إيفا الشوفي
صحيحٌ أنّ أزمة اللجوء السوري تمثّل أكبر أزمة للاجئين في العالم، لكنها ليست الوحيدة، بل على العكس هي جزء من أزمة عالمية، إذ وصل عدد الذين هُجّروا من ديارهم قسراً عام 2013 الى 50 مليون شخص، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
بلغ عدد اللاجئين السوريين 4 ملايين شخص يتوزعون على الدول المجاورة لسوريا، أمّا في أفريقيا فثمة نحو 3 ملايين لاجئ نتيجة القتال في جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وفي جنوب شرق آسيا يحاول الكثيرون عبور مياه خليج البنغال بطرق غير شرعية هرباً من اضطهاد الدولة لهم في ميانمار، أمّا البحر الأبيض المتوسط فقد اكتسب بجدارة لقب أخطر المسالك البحرية بعدما قضى العام الماضي 3500 شخص و1865 شخصاً العام الحالي، وقد سجّل السوريون العدد الأكبر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014، من الذين حاولوا عبور البحر المتوسط بالقوارب للوصول الى جنوب أوروبا.
يعرض تقرير منظمة العفو الدولية الصادر أمس تحت عنوان «أزمة اللاجئين العالمية: مؤامرة الإهمال»، المعاناة التي يعيشها ملايين اللاجئين من لبنان الى كينيا ومن جزر الاندمان الى البحر الابيض المتوسط، ويخلص إلى نتيجة واضحة: «إنّ قادة العالم قد حكموا على ملايين اللاجئين بالبقاء أسرى لحياة لا تطاق، وألقوا بالآلاف منهم إلى الهلاك جراء تقاعسهم عن توفير الحماية الإنسانية الضرورية لهم».
قوام «مؤامرة الإهمال» التي انتهجها العالم ضد اللاجئين يرتكز على أمرين أساسيين هما: أولاً، تقاعس المجتمع الدولي عن الاستجابة لأزمات اللجوء عبر التهرّب من إعادة توطين اللاجئين وعدم تقديم التمويل اللازم لدعم الدول المضيفة؛ إذ إنّ المناشدة الإنسانية من أجل السوريين لم تحظََ سوى بـ23% من التمويل اللازم، ولم يتم توطين سوى 2.2% من اللاجئين. كذلك، فإنّ خطة الاستجابة للاجئين في جنوب السودان لم تفِ إلا بـ11% فقط من التمويل المطلوب. وثانياً، قرار الحكومات بترك اللاجئين يقضون غرقاً في البحر. فحتى 31 أيار 2015، لقي 1865 شخصاً حتفهم في البحر المتوسط مقارنة بـ425 شخصاً في الفترة نفسها من عام 2014، إذ «ألغت إيطاليا بضغط من دول الاتحاد الأوروبي عملية الإنقاذ البحرية المعروفة باسم «بحرنا» وحلت محلها عملية «ترايتون» ذات الطابع المحدود جداً، إذ لم يكن لديها تفويض واسع ومناسب للقيام بمهمات البحث والإنقاذ»، ما أدى الى زيادة مأساوية في عدد القتلى. أمّا في جنوب شرق آسيا، فقد «شهد العالم في أيار 2015 مشاهد مروّعة عندما ردّت تايلند وماليزيا وإندونيسيا قوارب الصيد المكتظة باللاجئين والمهاجرين من ميانمار وبنغلادش الى عرض البحر. وتُرك الأطفال والنساء والرجال البائسون بلا طعام أو ماء أو عناية طبية لمدة أسبوع». وبذلك، وفق التقرير، فقد فضحت أزمة البحر المتوسط وجنوب شرق آسيا استعداد الحكومات لتجاهل الالتزامات القانونية والدوافع الانسانية.
وفي تقرير مخصص لأزمة اللجوء السوري في لبنان بعنوان «مدفوعون الى الحافة: اللاجئون السوريون يواجهون قيوداً متزايدة في لبنان»، وثّقت المنظمة كيف أدّت التدابير التي استحدثتها السلطات اللبنانية الى تقييد إمكانية حصول اللاجئين على الحماية، مؤكدةً أنّ «مسؤولية حماية اللاجئين لا تقع على لبنان وحده، إذ تقاعس المجتمع الدولي بشكل فاضح عن التعامل مع الأزمة كما ينبغي». فقد موّل المجتمع الدولي 18% فقط من حجم النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة للبنان، كما لم توفر البلدان من خارج المنطقة سوى 4500 فرصة لإعادة التوطين.
تعترف المنظمة بأنّ هذا التقاعس دفع الدول المضيفة، ومن بينها لبنان، الى اتخاذ تدابير مقلقة تتضمن منع دخول اللاجئين، لكنها تستطرد أنه «لا يجوز للبنان التذرع بتقاعس المجتمع الدولي لتبرير هذه التدابير». فهل ستمارس المنظمة ضغطاً فعالاً على المجتمع الدولي من أجل القيام بواجبه في دعم قضية اللاجئين أم أن ضغطها سيقتصر على الدول «الأضعف» من أجل إلغاء التدابير من دون أي ضمانات من قبل المجتمع الدولي على توفير الدعم الكامل؟