IMLebanon

«عملية قيصرية» لإنقاذ المصارف الأوروبية

euro3
بروفسور غريتا صعب

ما زالت مشكلات اليونان مع دائنيها تهيمن على العناوين الاقتصادية ولا سيما أنّ الاتفاق على الاصلاحات وعلى ما يبدو لا يزال بعيد المنال بالنسبة للطرفين. وقد يكون الوضع قد تفاقم الخميس الفائت عندما تركت بعثة صندوق الدولي المحادثات في بروكسل بسبب خلافات مع أثينا حول كيفية إنقاذ البلاد من الافلاس.

استناداً الى ما أعلنه الناطق باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، هناك خلافات في معظم المجالات الرئيسة ولم يحدث أيّ تقدّم يُذكر في تضييق هذه الفوارق أخيراً، وأهم هذه الخلافات ما زالت المعاشات والضرائب والتمويل.

وللعلم فإنّ اليونان في حاجة الى مساعدة قبل نهاية الشهر الحالي وإلّا فإنها لن تستطيع دفع استحقاقاتها لصندوق النقد الدولي والبالغة ١،٦ مليار يورو وقد يؤدي ذلك الى ما يسمّى capital control ما يدفع اليونان خارج منطقة اليورو ويؤدي الى عواقب لا يمكن التنبّؤ بها بالنسبة للاسواق المالية عموماً وللاقتصاد الاوروبي خصوصاً.

ولم يأتِ إشراك صندوق النقد الدولي في عملية انقاذ اليونان من التضخم من الغيم انما البرلمانات في المانيا وغيرها من دول منطقة اليورو اشترطت تدخل الصندوق كشرط مسبق للموافقة على ايّ مساعدة لأثينا.

وللعلم تدخّل صندوق النقد الدولي في العام ٢٠١٠ لانقاذ اليونان بناءً على طلب من المانيا هذا مع العلم انّ وضع الصندوق لم يكن مريحاً لا سيما من ناحية إصراره على بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية والاصلاحات التي عقدت او حتى في اتفاقات تمويل أثينا.

لذلك قد يكون الوضع حالياً معقداً هذا مع العلم انّ انسحاب صندوق النقد الدولي من المفوضات لا يعني بالتحديد انهيار هذه المفاوضات إذ إنه سبق وحدث ذلك في محادثات سابقة بين الصندوق وبعض الاطراف المستدينة وعادت المفاوضات لتتم.

إنما وعلى ما يبدو الامر هنا وحسب rice يتطلب مزيداً من الاموال لتغطية الفجوات في الميزانية وتخفيف الديون من قبل الحكومات الاوروبية. لكنّ الجدير ذكره هو انّ هذا الانسحاب يزيد من حدة التوترات بين كلا الجانبين.

هذه التعقيدات لا تعني بالتحديد أنّ الطريق مسدود لإنقاذ المحادثات انما تعني انّ صندوق النقد الدولي وبمساعية الاخيرة حاول التاثير في اليونان وإظهار عمق المخاطر في حال لم تلتزم الحكومة اليونانية في عملية الاصلاح الذي وضع خطوطها الرئيسة صندوق النقد الدولي وبات محاوراً استراتيجياً بناءً على طلب الدول الاوروبية.

لذلك تُعتبر المرحلة الحالية دقيقة جداً إذ إنّ اليونان لا يمكن أن تدفع فواتيرها وديونها و تحتاج الى دعم مالي رسمي من صندوق النقد الدولي ومن الدائنين في منطقة اليورو وقد تكون الحلول الأقرب في الوضع الحالي هي إعادة هيكلية الدين و تمديد آجال القروض وربما الاعفاء من بعضها. وهذا السيناريو ما زال اليونانيون يراهنون عليه علماً أنه ولغاية الآن يبدو بعيد المنال. لذلك من المهم فهم علاقة القوى المتصارعة سياسياً واقتصادياً.

فمن جانب هنالك اوروبا برئاسة المانيا والعديد من الدول التابعة وعلى الجانب الآخر هنالك حكومة يونانية غير مستقلة مالياً ولا يمكنها إصدار عملتها الخاصة إلّا بموجب القواعد المفروضة في منطقة اليورو وتعتمد بصورة كلية على الاموال من البنك المركزي الاوروبي وقد تكون عرضة لعمليات انتقامية قاسية في حال تخلّفت عن سداد ديونها، ومن الناحية الاقتصادية ايضاً هنالك المصارف الاوروبية المسيطرة على المالية ويهيمن على هذه الوضعية برلين وبمقدورها ايقاف تشغيل نظام المالية اليونانية في أيّ وقت وسحب الاموال من مصارفها.

وحكومة syriza يجب أن تاخذ هذه الامور على محمل الجد والسينورهات الاخرى مثل إصدار الدراخما اليوناني مجدداً ومغادرة منطقة اليورو تبقى احتمالات خطيرة وعواقبها غير دقيقة سواءٌ بالنسبة لـ syriza وحكومته او بالنسبة للمصارف الاوروبية والاميركية على حدٍّ سواء إذا هم ولا شك يخشون هذه الافتراضية التي حدثت شبيهتها في العام ٢٠٠٨ عندما سقط او بالاحرى سمحوا بسقوط لميان برازرز وهذا ما تخشاه المصارف في برلين وباريس وبروكسل وواشنطن.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وتسعى بروكسل وواشنطن وصندوق النقد الدولي الى ايجاد الحلول له هو إنقاذ المصارف من أيّ احتمال افلاس لليونان، إذ إن الأزمة العالمية بالفعل قائمة خصوصاً إذا ما أفلست الحكومة اليونانية والتي باتت مديونة بمليارات اليورو الى المصارف الخاصة والعامة وحملة الاسهم.

ومن أجل حماية المصارف وحملة الأسهم هذه بدأت الترويكا محاولة إنقاذ اليونان من ازمتها مقابل فرض عملية تقشّف دامت خمس سنوات ولم تزل ولم تأتِ ولغايته بأيّ إيجابية تُذكر من تخفيف نسب البطالة أو زيادة النموّ وتخفيف الديون ما يعني انه ولغايته كانت هذه المحاولات حقاً لمساعدة المصارف وليس الشعب اليوناني وعلى سبيل المثال بين العامين ٢٠١٠ و٢٠١٢ دفعت الحكومة اليونانية ما يقارب ٢٣ دفعة الى الترويكا تجاوزت قيمتها ٢٠٦،٩ مليار يورو- ٧٧ بالمئة من هذه الاموال كانت من حصة القطاع المالي؛ لذلك وفي المطلق ومن دون أيّ استنتاج متحيّز يبقى القول إنّ الحكومة اليونانية دفعت من اموال الضرائب وأجور العمال والخصخصة في المرافق العامة للمصارف الأوروبية كي لا تنهار.

لذلك لا يمكن التغاضي عن هذه المواجهة بين اثينا ودائنيها التي استحوذت على العنوان الرئيس في قمة مجموعة السبع الذين بحثوا بعض السبل في إنقاذ اليونان آملين أن يتحقق ذلك بلا التسبّب بتقلبات في الاسواق المالية العالمية وخوفًا من أيّ تداعيات على الاقتصاد العالمي في حال عجزت اليونان عن سداد ديونها-

أمّا ما يلوح في الافق القريب فهو استحقاق صندوق النقد الدولي والذي أخّرته اليونان حتى آخر شهر حزيران كذلك ١،٧ مليار يورو معاشات مستحقة علماً أنّ الحكومة اليونانية قالت إنها ستدفع هذه الاستحقاقات قبل أن تسدّد المبالغ المترتبة عليها الى صندوق النقد الدولي. وعلى ما يبدو الامور معقّدة أكثر وأكثر واليونان غير قادرة على مواجهة استحقاقاتها وسداد ديونها سواءٌ لاوروبا او لصندوق النقد الدولي.

وإذا كانت اميركا في العام ٢٠٠٨ ابقت سياسة too big to fail مع مؤسساتها الكبرى فعلى اوروبا أن تتّعظ ولو لمرة من خبرة أميركا هذه خصوصاً وأنّ المؤشرات الاقتصادية اليونانية غير مطَمئِنة ومنعاً لانتشار الأزمات الاقتصادية والمالية في منطقة اليورو وعلى الصعيد العالمي.