Site icon IMLebanon

العراق أولاً ثم سوريا.. ولبنان ينتظر على “حافة الهدوء”

 

 

في الاجتماع الأخير لقادة جيوش دول التحالف في الحرب على «داعش»، الذي انعقد في قطر قبل أيام، سعى بعضهم الى أجوبة عما حقّقته هذه الحرب، وعن سرّ «صموده» في وجه الحرب العالمية المعلنة ضده منذ تسعة أشهر، وعن سرّ تمويله ومصدر تسليحه، وأيضا عن سرّ تقدمه على الأرض، سواء في العراق وسوريا وصولاً الى ليبيا وحتى حدود لبنان، بينما هو يُقصف من الجو؟

بدا من تلك الأسئلة، أن جنرالات العرب، برغم «نياشينهم» المتراكمة بعضها فوق بعض على صدورهم، آخر من يعلم، بل لا يعلمون بالخطوات التالية للتحالف الذي هم أعضاء فيه.

استمع القائد الأميركي للتحالف الى تلك الأسئلة، من دون أن يدوِّنها، لكنه لم يجب عن أي منها، بل ذهب الى استحضار كلام أميركي «مستعمل» وما يزال يتردد منذ بدء غارات التحالف الدولي على «داعش»: سنستمر في الحرب على الإرهابيين وخصوصاً في العراق وسوريا .. قتلنا أكثر من عشرة آلاف إرهابي حتى الآن، ومن بينهم قادة كبار في هذا التنظيم الإرهابي!

اللافت في كلام الجنرال الأميركي أنه لم يستخدم لغة حسم المعركة ضد هذا التنظيم الإرهابي، بل حصر مهمة التحالف في هذه المرحلة برد الفعل على ما يقوم به «داعش» (لا سيما في العراق): «سنمنعه من تحقيق كذا وكذا… سنمنعه من التوسع أكثر. إن حاول الهجوم في هذا المكان أو ذاك فسنصده…»، وإلى ما هنالك من كلام، تيقن من خلاله الحاضرون أن تلك الحرب طويلة جداً، وسقفها أبعد بكثير من مهلة الثلاث سنوات التي حددتها الادارة الاميركية لضرب «داعش».

تلك الأجواء، معطوفة على «معطيات دقيقة» توفرت لمسؤول لبناني كبير، من مراجع أميركية ودولية، تقر بحقيقة الدور الأميركي في الحرب على «داعش»: «لا قرار أميركياً بإنهائه والقضاء عليه.. ويبدو أن ثمة دوراً وظيفيًّا لهذا التنظيم الإرهابي لم ينته بعد، بالتوازي مع أجندة أولويات حددتها واشنطن ويجري تطبيقها كما هي مرسومة، بحذافيرها، على خط النار الممتد من العراق الى سوريا».

«العراق أولاً»، وكل الملفات الأخرى معلقة الى ما بعد إقفال هذا الملف، هذا ما قال المسؤول اللبناني إنه تبلغه من مسؤولين أميركيين، لكن هؤلاء أقروا بأن إقفال هذا الملف، بما يعيد وضع العراق من جديد على طريق «الدولة المعافاة»، وبما ينهي الوضع القائم فيه حالياً، ويقفل ملف «داعش» نهائياً، قد يتطلب وقتاً طويلاً جداً، بالحد الأدنى خمس سنوات.. وأما شرط النجاح الأساسي لهذا الملف، فهو القدرة على فك عقدة سنّة العراق وتحديد دورهم وكيفية إشراكهم في السلطة.. ودون ذلك تبقى الصورة غامضة ومقفلة.

و»سوريا ثانياً»، أي أنها مؤجلة الى ما بعد العراق، وبالتالي من الصعب أن يبدأ حل سياسي في سوريا قبل أن تتضح الصورة في الجانب العراقي.

الأميركيون، كما قيل للمسؤول المذكور، يملكون القدرة على إسقاط النظام السوري، لكنهم لا يريدون ذلك، بل لو أرادوا لفعلوا. هم لا يحبون بشار الأسد، لكنهم لن يقوموا بأي عمل ضاغط لإسقاطه لا من داخل سوريا ولا من خارجها، وهذا طبعاً يزعج حلفاء واشنطن الخليجيين وفي مقدمهم السعودية التي ألحت أكثر من مرة على واشنطن لضرب النظام وإسقاطه.

أولوية الأميركيين سوريّاً، ان تبقى الدولة السورية قائمة، حتى ولو كانت ضعيفة حالياً، وأهم من كل ذلك عدم تكرار خطأ العراق بفرط الجيش الذي ما زالوا يدفعون ثمنه حتى الآن، لذلك الأولوية للحفاظ على الجيش السوري وأن يبقى بناءً كاملاً وجسماً كاملاً متماسكاً، قادراً على حماية ومواكبة أي حل سياسي يمكن الوصول اليه عندما يدق جرس التسوية التي لن تكون مع «داعش» حتماً.

تبعاً لذلك، يستنتج المسؤول اللبناني، أن ما يجري في سوريا في هذه الفترة، ولا سيما سلسلة التراجعات الميدانية التي قام بها الجيش النظامي السوري أمام «داعش» وسائر التكفيريين، لا يندرج في سياق الحسم وكسر المعادلة القائمة في سوريا حالياً وغلبة طرف على آخر.

يلفت المسؤول اللبناني إلى أنه قد يقال إن ما يجري على الارض في الميدان هو محاولة تحسين مواقع وكسب أوراق إلى ان يحين أوان الحل السياسي. ولكن هناك «مايسترو» يدير اللعبة، بهدف إضعاف الأسد وكذلك القوى المعارضة له ومعهم التكفيريون، لبلورة الحل السياسي وفرضه على الجميع في الوقت المناسب. ولن يكون الروسي بعيداً عن هذا الحل، خاصة أنه كان شريكاً للأميركي في «مسرحية» عقد الاجتماعات الفاشلة للمعارضة السورية في موسكو، والتي جلّ ما كان المطلوب منها، هو إظهار أن الحراك ما زال قائماً في هذا الموضوع، على ما نقل عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

ولكن أين العرب من هذا الحل؟

يقول المسؤول اللبناني «لم يفاجئني الاميركيون حينما لمست في كلامهم وفي مقارباتهم للأمور، انهم لا يقيمون وزناً للعرب، ولا يولون أدنى اهتمام، بل يستخفون بموقف ودور وموقع من لا حول له ولا قوة. مشكلة العرب ان هذه الحقيقة ماثلة أمام أعين العالم بأسره، تضاف اليها مجموعة أسباب تعزز تفاقم تلك المشكلة:

اولاً، هم مُستفَزّون حتى العظم من الاتفاق النووي الذي صار على وشك التوقيع النهائي. ايران في نظرهم العدو، ومعركتهم معها مصيرية ووجودية، ولذلك تراهم يتسابقون على التسلّح وعقد الصفقات بمليارات الدولارات مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وغيرهما، والتي جعلت مصانع السلاح الاميركية والغربية تعمل بأعلى طاقتها لإتمام طلبيات العرب. هنا قيل للمسؤول اللبناني ما حرفيته: «كثرة الطلب على نوع معين من الصواريخ، جعل الادارة الاميركية تعتمد صيغة التسليم بالدور، وثمة دول يأتي دورها بعد سنتين من الآن»!

ثانياً، يتخبطون بالعجز عن احتواء العراق، وإحداث التغيير وإسقاط بشار الأسد في سوريا، وبعضهم مربك وقلق من التقدم الذي يحققه «حزب الله» في القلمون وجرود عرسال.

ثالثاً، دخلوا عصر الجاهلية من جديد، وبعض الدول العربية الكبرى، لا تؤمن بلغة الأرقام والأدلة والوقائع، بل بالمنطق الثأري. كما تؤمن برعاية وتمويل فكر ظلامي بات يهدد الجميع أنظمة ودولاً.

رابعاً، لا يحسنون أبداً تجنب السقوط في الفِخاخ الخطيرة، وها هي السعودية عالقة للشهر الثالث على التوالي في الفخ اليمني.

في نقاشاته مع الأميركيين، قال المسؤول اللبناني إن اليمن حفرة عميقة يشهد التاريخ على أن من قاربها أو يقاربها يسقط فيها، وما حصل قديماً مع مصر وكذلك مع السعودية مثال. والآن يبدو أن المملكة النفطية قد قررت أن تُلدَغَ من الجحر اليمني مرة ثانية.

إلا أن محدثه الأميركي قدم مقاربة لافتة للانتباه، وقال: «حرب اليمن مفتوحة، وقد تمتد طويلا، ولا إمكانية للحسم فيها، كما لا إمكانية أبداً لإطلاق حرب بريّة عليها، وإن تمت، وهذا مستبعد، فستكون شديدة الكلفة اولا، ولن تحقق المراد منها ثانياً. لذلك يبقى الرهان في النهاية على الحل السياسي لكنه صعب جداً..».

ثم ختم المحدِّث الأميركي مقاربته بملاحظة بالغة الدلالة قائلاً: «لا أفهم كيف يمكن لدولة ان تدخل حرباً من دون ان تملك خطة خروج منها وبأقل الخسائر الممكنة؟». وربطاً بذلك، يكشف المسؤول اللبناني انه وقف على تقرير رسمي دقيق، يتحدث عن حالات فرار كبيرة جداً في السعودية، ولا سيما على الحدود مع اليمن.

أين لبنان في هذا المشهد؟

يجزم المسؤول اللبناني الكبير بأن «الحل في لبنان مؤجل الى ما بعد سوريا، المؤجلة بدورها الى ما بعد العراق»، وحتى ذلك الحين يبقى لبنان في عنق الزجاجة، أو بتوصيف أدق، على الحافة، سياسياً واقتصادياً، ممنوع أن يتراجع عنها، وممنوع أن يسقط فيها. وأما أمنياً، فأحد القادة الأمنيين يقول «أنا أدق على الخشب.. قياساً على ما يجري من حول لبنان، وعلى حدوده، فالوضع الأمني ممتاز، وممسوك، وقد يكون أحسن وأفضل أماناً من كثير من بعض دول أوروبا، والجيش ومعه الأجهزة الأمنية ساهرة على الأمن، وتحقق إنجازات. ولنقارن كيف كان الوضع قبل أشهر من الآن».

يقول المسؤول اللبناني إنه سمع صراحة من محدثيه الاميركيين والغربيين «ممنوع أن ينفجر لبنان»، وهنا ثمة تمنيات أُبلغت الى قيادات سياسية باعتماد خطاب سياسي هادئ، وكذلك تمنيات على قيادات عسكرية بالمحافظة على الجيش والقوى الأمنية، حماية الحدود، حماية الدولة والنظام، وعدم السماح بأي خلل أمني.

وأما لماذا يريدون لبنان على «حافة الهدوء والاستقرار»، فلأنهم، كما يقول المسؤول المذكور، يخشون من جهة من ان انفجاره قد يؤدي الى إفلاته من أيديهم وإمساك «حزب الله» به. وربما لأنهم، من جهة ثانية، يفكرون أمام هذا الصعود المذهبي والطائفي في المنطقة، بـ «لبننة المنطقة»، عبر إبقاء لبنان نموذجاً صالحاً لإقامة أنظمة وصيغ حكم شبيهة بالنظام اللبناني من حيث توزيع الرئاسات والصلاحيات والمواقع على المكونات الطائفية بحسب أحجامها في دول المنطقة.