رأت صحيفة “السفير” أنه في محاولة جديدة لخلط الأوراق في الشمال السوري، الذي يشهد صراعات على مستويات مختلفة، شنت فصائل “جهادية” وأخرى “متشددة” هجمات صاروخية عنيفة، طالت معظم الأحياء الخاضعة لسيطرة الحكومة في الجزء الجنوبي الغربي من حلب، فيما كانت “جبهة النصرة” تنفذ انتشاراً في مناطق قريبة من خطوط التماس مع الجيش السوري، كمقدمة لاستلام دفة المعركة بعد فشل المجموعات الاخرى في اقتحام المدينة.
وانهال أكثر من 300 صاروخ وقذيفة على سكان المدينة، ما تسبب بمقتل 42 مدنياً، إضافة إلى إصابة نحو 200، الأمر الذي يجعل أمس الأول الأكثر دموية في تاريخ حلب منذ اندلاع الأحداث قبل نحو 5 أعوام.
وأوضح مصدر معارض، لـ”السفير”، أن الفصائل المسلحة بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر العمل على توحيد صفوفها ضمن “غرفة عمليات واحدة” بهدف اقتحام المدينة، عُرفت باسم “غرفة عمليات فتح حلب”، حيث بدأت الدول الداعمة للفصائل، وعلى رأسها تركيا وقطر والسعودية، بإرسال الأسلحة والاستعداد لـ”فتح المدينة”، وفق مخطط كبير يمتد من إدلب وصولاً إلى حلب، حيث بدأ العمل فعلياً في إدلب، لتتسلم “جبهة النصرة” دفة القيادة، الأمر الذي تسبب بضغوط دولية على الدول الداعمة لهذه الفصائل، ما أدى في النهاية إلى استبعاد “جبهة النصرة”، القوة الضاربة بين هذه الفصائل.
وأضاف المصدر: “استبعاد “النصرة” أحبط المخطط الذي كان معداً لحلب، فتلقت الفصائل المسلحة أوامر بتثبيت مواقعها والانتظار، وهو ما بات يعرف في أروقة الفصائل بـ”فشل الفتح”، لتخرج عدة منابر إعلامية ومصادر متابعة لملف الشمال السوري وتنعى “المعركة” قبل بدايتها، فما الذي تغير؟.
المصدر المعارض أشار إلى أن أوامر عاجلة تلقتها الفصائل المنضوية في “غرفة عمليات فتح حلب” بقصف أحياء المدينة بعنف، حيث استعملت في عمليات القصف راجمة صواريخ تركية الصنع كانت وصلت إلى “لواء شهداء بدر” الذي يتركز في حي بني زيد، خلال الاستعداد لـ”معركة فتح حلب”، وهو ما يفسر الكثافة النارية على المحاور المتصلة بالحي الواقع شمال المدينة.
ومع تلقي الأوامر بقصف أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة، تحركت فصائل تابعة إلى “جبهة النصرة” إلى مقربة من نقاط التماس مع قوات الجيش السوري، على محوري بني زيد والراشدين، وتركزت في الخطوط الخلفية للفصائل الموجودة على هذه المحاور.
بعض الفصائل الموجودة على خطوط التماس، اعتبرت أمر قصف المدينة أمراً ببدء الاقتحام، فشنت “غرفة عمليات فتح حلب” بعض الهجمات العنيفة على محور الراشدين غرب المدينة، ومحوري بني زيد والليرمون، في محاولة لاختراق المدينة، حيث استعملت في معارك الراشدين صواريخ “تاو” أميركية الصنع، استهدفت بعض آليات الجيش السوري، لتحقق هذه الفصائل “تقدماً يقاس بالأمتار على هذا المحور”، وفق تعبير مصدر عسكري، قبل أن تمتص قوات الجيش هذا الهجوم وتتصدى له.
المصدر المعارض الذي أكد عدم إمكانية اقتحام حلب من دون مشاركة جبهة النصرة، التي تمتلك السلاح الأكثر فتكاً وهو الانتحاريون، أوضح أن قصف المدينة جاء لجس نبض ردة فعل الجيش من جهة، ولتوجيه رسائل للمبعوث الدولي الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا الذي يزور دمشق في الوقت الحالي، حيث أجرى عدة لقاءات مع ديبلوماسيين سوريين، قبل أن يلتقي الرئيس بشار الأسد، تعتبر استمراراً للرسائل السابقة التي أرسلتها هذه الفصائل للمبعوث الدولي، والتي رفضت خلالها مساعيه السابقة التي كانت تتعلق بتجميد القتال في حلب قبل أن يبدأ العمل على التحضير للقاء جنيف الثالث حول سوريا.
وعن سبب وجود “جبهة النصرة” قرب مواقع الاشتباكات، أشار المصدر إلى أن النصرة استقدمت ألف مقاتل من مناطق إدلب إلى حلب، ويبدو أنها تنتظر فشل الفصائل في عملياتها لتدخل على الخط، في محاولة لفرض وجودها بالقوة.
ومن اللافت في الهجمات التي تعرضت لها حلب عدم ترافقها مع حملة إعلامية ضخمة تستهدف المدينة، وهو ما كانت قد بدأت به “غرفة عمليات فتح حلب” والدول الداعمة لها أخيرا قبل توقفها، إضافة إلى عدم نشر “غرفة العمليات” أي أخبار تتعلق بالهجمات الأخيرة، عبر حساباتها على موقعي “تويتر” و”فايسبوك” التي أنشئت بهدف تغطية أحداث فتح المدينة، الأمر الذي يشير إلى أن أمر القصف جاء على عجالة، ويقتصر في الوقت الحالي على استهداف المدينة، وخوض بعض المعارك الجانبية على المحاور المشتعلة أصلاً.
من جهته، أكد مصدر عسكري أن قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره تصدت للهجمات واستوعبت الموقف، موضحاً أن سلاح الجو كثف غاراته على مواقع إطلاق القذائف نحو المدينة، وتمكن من تدمير عدة قواعد، في وقت كثفت فيه المدفعية تمشيطها لمناطق التماس مع الفصائل المسلحة، الأمر الذي ساهم بإيقاف الهجوم على عدة محاور.
وفي السياق ذاته، أشار المصدر العسكري إلى أن الجيش السوري كثف وجود قواته على نقاط التماس، وأرسل تعزيزات إلى مختلف المحاور، كما قامت الفصائل المؤازرة له (دفاع وطني، “كتائب البعث”، دفاع محلي، “لواء القدس”) بتعزيز قواتها على محاور التماس لاستيعاب أية هجمات مباغتة قد تحصل مستقبلاً.