كتبت صحيفة “الأخبار” بتاريخ 15/06/2015 مقالاً تناولت فيه موضوع السلاح والتسلّح، جاء فيه..
كان العمل سرّياً حتى سُرّبت صورة لتشكيل قتالي تابع للحزب مثيرة العديد من التساؤلات: لماذا الآن؟ هل يعني ذلك التحاق «الشيوعي» بـ»حزب الله»؟ أم هي مجرد نكتة؟ ترافق ذلك مع تباينات داخل الجسم القيادي حول القدرات التي يملكها الحزب، وتخوّله القيام بنشاط كهذا. الحقيقة التي يرويها عضو قيادي في الحزب تتخطى الاسئلة المطروحة. كان من الممكن أن تتسرب هذه الصورة منذ شهور، «الفارق اليوم أن الامور أصبحت أكثر رسمية وبمباركة حزبية».
منذ أكثر من سنة، كانت مجموعات من شيوعيي بلدات بقاعية قد قررت أن «تكون في موقعها الطبيعي». فما كان من هؤلاء العناصر إلا حمل السلاح الفردي وتوزيع أنفسهم على «نوبات حرس»، بالتعاون مع عدد من أبناء البلدات. أما بعد «غزوة عرسال» في الثاني من شهر آب عام ،2014 وحين كان النقاش في غرف «الوتوات» الضيقة حول الخطر التكفيري الذي يجتاح البلاد، كانت مجموعة من الشيوعيين قد حازت ضوءاً أخضر «لإعداد الشباب».
مناطق عدة استقبلت مخيمات تدريبية بمعزل عن الضجيج «الافتراضي» والخلافات «المؤتمرية». في المرحلة الاولى «كانت الانتقائية واضحة والعدد قليلاً»، يروي العضو القيادي. ولكن التجربة نجحت «والمخيم جرّ الآخر». تكاثرت النقاط، وأصبحت تغطي مناطق خلفية في البقاع على طول الخط الحدودي وصولاً الى منطقة حاصبيا. عشرات من الشبان أصبحوا اليوم ضمن تشكيلات عسكرية. «اختفوا» أياماً طويلة بين أيادي «رفاق» تمرسوا في جبهة المقاومة الوطنية والحرب الاهلية. مدربون «متقاعدون» أعادهم الخطر التكفيري الى موقعهم المفضل بين الوديان والاشجار الكثيفة.
“منذ شهرين بدأ العمل يأخذ شكله المنظم، خاصة من خارج المناطق الحدودية”، يقول القيادي. يشرح بتأنّ وبكلمات منتقاة بعناية عن «هيكلية جديدة يُعمل على تطويرها، عمادها رفاق دون الـ25 سنة».
لا تتردد في هذا المكان صدى المواقف المتباينة من جدوى إنشاء معسكرات تدريبية. مسؤول حزبي من المنطقة لا يهمه ما يحدث في بيروت. «هون الاكثرية ولاد المنطقة… القرار الدفاعي منبعه أهالي القرى. لكن منذ فترة فوجئنا بالشباب يتدفقون الى نقاطنا. يبدو أن القرار اتخذ. لا أعرف كيف ومتى، لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي»، يضيف.
المسؤول الحزبي هو ابن البقاع الشمالي الذي يحتل المسلحون 50 دونماً من أرضه في الجرود. من دون أي سؤال يتذكر التهم التي لُفّقت بحقه بعد قراره الدفاع عن بلدته: «اتهموني بأنني قبضت 20 ألف دولار كميزانية من حزب الله… هلق شو بدّن يقولوا؟». لا يحزّ في نفسه احتلال أرضه فقط، بل أيضاً خطف «داعش» للعمال في الكسارات ومن أراضيهم.
في هذا الوقت كان شباب من الجنوب والجبل يصلون الى «نقطة الحرس»، فيما البعض الآخر يستعد للرحيل. في غرفة منخفضة السقف، لا يعكّر الجلسة إلا ذرّات الرمل الخفيف الذي يتطاير بينهم والذباب الملتصق بأجسادهم. لا حول لهم سوى النسيم البارد. تولى المسؤول تقديم موجز للملتحقين الجدد: «هنا نقطة للجيش وهناك مرابض مدفعيته… هذه المنطقة آمنة، لكن مجموعة الهضاب تلك تُعتبر الخاصرة الأضعف، التركيز عليها. قللوا من الحركة وبدّلوا بهذه الطريقة… لا داعي لأكثر من رفيقين في نقطة الكمين المتقدّم». يُصغون إليه بحماسة لا يحاولون إخفاءها. هذه الحماسة لن تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي. حتى إن بعض الاهل قد لا يعلم «حرفة» أبنائهم الجديدة؛ فالهواتف الخلوية، مثلاً، توزعت بين مراكز الحزب في القرى وسيارات المسؤولين. في هذه الأماكن تنقطع العلاقة مع العالم الخارجي. يتولى أحد القادمين إخبار «الرفاق» بما قرأ من تعليقات على «فايسبوك» حول الصورة المسربة. التعليقات الساخرة كانت كفيلة سابقاً باستفزاز هؤلاء الشيوعيين، وتدفعهم الى شنّ معارك وهمية يمنة ويسرة. حينها، لم تظهر على ملامحهم أي مبالاة بما أخبر رفيقهم. «اتركوهم جالسين خلف الشاشات»، يعلّق أحدهم، بينما يرصد الشجرة التي قرّر «غزوها».
كروم اللوز والمشمش أنعشت آمالهم بما يسدّ الجوع، بعيداً عن المعلبات التي تجمّعت على طاولة بلاستيك الى جوار الخبز والشاي والبن والخضر.
يصف مسؤول متابع للعمل العسكري ما يحصل في البقاع بـ«المعركة الوطنية». يعود الى البدايات: «بدأنا العمل بشكل منظم، فكان لكل منظمة مسؤول عسكر… توزع الشباب على المناطق البقاعية حيث هناك وجود وحاجة لنا». التشاؤم يدفعه إلى القول: «الوضع باتجاه الانفجار…التنظيم سيكبر تحسّباً للمخاطر». ولكنه يُعوّل على هذه المعسكرات في أن تقود الى «استنهاض الشيوعيين»، وتُشجّع الذين انكفأوا على شحذ هممهم من جديد، بمعزل عن الخلافات.
يعرف «الورثة الجدد» حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، لكن لا «هدّ مراجل»: نحن قوة إسناد في حال حصول أيّ تسلل أو وصول مجموعة محاصرة تحاول الهرب عشوائياً… وجزء من حماية القرى.
لا شعور بالوقت، هنا، سوى مع انتهاء «نوبة الحرس» أو «اقترابها». في الغرفة الاسمنتية، تحلّق الشباب حول «أصحاب الخبرة». آذانهم صاغية لأخبار المعارك القديمة، أما أياديهم فـ«تركب الشرشور» أو تبحث عن «قماش للتنظيف». في هذا المكان لا مجال للتلهي… يأتي الصوت عالياً يُذكّرهم: «انهضوا لدينا عمل… وسينتهي”.
“أهمّ من ميّة اجتماع”
صورة الشبان باللباس العسكري انعكست إيجاباً عند عدد كبير من «الرفاق». الاندفاع «الدفين» لاح في أنفس بعض الشيوعيين. واحدهم، من كبار السنّ، هرع نحو منزل رفيقه «الناشط» بعد معرفته بالصورة. «كيف فينا نساعد؟ رحْ إجمع مصاري»، سأل. فرحة الرجل بقرار رفاقه لا توصف. فأتاه الردّ بأنه «في إطار قدرتي ومسؤوليتي لا أستطيع سوى قبول المساعدات العينية». لا يهم. بدل المال «سحارة بندورة وخيار ومعلبات… وسلّم على الشباب». يصل الرفيق الجنوبيّ إلى «الموقع». ينزل «الهدية»، متذكّراً اندفاعة الاجتياح عام 1982: «انتسبت الى الحزب وقاتلت من عمر الـ16 سنة من دون أن أعرف ما هي الماركسية ــ اللينينية… بعدين على رواق تعرفنا. حتى العلمانية أنجأ كنت فهمانها… أوقات الاحتكاك بالأرض أهمّ من ميّة اجتماع».
إلى جانب الجيش وكل المقاومين
بدعوة من منظمة الحزب الشيوعي في العين ــــ البقاع الشمالي، نُظِّم لقاء سياسي مع الامين العام للحزب خالد حدادة الذي اجتمع إلى كادر الحزب في قرى وبلدات عرسال، الهرمل، العين، رأس العين، الفاكهة، البزالية والقرى المحيطة. وجاء في بيان للحزب انه تم «استعراض الاوضاع السياسية والامنية الاقليمية وانعكاسها على الساحة اللبنانية وتطورات الوضع في منطقة القلمون وجرود عرسال، وبالتالي دور منظمات الحزب في تعزيز صمود الاهالي، وفي الدفاع عن تراب الوطن بوجه الارهاب، ودور الشيوعيين في استعادة التواصل بين القرى ومواجهة خطوات التحريض المذهبي». ورأى حدادة، في حضور حشد شعبي وحزبي، أن «الحزب الذي قاوم الاحتلال وحرّر الأرض لم ينتظر اذناً من هذا النظام البائد ليقوم بواجبه بالدفاع عن الأرض ولم يتأثر بقمعه من أجل سحب سلاحه، بل قاوم في تموز، واليوم سنقاوم اي اعتداء على أراضينا خلف الجيش وإلى جانب كل المقاومين في هذه البلد».