلة. أي درزي لن يترك أرضه، ولكن من الجانب الثاني ليس لديهم أسلحة وذخيرة من أجل مواجهة التهديدات. ونحن نتوقع أن دولة إسرائيل مثل بقية دول العالم ستساعدنا في الدفاع عن أنفسنا».
ونقل «واللا» عن «مصدر في المؤسسة الأمنية قوله إنه في الأسابيع الأخيرة تدرس عدة دول غربية، بالتشاور مع جهات رفيعة في الأردن، فكرة نقل أسلحة وذخائر لرؤساء الطائفة الدرزية في سوريا من أجل الدفاع عن أنفسهم. مع ذلك، لم يتخذ حتى الآن أي قرار في هذا المجال». لكن الموقع لفت الى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية «رفضت التطرق إلى ما كتب عن هذا الموضوع بشكل رسمي».