يحاول بعض القوى والشخصيات استنساخ التجربة المخيّبة السابقة، يوم طلب من البطريرك نصرالله صفير وضع لائحة من بضعة أسماء يُنتخب احدها للرئاسة، ولما فعل ذلك كانت النتيجة أن الذي انتخب هو من خارج اللائحة التي «تورّط» في وضعها.. ولكن هذه المرة هناك اضافة نوعية تتمثل بدفع الفاتيكان للدخول في هذه المغامرة.
الثابت ان الكرسي الرسولي لن يدخل في لعبة الأسماء حتى لو كان التوجه لاسم وحيد، ولن يقدم على أمر يزيد الشرخ المسيحي، لأن تسمية لمرشح بعينه تعني كسر الارادة السياسية لجزء مهم من المسيحيين، وهذا ما جعل البطريرك بشارة الراعي يحجم عن إعلان نتائج الاستطلاع الذي أنجزته مؤسسة إحصائية عن الشخصية التي تحوز على تأييد أكبر نسبة من المسيحيين، ولا سيما الموارنة، للوصول الى سدة الرئاسة، فهو سبق أن أعلن منذ أكثر من سنة أن لديه الاسم الذي يحظى بدعم المسيحيين.
مَن هو هذا الاسم؟
تفيد المعلومات أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون عندما يقول «أنا أو لا أحد»، فهو يغمز من قناة البطريرك الراعي وقوى أخرى ممن أجروا استطلاعات رأي أعطت عون الأولوية يليه «لا أحد» ثم بقية أسماء المرشحين. وما يقصده عون أن التالي بعده في الاستطلاعات هو «لا أحد»، وهذا ما بحوزة البطريرك الراعي، لكن كونه أباً لكل المسيحيين فهو ليس بوارد أن يدفع باتجاه كسر أي إرادة سياسية، مع تشجيعه على الاتفاق بين المكوّنات المسيحية.
وتشير بعض المعطيات إلى أن هناك مَن يعمل على سيناريو أن يطرح الفاتيكان بالتنسيق مع بكركي اسماً وحيداً، لكن لهذا محاذير فورية ثلاثة وهي:
1 ـ يكون الفاتيكان قد أخذ موقف طرف ضد قسم من المسيحيين، وهذه ليست سياسة الفاتيكان ولا يُقدم عليها.
2 ـ مَن قال إنه عند الامتحان الجدي يستطيع أي مكون رئيسي الانفراد عن توجه حلفائه وأن يخرج عن إرادتهم؟
3 ـ هل سيتمكّن المكوّن المسيحي الذي يرفض عون، أن يسير بمرشح وحيد لن يكون أحد أركانه؟ مثلاً الرئيس امين الجميل يعتبر نفسه الأوفر حظاً وكذلك الوزير بطرس حرب.
في القراءات أن ما يهمّ الفاتيكان هو المظلة الدولية التي أنجزها على دفعتين من خلال زيارتين بابويتين:
الأولى للبابا يوحنا بولس الثاني يوم بدأت الأمور تضطرب مسيحياً. صحيح أنه أطلق الإرشاد الرسولي، ولكن الأساس كان وضع مظلة الفاتيكان والمجتمع الدولي على لبنان، وهذا ما جعل مسيرة الاستقرار ثابتة عشر سنوات.
الثانية للبابا بينديكتوس السادس عشر، وهي حصلت عندما اهتزّت الأوضاع مجدداً. ورغم أنه كان قرر الاستقالة، إنما جاء ليقول إن هذه المظلة لا زالت موجودة، إلا ان الامور اهتزت بعد سنة من زيارته نتيجة الحرب في سوريا.
ما يهم الفاتيكان اليوم هو إعادة تجديد المظلة لحماية لبنان، وإذا لم يتم الاتفاق على انتخاب رئيس، فيستمرون بالعمل للاتفاق من دون فرض حل يكسر فريقاً، فهذا ليس من طبيعة عمل الدوائر الفاتيكانية. لذلك ليس صحيحاً أن الخطوط مقطوعة بين الفاتيكان وأيّ من المكونات المسيحية، صحيح أن علاقة عون مع السفير البابوي غابريل كاتشا كانت باردة لفترة نتيجة ردة فعل قام بها كاتشا أزعجت عون، لكن هناك مَن يؤمن التواصل الدائم، لا سيما عبر الرهبانيات ورجال الدين.
وفي الإطار ذاته، يبدي مرجع مسيحي عدم تشاؤمه، رغم قناعته أنه لن يتم انتخاب رئيس جمهورية في ايلول، كما يُشاع، «فهذا الكلام هو مورفين مهدئات، الا انني اخشى ان تمد الامور أكثر حتى يتضح الواقع في سوريا. نحن بإرادتنا رُبطنا نهائياً بمصير سوريا وما ستكون عليه من جغرافيا سياسية جديدة وتكوين لسلطة جديدة، وما يُقال لنا هو إذا استطعتم فصل لبنان عن مصير سوريا يختلف وضعكم، لذلك أرى أن هذا الشغور مرتبط بالواقع الذي يتبدّل ويتغيّر يومياً في سوريا».
يؤكد المرجع أن «التطمين الوحيد هو أن الغرب مصرّ على أن لا تغيير في الجغرافيا اللبنانية، وهذا ما يُسمى مظلة دولية. هذه المظلة، التي قوامها الرئيسي الفاتيكان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، تريد إبقاء هذه الجغرافيا آمنة للمكوّن المسيحي وإعادة تكوين السلطة مع إعطاء المسيحيين بعض الصلاحيات، أي الإبقاء على لبنان النافذة على الشرق والغرب، ذات وجه مسيحي تعدّدي وبشراكة كاملة مع المكوّن الإسلامي بلا «داعش» وأخواته».