كتب ايلي الحاج في صحيفة “النهار”: يمثّل الرئيس الجديد لحزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل الجيل الثالث من الكتائبيين بعد جيلي والده الرئيس أمين الجميّل وجدّه المؤسس الراحل بيار الجميّل. “فتى الكتائب” الذي تذكّر نبرته الخطابية إلى حد ما بعمه الراحل الرئيس بشير الجميّل هو الرئيس السابع للحزب التاريخي بعد بيار الجميّل (1936)، إيلي كرامة (1984)، جورج سعادة (1986)، منير الحاج (1998)، كريم بقرادوني (2001)، وأمين الجميّل (2005).
رحلة طويلة منذ 79 عاماً أثبتت فيها الكتائب أنها لا تسير إلا بقيادة العائلة في ظلال الله والوطن. من آل الجميّل إلى آل الجميّل تعود. ومَن كان من أحزاب لبنان وتياراته السياسية بريئاً من العائلية فليرجم الكتائب بحجر. حتى الأحزاب العلمانية أو الملحدة لم تفلت من هذا القدر في عملها السياسي. الحزب السوري القومي الإجتماعي؟ عندما فتحت أمامه أبواب البرلمان أرسل إليه ابن عبدالله سعادة وابن أسد الأشقر. الحزب الشيوعي اللبناني أفلت، لكنه تائه بين جرود القلمون والوتوات وحركة “اليسار الديموقراطي” والرفاق حائرون يا رفيق لينين.
أما لبنان فكله عائلات يعرف بعضها بعضاً وتتشابه . “مثلنا مثلكم” قال مرة الرئيس الراحل سليمان فرنجية لرفيقه في “الجبهة اللبنانية” الشيخ بيار الجميّل الذي كان يعتدّ بحزبه المنظم المنتشر في كل لبنان والمترفع عن التقليد السياسي. والمؤسس بيار الجميّل مثال أعلى عند حفيده “الشيخ سامي” الذي باتت الكتائب برئاسته وفي عهدته مع رفاقه من شبان وصبايا متحمسين لنفخ روح جديد في الحزب القديم. أمام من يثق بهم لا يخفي الرئيس الجديد للكتائب، والذي نضج بسرعة في السياسة والقيادة، تطلعه للعودة بالحزب إلى اندفاعة البدايات في الثلاثينيات، والإيمان الأول، والسلوكيات الأخلاقية الأولى. تغيّر الزمن كثيراً صحيح، لكن فتى الكتائب الثائر على ما يراه أخطاء وخطايا بات يمتلك أدوات تحقيق الأحلام انطلاقاً من مكتب “الرئيس” البيت المركزي وحوله مجموعة نشيطة ومثقفة تحاور على الأقل. تأخذ وتعطي. والشيخ سامي نفسه إذا سمع أو قرأ رأياً كان يخالفه فإنه يعيد النظر وإذا اقتنع فإنه ينتقل بالفكرة إلى التحقيق، ولا عقدة هنا أو عنجهية.
تغيّر كثيراً هذا الحزب قبل أن يبدأ التغيير، بدليل انتخاباته بدل تعيينات رئيسه كما كان يحصل في الماضي، وكما لا يزال يحصل في أحزاب أخرى، وبالأحرى غالبيتها. لم تكن هذه الظاهرة واردة في الحزب الحديدي في ما مضى. وشهيرة تلك الرواية المتناقلة عن الشيخ بيار الجميّل الجدّ عندما استاء استياءً بالغاً لدى إعادة انتخابه رئيساً للحزب مطلع السبعينيات بسبب ظهور ورقتين بيضاوين لدى فرز الأصوات، ورقته هو وأخرى يقال إنها لعضو المكتب السياسي آنذاك كريم بقرادوني. يضيف الرواة إن الشيخ بيار قال لأعضاء المجلس المركزي والمكتب السياسي آنذاك: “إذا كنتم لا تريدونني رئيساً للحزب فإنني أستقيل!”.
القدر جعل بيار الجميّل ينظر إلى نفسه هذه النظرة. ماذا يفعل إذا كان “هذا الحجر في هذا البيت عمره 500 سنة”، على ما يخبر الرئيس أمين الجميّل بعض زواره في بكفيا؟ العراقة موجودة تفعل فعلها لكنها تتحول في بعض العائلات روح أريستوقراطية نبيلة. وفي كتاب مذكرات لأحد القضاة في زمن المتصرفية قرأت أن جدّ الشيخ بيار، الشيخ بشير الجميّل كان “طبيب المتصرفية”. سيمرّ زمن طويل قبل أن يصبح حفيده “قديس الكتائب” و”صيدلي الجمهورية” وابناه رئيسين للجمهورية.
حلم أكبر يسكن الرئيس الجديد للكتائب: ألا تظل رسالة الحزب ، فكرة لبنان والدفاع عنها، محصورة في البيئة المسيحية، بل تعبر خطوط التماس النفسية إلى البيئة غير المسيحية. ما دامت المصالحة بين اللبنانيين تجسدت يوم 14 آذار 2005 وتعمّدت من ثم بدم شقيقه الوزير الشهيد بيار الجميّل، فما الذي يمنع أن تضم القيادة الكتائبية الجديدة لبنانيين يؤمنون برسالة الحزب الأصيلة بصرف النظر عن المعتقد الديني. ألم تكن عبارة “الدين لله والوطن للجميع” عند الشيخ بيار المؤسس؟ مع “فتى الكتائب” الشيخ سامي تقترب لحظة تجسيد هذه المقولة على ما يبدو. سيكون الكتائب حزب المسلمين والمسيحيين، وحتى مفرداته وخطابه سيتغيّر مع البقاء في الجوهر. في الستينيات والسبعينيات كان شعار تلمحه على الجدران قبيل الإنتخابات النيابية: “إذا تهدد الخطر لبنان فبمن تفكر ؟ الكتائب!”. تحوّل الشعار بفعل ظروف الحرب إلى “إذا تهدد المسيحيين…” والفارق لفظي. فالدفاع عن لبنان هو دفاع عن المسيحيين، والمسلمين أيضاً”. سيغادر الشيخ سامي رئيس الكتائب المنطق الطائفي إلى رحاب التفكير عن جميع اللبنانيين ولهم. أعطوا وقتاً للوقت ولا تستعجلوا. و”قوموا نهنّي”.