لم تتضح بعد العلاقة بين عدم الاستقرار في أي بلد في المنطقة وبين مؤشرات الطلب الحقيقي على المنتجات العقارية، وكذلك وجود علاقة مباشرة بين المعروض والأسعار السائدة. لكن الثابت الوحيد في المعادلة العقارية في السوق اللبنانية، أن الطلب يتزايد وتستمر الأسعار في الارتفاع، فيما يتقلّب حجم المعروض من المنتجات العقارية ويستقر بين فترة وأخرى، وفقاً للظروف الاقتصادية والمالية والسياسية المحيطة به.
وتتمتع السوق العقارية اللبنانية بتنوع مصادر الطلب والاستثمار، إذ لاحظت شركة «المزايا القابضة» في تقرير أسبوعي أن السوق تسلك مساريْن متوازيين، «يقوم الأول على العرض والطلب للوحدات السكنية والتجارية والصناعية، والثاني على العقارات السياحية أو الاستثمارية». إذ يستحوذ هذا القطاع «على حصة كبيرة من الحركة العقارية والاستثمار الخارجي، ويعتمد عليه لبنان لتنشيط السوق التجارية والصناعية وكذلك القطاعات المتصلة به مباشرة وغير مباشر». لذا رأى التقرير «عدم إمكان الفصل بين مكونات السوق العقارية على مستوى الاستثمار وحركة السوق والأسعار في كل الظروف».
واعتبر أن ارتفاع أسعار المنتجات العقارية هي «السمة الأوضح للسوق اللبنانية خلال العام الحالي»، إذ أظهرت الإحصاءات الصادرة عن نقابة المهندسين «ازدياد مساحات البناء المرخصة بنسبة تزيد على 25 في المئة على أساس سنوي، وارتفاع أسعار الأراضي إلى جانب ندرتها في أحيان كثيرة». وأشار أيضاً إلى «عدم تأثر السوق بالوضع العام، لأنّ القروض المصرفية متاحة وأسعار الشقق متنوعة ومتباينة باختلاف المواقع، وهي قابلة للتفاوض مع الأخذ في الاعتبار حفاظ بعض المواقع على أسعارها».
ولفت إلى أن الأراضي الصالحة للبناء «تتقلّص في وقت استنفذت تلك الواقعة في المناطق الساحلية، ما يضغط في اتجاه تراجع العرض وارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار». ورأى أن الثابت الوحيد في السوق العقارية اللبنانية أنها «لم تسجل انخفاضات حادة على رغم الأزمات، إضافة إلى عدم وجود فقاعات عقارية أو مضاربين عقاريين»، لأنّ التطوير العقاري في لبنان «يقوم على المستخدم النهائي سواء كان للسكن أو الاستثمار، ما يعني استمرار السوق قوية ومتماسكة في كل الظروف».
ولفتت «المزايا» إلى أن «الاقتصاد اللبناني يختلف كثيراً عن اقتصادات دول المنطقة على مستوى المؤشرات الرئيسة وآليات قياسها والقدرة على توقعها، كما تتنوع الدراسات والتوقعات حول مؤشراته ومستويات الدخل والتضخم والمعيشة والحد الأدنى للأجور». إذ توقع صندوق النقد أن «يتراجع معدل التضخم إلى 1.1 في المئة هذه السنة، وأن ينمو الاقتصاد الحقيقي 2.5 في المئة والعام المقبل، مقارنة بنمو نسبته 2 في المئة عام 2014».
وأوضح التقرير أن الصندوق «يضع توقعاته آخذاً في الاعتبار الضغوط التي يواجهها الاقتصاد اللبناني نتيجة الاضطرابات القائمة في المنطقة، والتي أثرت مباشرة في القطاع السياحي وحركة التجارة وثقة المستهلكين». وفي هذا السياق «صُنّفت بيروت ثاني أغلى عاصمة عربية بعد الدوحة في مؤشر كلفة المعيشة العالمي، وينسحب غلاء المعيشة على سوق الاستثمار العقاري. إذ تُصنّف بيروت المدينة الأولى على صعيد العالم مع 11 مدينة أخرى، التي تضمن للمستثمرين في القطاع العقاري أفضل العائدات، مع احتفاظ الاستثمارات العقارية في بيروت وضواحيها ولبنان عموماً بجاذبيتها، على رغم الأوضاع غير المستقرة».
وأشار التقرير إلى أن القطاع العقاري اللبناني «يشهد جموداً يصل في بعض الأحيان إلى مستوى تصحيح وضع السوق عموماً، والذي يفضي إلى تراجع الأسعار بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة». وعزا ذلك إلى «مجموعة من التأثيرات المتمثلة بالأزمات السياسية المحيطة وانخفاض لافت في الاستثمارات الأجنبية وتحديداً الخليجية، فضلاً عن تراجع الطلب الخليجي على شراء الشقق والأراضي حالياً. تُضاف إلى هذه العوامل توقعات مالكي الشقق والعقارات تسجيل زيادة في الأسعار، ما يدفعهم إلى الانتظار وعدم البيع». لكن أكد أن الجمود «لن يؤدي إلى تدنٍ خطير»، إذ لم تشهد السوق «أزمات حادة منذ 40 سنة»، ويعود ذلك إلى «وجود طلب حقيقي من اللبنانيين المقيمين في لبنان والمغتربين البالغ عددهم 15 مليوناً».
ولم يغفل دور مصرف لبنان المركزي والمصارف «الاستثنائي في دعم نشاط القطاع العقاري ونموه وتقديم التسهيلات». وأشار إلى أن النسبة الأكبر من القروض «تذهب إلى قطاع السكن ووصلت إلى 60 في المئة نهاية العام الماضي، ليتخطى عدد القروض السكنية خمسة آلاف». ولفت إلى أن المصرف المركزي «قدم خلال السنوات الثلاث الماضية وحتى هذه السنة نحو 3 بلايين دولار لتنشيط النمو من طريق التسليفات للقطاعات المتنوعة».
وخلُص تقرير «المزايا» إلى أن القطاع «يملك نقاط قوة وضعف معاً، وهو قادر على مواجهة الضغوط والنمو، لأن الطلب المحلي والاستثماري هما حقيقيان». كما تساهم «عوامل في الحؤول دون انزلاق القطاع، في مقدمها العرض والطلب الذي لا يشمل كل المناطق والمواقع في لبنان، لذا لا يستفيد المواطن اللبناني من العرض الإجمالي في كل المناطق». في حين أن لموقع لبنان «ميزة على خريطة المواقع الجغرافية جعلت منه بلداً مرغوباً فيه على كل الصعد».