Site icon IMLebanon

العمالة التونسية تتجاهل جحيم ليبيا


تشهد العلاقات التونسية الليبية في الأيام الأخيرة حالة من التوتر على إثر قيام مجموعات مسلحة بخطف 10 أفراد من طاقم القنصلية التونسية في طرابلس. وتتواتر في المدة الأخيرة أخبار خطف تونسيين في العديد من المدن الليبية حيث سبق أن احتجزت مجموعات مسلحة 170 تونسياً يعملون على الأراضي الليبية، وأقدمت نهاية الأسبوع الماضي مجموعات مجهولة على احتجاز ما يزيد عن الخمسين شخصاً من العمالة التونسية. ورغم تحذيرات وزارة الخارجية التونسية لرعاياها في ليبيا، تواصل العديد من الشركات التونسية والعمال علاقاتهم الاقتصادية مع الجارة الجنوبية بشكل عادي لا يحمل أية استثناءات عن الأشهر الماضية، ما يعكس أهمية ليبيا كملجأ لآلاف العاطلين من العمل في دولة قامت ثورتها في ديسمبر/كانون الأول 2010 بدافع من بطالة الشباب. وتقدر العمالة التونسية في ليبيا بنحو 120 ألف شخص، يعمل عدد كبير منهم في شركات المقاولات والتجارة البينية وقطاع الخدمات والصحة والإعلام.
وقال مصدر مسؤول في السفارة الليبية بتونس، إن عدد العمالة التونسية في ليبيا غير مستقر ويتأثر عادة بالوضع الأمني، فغالبا ما يعود التونسيون إلى ليبيا إثر تحسن الأوضاع الأمنية في المحافظات التي يعملون فيها. وأضاف المصدر في تصريح لـ “العربي الجديد”، أن عدد التونسيين العاملين في ليبيا حاليا يراوح بين 80 ألف عامل و120 ألفاً يعيش جلهم في المنطقة الغربية، وهي محافظات مستقرة أمنيا. وشهدت تونس في فترات مختلفة على مدى السنوات الأربع الماضية عودة أفواج من التونسيين الفارّين من الجحيم الليبي، كما أصبح العديد من التجار الذين يعيشون على تجارة المواد المهربة على الحدود يخشون دخول الأراضي الليبية معتبرين أن الطرقات لم تعد آمنة. ويتعرض العديد من التجار إلى الاحتجاز أو سرقة أموالهم، وهو ما جعل الشركات التونسية العاملة في ليبيا تجد صعوبة في إقناعهم بالعمل على الأراضي لليبية رغم الامتيازات المالية التي تمنحها هذه الشركات. وتواجه الحكومة التونسية صعوبات كبيرة في تشغيل التونسيين العائدين من ليبيا خاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة التي بلغت أكثر من 600 ألف عاطل من العمل حسب آخر الأرقام الرسمية التي كشفها المعهد الوطني للإحصاء. وقامت السلطات التونسية بتخصيص مساعدة مالية للتونسيين الذين فقدوا عملهم في ليبيا وذلك في حدود 400 دينار أي نحو 210 دولارات للعاطلين من غير المتزوجين، و600 دينار، ما يعادل الـ 320 دولارا، لأرباب العائلات. وتحصلت تونس على مساعدات من الحكومة الفرنسية بقيمة 800 ألف دينار أي ما يعادل الـ 420 ألف دولار تمّ منحها في شكل قروض صغرى لصالح 450 تونسيا من العائدين من ليبيا.
وتهدف هذه القروض إلى تيسير إعادة توطين العائدين من ليبيا من خلال بعث مؤسسات وشركات صغيرة أو مشاريع في الميادين التي يتمتعون فيها بخبرة سابقة. وكشفت دراسة أجرتها المنظمة الدولية للهجرة والبنك الأفريقي للتنمية، أن حوالي 70% من العمال التونسيين الذين غادروا ليبيا بعد الثورة يريدون العودة إلى هناك، كما أن العديد من الذين اختاروا الرجوع إلى ليبيا تمكنوا من استعادة أعمالهم السابقة. وأوضحت الدراسة ذاتها، أن أغلب العائدين من ليبيا هم من الذكور المتزوجين ذوي المستويات التعليمية والمهارات المهنية المتدنية. وتوفر السوق الليبية حلا جيّدا للباحثين عن العمل عبر الحدود، كما توفر سوق العمل في ليبيا إمكانات كبيرة جدا في التشغيل على المستويين الكمي والنوعي، وتبقى هذه السوق مفتوحة بشكل كبير أمام الكفاءات التونسية. وتعول تونس على سوق العمل في ليبيا لخفض معدلات البطالة عوض سلوك طريق الهجرة غير القانونية إلى إيطاليا. ويؤكد رئيس الغرفة التجارية التونسية الليبية علي الذوادي أن الأزمة في ليبيا أثرت سلبا في الاقتصاد التونسي، إذ أدت إلى تراجعه بنسبة 0,4 بالمائة، وهو ما يعكس العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، خاصة وأنّ ليبيا تعدّ ثاني شريك اقتصادي لتونس بعد الاتحاد الأوروبي.
ويعود ذلك إلى تراجع الصادرات التونسية إلى ليبيا (باستثناء المواد الفلاحية والغذائية) والانخفاض الحادّ في التحويلات المالية بسبب عودة المهاجرين التونسيين. وقال علي الذوادي في تصريح لـ “العربي الجديد”، إن التراجع المسجّل في التبادل التجاري بين البلدين قد يتجاوز الـ 150 مليون دولار شهرياً، مشيرا إلى أن قطاعات السياحة والصناعة والصحة تعد من القطاعات الأكثر تضرراً. وأضاف الذوادي، أن تدهور الوضع الأمني في ليبيا، أثر بشكل كبير على مئات الشركات التونسية، لافتا إلى أن المؤسسات الاقتصادية التي تتعامل مع السوق الليبية تبلغ حوالي 1300 شركة. وأشار المصدر ذاته إلى أن الاقتصاد التونسي متضرر بشكل كبير من عدم الاستقرار في ليبيا، وغياب إدارة قادرة على تسيير المبادلات التجارية. وذكر أن إغلاق الموانئ والمطارات وتدميرها بصفة تكاد تكون كلية، قلّص بشكل كبير التجارة والمبادلات الرسمية بين البلدين لصالح التهريب الذي بقي يشكل الخط الناشط من الجهتين، معتبرا أن نشاط التهريب يمثل خطرا كبيرا على سلامة التونسيين العاملين في هذا النشاط وذلك في ظل فوضى السلاح التي تعيشها الجارة الجنوبية. وحسب الأرقام الرسمية لوزارة التجارة، تراجعت المبادلات التجارية الثنائية بين تونس وليبيا بأكثر من 75% نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من مائة مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية. كما قامت أكثر من ألف شركة بإعادة برامجها التصديرية والإنتاجية، التي كانت موجّهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية. ويبلغ عدد المغتربين التونسيين حاليا أكثر من 2.1 مليون شخص، ويقيم نحو 82% في الدول الأوروبية، و14.5% في الدول العربية.