IMLebanon

الحكومة آخر “خطوط الدفاع” عن المؤسسات الدستورية!

conseil-des-ministres

 

 

نقلت صحيفة “النهار” عن اوساط واسعة الاطلاع ان مجريات الحرب في سوريا وتطوراتها المتدحرجة أرخت بثقل استثنائي على مجمل القوى اللبنانية التي تبدو كأنها تفتقر الى بوصلة دقيقة وواضحة حيال الاتجاهات التي ستسلكها الحرب السورية في وقت تكثر معه مؤشرات تسارع انهيار النظام السوري من دون ان يسقط فعلا ومن دون قدرة اي جهة اقليمية او دولية على الادعاء بوجود لوحة واضحة عما سيكون عليه الوضع في سوريا في حالتي انهيار شامل للنظام او امكان بقائه الى حين بلورة صيغة توافق دولي – اقليمي على مستقبل سوريا ما بعد الحرب. لا بل ان ثمة ترجيحات لدى دوائر ديبلوماسية غربية واقليمية بامكان صمود النظام بعد ولو على مصل الدعم الايراني والروسي الذي بالكاد يتمكن من “تعييش” النظام قسرا وبقوة سعي الدولتين الى تحويل دعمه ورقة تحسين مواقع ونقطة تفاوض اساسية حين يحل اوان الصفقات الكبرى على سوريا وبلدان المنطقة.

ولعل ما يلفت في نظرة هذه الاوساط الى واقع لبنان في ظل احتدام الاجواء هو انها تتخوف من ان يندفع بعض القوى اللبنانية في اتجاهات شديدة الانفعال وغير محسوبة اما خشية تداعيات ما بعد مرحلة نهاية النظام عليها واما ظنا منها ان الحرب السورية ستضع أوزارها بمجرد سقوط النظام سقوطا ناجزا وتبني على ذلك سياساتها ونظرتها الى الواقع الداخلي. وهو الامر الذي يشكل في رأيها اخطاء وأخطارا يتعين تداركها وتجنبها من الآن نظرا الى مجموعة حقائق من ابرزها على سبيل المثال لا الحصر:

اولا: ان مجمل الدول المؤثرة دوليا واقليميا، وفي مقدمها الدول الكبرى نفسها، لا تزال تثبت حتى الآن، وعلى رغم كل ما يتسبب به البركان السوري من حمم وأهوال، افتقارها الى تصورات واضحة لمآل هذه الحرب واتجاهاتها المقبلة سواء صمد النظام مدة معقولة بعد ام لم يصمد. بل ان الأسوأ من ذلك ان احدا لا يمكنه ان يجزم بان حربا متوالدة من صراع النظام ومعارضيه بعد سقوط النظام لن تشتعل بدورها وتكون مواجهة مفتوحة اخرى بين مئات التنظيمات المسلحة في غابة الصراع على سوريا الاخرى تلك التي يستحيل تصور ما سترسو عليها صورة الواقع فيها ما لم يسارع المجتمع الدولي الى احتواء الحروب المتعاقبة فيها على غرار ما اصاب ليبيا مثلا منذ سقوط نظام معمر القذافي.

ثانيا: ان لبنان الذي تمكن من النجاة بجلده واستقرار الحد الادنى فيه منذ اندلاع الحرب السورية على رغم وقوفه الدائم على مشارف الخطر وحفافيه سيجد نفسه تباعا امام حقيقة تجنب اللعب بكل ما يمكن ان يمس ثوابت صيغته ونظامه في هذه المرحلة لان اي مجازفة يقدم عليها اي فريق في محاولة لتغيير النظام في هذه الظروف ستطلق استنفارا مذهبيا وطائفيا اشد حدة من سائر المراحل السابقة ويرتبط ربطا محكما بتداعيات الحرب السورية بما يشكل خطرا غير مسبوق على لبنان منذ التوصل الى اتفاق الطائف.

ثالثا: ان استسهال العبث بالواقع الحكومي لأي سبب كان وتحت اي ذريعة سيؤدي سواء من حيث يخطط العابثون ام لم يدركوا الى الإطاحة بآخر خطوط الدفاع عن المؤسسات الدستورية وتاليا ترك البلاد امام انكشاف شامل يصعب معه تصور التداعيات الخطرة التي سيؤدي اليها. ولعله من الواضح تماما ان غالبية القوى السياسية تدرك تماما هذه الحقيقة وهو ما يجري التعويل عليه لمنع تمادي تعطيل الحكومة اكثر من فترة مقبولة وقصيرة قبل ان يبدأ رسم سيناريوات مختلفة.

رابعاً: ان حكومة الرئيس تمام سلام التي شكلت قبيل بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية صارت بعد اكثر من سنة من ازمة الفراغ الرئاسي تشكل اكثر من اي وقت سابق تجسيدا لتوافق دولي واقليمي نادر في هذه المنطقة. وتبعا لذلك فان حسابات تعامل الافرقاء الداخليين مع كل ما يمت الى الواقع الحكومي بصلة يجب ان ينطلق من ادراك هذه الحقيقة والاخذ بهديها بما يعني ان المظلة الدولية والاقليمية للحكومة أمر لا يبدو قابلا لاي مغامرات داخلية من شأنها التأثير سلبا على مصير الحكومة خصوصا ان كل المعطيات المتصلة بازمة الفراغ الرئاسي لا تزال تشير الى ان عمر هذه الازمة سيطول كثيرا بعد وان الدول ستبقى تتكئ على الحكومة كركيزة اساسية في تعاملها مع لبنان وتوفير معطيات الصمود له ولو بحدود دنيا لتجنب سقوطه في تجارب مدمرة.