حين فتح رامي صباغ باب شركة سبوتيفاي، دخل بثقة كبيرة كأي من الموظفين الثلاثينيين العاملين في قطاع التكنولوجيا المتطورة، ولو ان ثلاثين شهرا بالكاد مرت على فراره من دمشق بعدما بات ملاحقا من النظام لمساعدته ضحايا عمليات قصف في ريف العاصمة السورية.
لجأ رامي صباغ كعشرات الاف السوريين الى السويد حيث تمكن مثل بعض مواطنيه الاخرين من العثور بسرعة على وظيفة بالرغم من سوق عمل غير منفتحة كثيرا على الاجانب.
ويقول هذا المحلل المالي البالغ من العمر 31 عاما مستذكرا التحول الذي طرأ على حياته منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 “لم يخطر لي قبل اربع سنوات انني قد اجد نفسي هنا في السويد”.
ويروي “كانت حياتي المهنية تسير بشكل جيد، وتمت ترقيتي للتو، كان لدي شقة وسيارة وعائلة وحياة… لكن بعض الامور ترغمك على ترك كل شيء خلفك والمضي قدما لمحاولة بدء حياة جديدة”.
وفي كانون الاول/ديسمبر 2012 وصل الى مالمو في اقصى جنوب السويد غير ان سلطات الهجرة وضعته في قرية على مسافة 1200 كلم الى الشمال، حيث مكث في انتظار اقامته.
وبعد ثمانية اشهر، انتقل حاملا اوراقه الجديدة الى ستوكهولم وبدأ بتعلم اللغة السويدية وهو في الوقت نفسه يضاعف الوظائف الصغيرة لكسب عيشه ويقدم طلبات على وظائف بالانكليزية.
وفي نهاية المطاف استفاد من برنامج حكومي موجه الى حملة شهادات الدراسات العليا الاجانب ليحصل على دورة في شركة سبوتيفاي، الرائدة في مجال الموسيقى بالبث المستمر “ستريمينغ” على الانترنت.
ومنذ ايلول/سبتمبر 2013 تمنح السويد تلقائيا اللجوء الى السوريين ما ادى الى زيادة كبيرة في الطلبات. ويسجل هذا البلد اعلى مستوى من طلبات اللجوء بالمقارنة مع عدد سكانه، بحسب وكالة يوروستات.
وحصل اكثر من اربعين الف سوري على حق اللجوء في السويد منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل اكثر من اربع سنوات، بينهم 30 الفا عام 2014 وحوالى سبعة الاف منذ كانون الثاني/يناير هذه السنة، ما يضع السلطات في مواجهة تحد هائل لدمج الوافدين الجدد.
وتتكفل وكالة التوظيف منذ العام 2010 بتولي شؤونهم وهم يتلقون في موازاة ذلك دروسا في اللغة السويدية لتسهيل دخولهم سوق العمل.
وفي السويد تبقى نسبة البطالة بين الاشخاص المولودين خارج البلاد اعلى بمرتين منها بين الاشخاص المولودين داخلها.
لكن ان كان اللاجئون بصورة اجمالية لا يتمتعون بمستوى تعليمي عال ويواجهون عموما صعوبات لغوية في بحثهم عن عمل، فان وصول اللاجئين السوريين الاعلى تعليما يمكن ان يبدل هذا الوضع.
وقال يوهان نيلاندر من الوكالة الوطنية للتوظيف انه “منذ بدء النزاع السوري، نلاحظ زيادة متواصلة في مستوى الانتساب المدرسي بين الاشخاص المشمولين ببرامج التوظيف”.
وفي 2014 كان ربع اللاجئين من خريجي التعليم العالي، في زيادة بنسبة 4 بالمئة مقارنة بالعام 2013. وكان اكثر من ثلثي هذا العدد يتمتعون بالمواصفات الملائمة لتولي وظائف متوافرة.
والسويد التي تسجل تزايدا في متوسط اعمار سكانها، بحاجة الى عمال اجانب لسد النقص في اليد العاملة، بحسب نيلاندر.
ويقيم جورج زيدان (45 عاما) الصيدلي المتحدر من حماه بوسط سوريا، مع عائلته عند اصدقاء لهم في ضاحية ستوكهولم ويعمل متدربا في صيدلية محلية بانتظار المصادقة على شهادته.
ويروي “كان لدي صيدليتي طوال عشر سنوات، لكن قبل رحيلنا بقليل، لم يعد بوسعي العمل. كان الارهابيون يحيطون بقريتنا، كان هناك قنابل في الشوارع وحين نذهب للتبضع في المدينة، لم نكن ندري ما يمكن ان يحصل”.
وينتظر ما بين 200 و400 صيدلي سوري المصادقة على شهاداتهم ليتمكنوا من مزاولة مهنتهم في السويد التي تحتاج الى مهاراتهم مع اقتراب تقاعد ربع صيادلتها.
لكن اذا كانت شهاداتهم يمكن ان تساعدهم على الاندماج في بلد استقبالهم، الا ان ازمة المساكن تشكل عقبة كبرى في وجه اللاجئين.
وبعد عدة اشهر من حصوله على الاقامة التي تصدر في غالب الاحيان في غضون ثلاثة اشهر، فان اكثر من عشرة الاف شخص مرغمون على البقاء في مراكز استقبال او عند اقرباء واصدقاء لتعذر ايجاد مساكن.
وقال يوهان نيلاندر بهذا الصدد “ان فترات الانتظار الطويلة ‘لايجاد مسكن’ تؤثر سلبا على امكانية ايجاد وظيفة”.
وقال جورج زيدان بهذا الصدد “كل شيء سيسير بشكل جيد الان ان تمكنا من ايجاد سكن. نحتاج الى الاستقرار من اجل التركيز على العمل وتعلم السويدية”.