هاجر كنيعو
تتفاعل قضية قانون الإيجارات الجديد بشكل دراماتيكي بين المالكين والمسـتأجرين في صورة أقرب إلى ما يمكن تسميته بـ«قصة إبريق الزيت». إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل باتت الوسائل الإعلامية تشهد حرباً إعلامياً وسباقاً بين كل من الطرفين في إصدار البيانات وعقد الزيارات الرسمية التي تصب في خانة توسيع المؤيدين لموقف المالكين أو المستأجرين، هذا إذا ما حسبنا ثقافة «رشق الإتهامات» المتبادلة. لعلّ أخرها الزيارة التي قام وفد من نقابة وتجمّع المالكين لرئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في الرابيه منذ يومين شارحًا له «حالة التحريض التي يتعرّض لها المالكون من جماعة مغرضه يقوم بها أشخاص يدّعون تمثيل المستأجرين وهم من الأغنياء والميسورين الذين يدعون الى التمرّد ضدّ القانون الجديد النافذ للإيجارات». واعتبر عون بعد إستماعه الى شرح مفصّل من المسار التشريعي الذي سلكه القانون قبل وبعد نفاذه في 28 كانون الأول 2014 أنّ القانون نافذ. ولكن لنعد بالذاكرة إلى الوراء، فمنذ سنة تقريباً ، صدر في تاريخ 6 آب 2014 قرار المجلس الدستوري في شأن الطعن المقدم للمرة الثانية بقانون الايجارات الجديد المصوّت عليه بتاريخ 1 نيسان 2014 في مجلس النواب، وتضمن إبطالاً للمواد 7 و13 والفقرة ب – 4 من المادة 18، وردّاً للطعن في ما يتعلق بكل المواد الأخرى. هذا يعني من الناحية القانونية، إن ما يشاع عن تعليق العمل بالقانون لأن بعض مواده أبطلت ويجب اعادته الى مجلس النواب لاعادة النظر فيه غير صحيح إطلاقاً وما يُشاع عن تعطيل القانون بفعل إبطال هذه المواد كونها اساسية فهو أمر غير صحيح أيضاً بل هو ساري المفعول وفق ما أكد مدير الشؤون المالية والإدارية في مجلس النواب أحمد اللقيس لـ «الديار». إلا أن قانون الإيجارات بحسب اللقيس غير قابل للتطبيق «لاسيما أن المواد التي أبطلت لها صلة بمختلف نصوص القانون، بمعنى أن المواد تتعلق بإنشاء لجنة ذات طابع قضائي وإنمّا عملها إداري ، والتي أنشأها القانون للبت في النزاعات في شأن بدل المثل والفئة المستفيدة من الصندوق ، ومع إلغاء المجلس الدستوري للمادة 7 «التي تنص على ألية تعيين لجنة مؤلفة من قاض عامل من الدرجة الثالثة على الأقل أو قاض شرف رئيساً يسميه وزير العدل ، وعضو من وزارة المال بالإضافة إلى عضو من وزارة الشؤون الإجتماعية) ، فإن القانون حتماً باطل مع غياب هذه الألية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من القانون، وهذا ما أشار إليه المجلس الدستوري في قراره المتعلق بدستورية القانون والذي يحمل رقم 6/2014 الصادر بتاريخ 16-8-2014.
تنص المادة 3 من الإقتراح الرامي إلى تعديل قانون الإيجارات كما عدلته لجنة الإدارة والعدل على أن «يمسك لدى وزارة المالية- مديرية الخزينة-حساب خاص للإيجارات السكنية المشمولة بأحكام هذا القانون، يشار إليه في هذا القانون بالصندوق، ويهدف هذه الصندوق إلى مساعدة جميع المستأجرين المعنيين بهذا القانون الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري خمسة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للإجور..»، على ضوء هذه المادة ،إعتبر اللقيس أن في ظل عدم إنشاء الصندوق المذكور في بنود القانون، فأنه حتماً لا يمكن تطبيقه خصوصاً أن غالبية المستأجرين يحتاجون إلى تقديم طلبات للإستفادة من الصندوق.
أمّا الأبرز في هذا الأمر، أنه لوحظ في المادة 5 من التعديلات أن واردات الصندوق تتألف من:
-مساهمات سنوية من الدولة تلحظ في موازنة وزارة المالية لتغطية إلتزامات الصندوق.
-الهبات والتبرعات والوصايا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، وتنزل قيمة هذه الهبات والوصايا من المبالغ المتخذة اساساً لتحديد ضريبة الدخل المتوجبة ، كما تنزل من المبالغ المتخذة أساساً لتحديد رسوم الإنتقال، وتعفى من الرسوم المفروضة على الهبات.
تخصيص 1%.
هذه الطريقة في تغذية الصندوق وجدها اللقيس غير فعّالة لاسيما و أن الدولة اللبنانية في حالت إفلاس، ما يرتب عليها أعباء مالية إضافية. والحل برأيه لمنح الثقة بأهمية الصندوق، يكمن بتخصيص نسبة 1 % من عقود الإيجارات التي تسجل في البلديات لتغذية هذا الصندوق ، الأمر الذي يترتب عليه ثلاثة نتائج: إنقاذ الصندوق، إيجاد حل فعلي للمستأجرين ويعفي الدولة من الأعباء المالية مع إمكانية الإستعانة ببعض الهبات والتبرعات.
وفي العودة إلى إلغاء اللجنة المعنية بتحديد بدل المثل، إستنكر اللقيس بعض الأحكام الصادرة عن القضاة الذين باشروا في تنفيذ أحكام قانون الإيجارات الجديد، «ومنها على سبيل المثال ما جاء في الحكم الصادر عن القاضي طارق طربيه، الذي حسم الجدال في تولّي القاضي مهمات اللجنة التي أبطلها المجلس الدستوري في قراره الذي رد فيه مراجعة الطعن بالقانون وأبطل المادتين 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18 المتعلقة بإنشاء اللجنة»، معتبراً أن المشرع لو أراد أن يحلّ القاضي محل هذه اللجنة لكان نص على ذلك خاصة أن قانون الإيجارات هو قانون خاص ولا يجوز التوسع في تفسيره كونه يعالج وضعاً إستثنائياً.
وتأكيداً على هذا الأمر، هناك إقتراحات لتعديل قانون الإيجارات أنجزتها لجنة الإدارة والعدل لا تقتصر فقط على المواد المطعون بها، وإنما أضافت تعديلات لمواد أخرى لم يطلبها المجلس الدستوري منها المادة 5 والمادة 6 والمادة 8 وغيرها.هذا يعني براي اللقيس أن اللجنة وجدت ثغرات لم يتطرق لها المجلس الدستوري ومن المستحسن العمل على تعديلها بما يجعل القانون أكثر قابلية للتطبيق عملياً.
وحذر اللقيس من خطورة العودة إلى قانون الموجبات والعقود « ما لم يتوافق الفريقان على تطبيق القانون بعد إقرار التعديلات المقترحة من قبل لجنة الإدارة والعدالة، لأن عدم تطبيقه يعني العودة إلى قانون الموجبات والعقود وهو قانون سيولد أزمة إجتماعية خطيرة ويهجر ألالاف العائلات خاصة أن القانون الإستثنائي المتعلق بتمديد الإيجارات إنتهى مفعوله منذ العام 2012 ولم يتم تمديد العمل به بما يعني أن هناك فراغاً تشريعياَ تعمل المحاكم على مراعاة الأوضاع الإجتماعية وعدم البت بالقضايا المرفوعة إليها إستناداً إلى قانون الموجبات والعقود». فهل سنشهد حلاً لأزمة الإيجارات أما أن الخلافات ذات الأبعاد والمصالح السياسية والإقتصادية بين المالكين والمستأجرين ستفضي إلى كارثة إجتماعية؟!