جوزف فرح
اذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد اوصد الحل لمشكلة الاستحقاقات المتوجبة على الدولة بان اعلن استعداده لاصدار شهادات ايداع بمبلغ مليار دولار لاستحقاقين الاول بقيمة 500 مليون دولار تستحق في حزيران الحالي والثاني بقيمة 500 مليون دولار بفائدة 25،8 في المئة في آب المقبل.
وقد جاءت موافقة الحاكم سلامة على ضوء عدم اجتماع المجلس النيابي للموافقة على اصدار وزارة المالية سندات خزينة بقيمة مليار دولار اميركي، على ان تصدر وزارة المالية لاحقا سندات خزينة بالقيمة ذاتها بعد ان يكون المجلس النيابي قد اجاز للحكومة مثل هذه الاجازة وبالتالي تستطيع وزارة المالية استبدال شهادات الايداع بسندات اليوروبوندز.
هذه المشكلة تمكن من حلها حاكم مصرف لبنان، ولكن ما مصير رواتب واجور موظفي القطاع العام والبالغ عددهم 225 الف موظف بين مدني وعسكري المهددة بعدم دفعها في نهاية ايلول ما لم تقر مشروع موازنة العام 2015 او فتح اعتمادات اضافية بقيمة تتجاوز الـ700 مليار ليرة كي تتمكن وزارة المالية من تأمين هذه الرواتب حتى نهاية العام الحالي بموجب قانون من مجلس النواب.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل يتمكن حاكم مصرف لبنان من تأمين هذه الرواتب وابعاد الكأس المرة عن الموظفين الذين ينتظرون قبض رواتبهم على احر من الجمر وهي تكاد لا تكفي الايام العشرة الاولى من كل شهر، فكيف اذا لم يقبضوها.
مصادر اقتصادية مطلعة ذكرت ان القانون يمنع عدم دفع رواتب الموظفين في القطاع العام والا اعتبرت الدولة في حكم المفلسة ولكن هناك تدابير عدة يمكن اتخاذها عندما يعمد وزير المالية الى تأمين الاموال من احتياطي الموازنة، او من حساب الدولة رقم 36 في البنك المركزي، او يعمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى استدانة الحكومة بهذا المبلغ الذي تحتاجه على ان توافقه عندما تتمكن من ذلك فهل يقدم حاكم مصرف لبنان على ذلك؟
والمصادر الاقتصادية ذاتها تعتبر هذا الملف سياسي بامتياز وليس مالي، لان الاموال موجودة وبالتالي مفروض تأمين تغطية شرعية كي يتحول الى وزارة المال، ولكن يبدو ان وزير المالية يحاول عن طريق التهديد بعدم دفع رواتب الاجور لموظفي القطاع العام كي يمارس الضغوط لاجبار المجلس النيابي على الاجتماع واقرار مشاريع القوانين التي لا تحتاج الى تأجيل كما موضوع فتح اعتمادات اضافية لتأمين الرواتب او اقرار مشاريع القوانين المتعلقة بالكهرباء والمياه والسدود وغيرها من القوانين التي لا يمكن اغفالها مجددا في ظل تهديد صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات بسحب هذه المشاريع ونقلها الى دول اخرى.
لكن رغم الازمة السياسية وشلل عمل الحكومة والتداعيات المستمرة على لبنان كان لافتا ما توقعه صندوق النقد الدولي لجهة تحسن النمو في لبنان وان بنسب بسيطة مقارنة بالظروف التي تحوطه لكن الصندوق يطالب بتحسين العمل الاداري وايجاد المناخات الملائمة لاستمرار عمل مختلف القطاعات الاقتصادية ولكن كيف يمكن لهذه القطاعات من العمل في ظل معاناتها المستمرة من الظروف القاسية التي نعيشها وفي ظل اللامبالاة السياسية التي يطبقها معظم السياسيين في لبنان. كأنهم في واد والمواطن في واد اخر، لان مشاريع القوانين الجاهزة لا تنتظر سوى موافقة مجلس النواب تتناول البطاقة الصحية الموحدة، تأمين التغطية الصحية للمضمونين الذين تجاوزوا سن التقاعد، قرار ضمان الشيخوخة، اقرار مشاريع القوانين التي تتناول مكافحة تبييض الاموال والارهاب والا وضع لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة مع العلم، اقرار مشاريع قوانين تتناول مواضيع مختصة بالكهرباء والمياه والسدود وغيرها، اقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، السماح للقطاع الخاص بانتاج الطاقة الكهربائية والنموذج الناجح يتمثل بكهرباء زحلة التي تمكنت من تأمين التيار الكهربائي 24 ساعة على 24 وبكلفة اقل من التي كان يدفعها المواطن الزحلي.
ويعتبر تقرير بنك عودة الاخير ان تحليل دقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير الى تحفيز نسب النمو الاقتصادي بشكل يسد جزئيا الهوة بين الناتج المحلي والناتج الممكن تحقيقه ليس مستحيلا من الناحية التقنية، غير انه يتطلب تعزيز عامل الثقة بشكل عام بالتزامن مع عدد من الاصلاحات الهيكلية المرجوة. يبقى ان مثل هذا السيناريو يتطلب اجماعا سياسيا داخليا وانخراطا ملائما من كافة القوى في المجتمع اللبناني وانحسارا تدريجيا للعوامل الاقليمية ذات التداعيات المحلية السلبية التي ادت الى مرحلة من الوهن الاقتصادي منذ نهاية العقد المنصرم.
ان الاوضاع المالية العامة لا تزال تشكل عائقا امام النمو الاقتصادي طويل الاجل، فعلى الرغم من ان نسب المالية العامة لا تزال اقل من المستويات القياسية التاريخية الا انها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث ان نسب المديونية تصل الى 134 في المئة وهي ثالث اعلى نسبة في العالم مع نسبة العجز المالي العام تصل الى 10% من الناتج الاجمالي وصلت وهي بين العشر الاول في العالم بنسبة العجز الى الناتج في الاسواق الناشئة بلغت متوسطا قدره 2،2 في المئة في العام 2014 في حين ان نسبة الدين العام الى الناتج الاجمالي في الاسواق الناشئة وصلت الى 34% في نهاية العام الماضي. وهذا التباين بين نسب المالية العامة في لبنان والمعايير المقابلة لها تؤكد بان احتواء الانحرافات في اوضاع المالية العامة يعد جوهريا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في لبنان.
مهما يكن من امر فموضوع الرواتب والاجور اصبح مرتقبا بضرورة تأمين تشريع الضرورة، او اجتماع المجلس النيابي المرتبط بانتخاب رئيس للجمهورية وهذه دورة مستمرة في الدوران منذ اكثر من سنة، دون ان نجد الحلول لها في ظل الصرخة تلو الصرخة التي ترتفع من المواطنين والهيئات الاقتصادية مطالبين بان يرحموا البلد، ويعودوا الى العمل السياسي كما يجب وكما يجب ان يكون، لكن ان تصل الضغوط الى لقمة عيش الموظف فهنا الخطورة، فهل تصل اليها ام يكون صمام الامان حاكم مصرف لبنان بتأمين هذه الاموال للموظفين بانتظار اعادة الوعي الى رؤوس السياسيين الذين ما يزالون يحاولون عدم عض الاصابع ومن يقول آخ قبل الاخر، المهم ان المواطن يردد هذه الآخ اكثر من مرة في اليوم…. فهل من يسمع؟