أعلنت وزارة المالية الجزائرية، أنه ستتم مراجعة النفقات الاجتماعية التي كانت تتكفل بها الدولة وكذلك نظام الدعم، ليقتصر فقط على الفئات التي تحتاجه فعليا، وذلك في إطار اجراءات يلجأ إليها النظام لأول مرّة مدفوعا باشتداد أزمته المالية وانحسار خيارات معالجة الأزمة.
وكشف وزير المالية عبدالرحمن بن خالفة، أن قانون المالية التكميلي سيتضمن تفاصيل إجراءات التقشف، وأن الدولة ستتوقف عن ضخّ ملايين الدولارات لتمويل الصناديق الخاصة بالجبهة الاجتماعية.
وقد تشمل تلك الإجراءات صندوق التأمين على البطالة، الذي أنشأه النظام لشراء السلم الاجتماعي.
ونقلت صحف محلية عن بن خالفة قوله إن “الإنفاق من المال العام للقطاع الاجتماعي سيتم ضبطه بكثير من النجاعة دون المساس بدعم المواد الأساسية” في إشارة صريحة لتقليص الدعم والعدول عن تمويل المشاريع الاجتماعية.
وأعلن الوزير أنه سيتم استحداث بنوك أعمال ومصارف خاصة لتمويل المشاريع الاستثمارية في الفترة القادمة. وأكد أن الدولة لن تتكفل مجددا بتمويل المشاريع مثلما كانت في السابق، في ظلّ انخفاض إيرادات النفط التي تشكل نحو 98 بالمئة من إجمالي ايرادات الدولة.
وأضاف أنه ستتم دراسة الوضع مع كافة الشركاء الاجتماعيين للخروج بالنتائج اللازمة، كما تحدث عن إلغاء تمويل الاستثمارات عبر الإنفاق العام في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الجزائر.
واعتبر بن خالفة أن أفضل مرحلة مرّت بها الجزائر كانت بين 1999 و2004، حيث أمكن للدولة بفضل إيراداتها النفطية العالية، ضخّ استثمارات هامة واستحداث عدد كبير من المؤسسات، لكن الوضع الحالي يختلف كثيرا عن تلك الفترة.
وتعكس تصريحات وزير المالية اشتداد أزمة النظام الاقتصادية والمالية، والتي أجبرته على ضرب آخر خطوطه الدفاعية بتقليص الدعم ووقف تمويل البرامج الاجتماعية التي رسّخها ضمن سياسة شراء الولاءات وتهدئة الجبهة الاجتماعية.
لكن بن خالفة الذي أقرّ بخطورة الأزمة المالية لم يحدّد ما إذا كان تقليص الدعم سيشمل السلع الغذائية أم لا.
واعتبر أن المؤسسات الصناعية وشركات البناء، قادرة على مواجهة الضغوط الحالية، وامتصاص تداعيات انخفاض أسعار النفط على موازنة الدولة.
لكن خبراء اقتصاد جزائريين، استبعدوا تماما أن تنجح تلك القطاعات في سدّ الفجوات المالية التي خلفتها اضطرابات أسعار النفط، لأنها قطاعات تبدو هشّة، فيما اعتمد الاقتصاد الجزائري لعقود على النفط والغاز كمصدر أساسي للدخل، بينما أهملت الحكومات المتعاقبة تنويع مصادر الدخل.
وانخفضت إيرادات الخزينة بنحو 43 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري بسبب انخفاض أسعار النفط، ما أدى الى تفاقم العجز في الميزان التجاري.
وتأتي تصريحات وزير المالية بعد أيام قليلة من إعلان مصادر برلمانية، أن قانون المالية التكميلي لن يناقش في البرلمان نظرا لضيق الوقت وأنه سيمرّر بأمر رئاسي، مضيفة أن رئيس الدولـــة يملك تلك الصلاحيـة.
وتوقع برابح زبار رئيس لجنة المالية والميزانية في البرلمان، تمرير قانون المالية التكميلي لسنة 2015 بأمر رئاسي، ما يلغي مناقشته على مستوى البرلمان، بسبب ضيق الوقت.
وتعتبر تصريحات وزير المالية أحدث تصريحات رسمية، في سياق تسريبات سابقة أطلقت على ما يبدو، لجسّ نبض الشارع الجزائري وردّة فعله المحتملة.
وكانت التسريبات السابقة، قد أشارت إلى أن الحكومة تعكف على دراسة مشروع لتقليص دعم الوقود، وأن تنفيذ الإجراء قد يدخل حيّز التنفيذ بداية العام القادم.
ويقضي المشروع الذي تدرسه الحكومة بمضاعفة أسعار الوقود حين يتجاوز استهلاك الفرد من أصحاب السيارات كميّة معيّنة في الشهر يجري تحديدها ضمن بطاقة الكترونية. ويعني ذلك أن دعم الدولة للوقود سيكون فقط للكمية المحددة شهريا، وما يزيد عنها، يرتفع سعره بنحو الضعف عن الأسعار المدعومة.
وكانت صحف محلية، قد أكدت في وقت سابق من الشهر الجاري نقلا عن مسؤولين بالحكومة، أن وزارتي الطاقة والمالية بدأتا فعلا في إعداد مشروع لتقليص دعم الطاقة.
وأشارت إلى أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أعطى أوامر للحكومة بالعمل على إيجاد حلول عملية قابلة للتطبيق من أجل ترشيد استهلاك الطاقة.
وكانت الحكومة قد أقرّت صراحة بأن البلاد مقبلة على أزمة مالية حادّة، وألمحت فقط إلى أنها قد تضطرّ لاتخاذ إجراءات تقشف قاسية، في وقت حاول فيه رئيس الوزراء عبدالمالك سلال الأسبوع الماضي طمأنة الجزائريين.
وقال حينها إن الحكومة لن تراجع سياستها الاجتماعية وستواصل العمل بمنظومة الدعم الحالية للسلع الغذائية الأساسية والمياه والكهرباء والوقود.
ويبدو أن الهبوط الحاد في أسعار النفط منذ يونيو 2014، خلط أوراق النظام، وأربك مشاريعه المالية بما فيها تلك المخصصة لشراء السلم الاجتماعي، والتي أقرّها الحزب الحاكم منذ عقود لتثبيت حكمه واحتواء التوترات الاجتماعية.
وكان النظام، قد جمّد التوظيف في القطاع العام وعلّق إنجاز العديد من المشاريع في مرحلة أولى، فيما يتجه حاليا إلى تقليص الدعم والتوقف عن تمويل البرامج الاجتماعية.
ويعتقد مراقبون، بناء على شواهد سابقة، أن المساس بمنظومة الدعم في الجزائر، قد يفجر الاحتجاجات المشتعلة أصلا، في ظل حالة غليان قائمة بسبب تردي الخدمات الاجتماعية والصحية وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة.