ككلّ سنة، ينعكس حلول شهر رمضان خيراً على الأسواق التي تشهدُ إقبالاً واسعاً من المواطنين، فينكسر بذلك الجمود الذي يصيبها. لكنَّ هذه الحركة المصحوبة برفع أسعار المواد الغذائية نتيجةً لزيادة الطلب وجشع التجار، تضع الوزارات والجمعيات المعنية أمام مسؤوليتها في حماية جيوب المواطنين من الاستنزاف.
تبدأ عملية مراقبة الأسعار ومقارنتها، التي تنفذّها جمعية حماية المستهلك قبل أسبوعين من بدء الصيام، ومن ثم تعمل على مقارنتها أسبوعياً، على أن تتركّز هذه الجهود على الخضر، الفاكهة واللحوم.
ويقول وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ”النهار”، إنَّ “الوزارة تقوم بكل ما يجب لمنع رفع الأسعار خلال شهر رمضان بإعتماد خطة العام الماضي عينها، أي عبر عقد إتفاق شرف مع نقابات التجار ووضع خطة مراقبة، مع فارق صغير هذه السّنة، وهو تشديد المراقبة على بعض المناطق الشعبية وبعض المواد والسلع”.
ويضيف أنَّ الأرقام التي تمتلكها الوزارة “لا تُشير إلى أي ارتفاع يُذكر في الأسعار، خصوصاً أن إقفال طرق التصدير البرّي تُساعد في لجم ارتفاعها، وأي إدعاء آخر غير مقرون بأسماء التجار الذي يرفعون الأسعار وأماكن وجودهم، هو إدعاء بهدف المزايدة، ونحن كوزارة إقتصاد بالمرصاد لقمع أي مخالفة مهما كان نوعها أو مرتكبيها”.
ولدى الوزارة المرسوم الإشتراعي 73\83 الذي يُحدد ثلاثة أنواع من المراقبة، أولاً سقف للأسعار وهو ضعف سعر الكلفة، ثانياً الإحتكار والذي هو عبارة عن إخفاء البضائع لزيادة الأسعار، وثالثاً التلاعب بالأسعار، أي الإفادة من ظرف معين لرفع الأسعار لتحقيق أرباح غير شرعية. وفي كل حال، هناك عقوبات ينص عليها هذا المرسوم الإشتراعي. وهنا، يؤكّد حكيم أنَّ الوزارة ستحاسب كل من تسوّل له نفسه رفع الأسعار ولن تتهاون مع أحد.
وعندما سألت “النهار” عن عديد الوزارة وإذا كان كافياً للمراقبة على كل الأراضي، أجاب أنَّ “عديد مديرية حماية المُستهلك على الأرض هي بحدود المئة مراقب، وهذا العدد غير كاف للمراقبة على كل الأراضي، إلا أننا نعتمد بشكل أساسي على وعي المواطن لكي يتقدم بشكوى إلى مكتب الشكاوى عبر الخط الساخن 1739، والتطبيق “Consumer Protection Lebanon””. كذلك، يُمكن تقديم الشكوى على مواقع التواصل الاجتماعي للوزارة وفي مكتب الشكاوى في مبنى الوزارة. وكل شخص لا يجد تجاوباً من الوزارة أو تقصيراً في عمل موظفيها، فهو مدعو إلى المجيء إلى مكتب الوزير.
أما بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، فإنَّ اليوم الأول من شهر رمضان أظهر ارتفاعاً في الأسعار، خصوصاً في أسعار البقول (مكونات صحن الفتوش) التي وصلت الزيادة في أسعارها إلى ما بين 50 و100% فيما ناهزت الزيادة في أسعار الدجاج 28%، رغم ميثاق الشرف.
ويشرح برو لـ”النهار” أنَّ الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزي في أواخر نيسان الماضي، بيّنت أنَّ ثمن المواد الغذائية ارتفع 2,88% رغم انخفاض أسعار النفط وقيمة الأورو، مشيراً إلى أنَّ التجار ينفون الزيادة. وختم بالتأكيد أنَّ الجمعية ستواصل الضغط من خلال وسائل الإعلام، لتوجيه المواطن وحضّه على مقاطعة التاجر الذي يرفع أسعاره، في ظلّ إهمال الدولة شؤون المواطنين وانشغالها بأمور أخرى، على حدّ تعبيره.
في المقابل، يبرز رأي آخر يرى أنَّ الأسعار أصلاً مضبوطة، وأنَّ الفارق بين الإجتماع الذي عقده حكيم هذه السنة وتلك التي كانت تُعقد في الأعوام الماضية، هو أنَّ “الأجواء التضخمية” غائبة.
ويُخبر رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شماس “النهار”، أنَّ الارتفاع في أثمان المواد الإستهلاكية في أول أيام رمضان موجود في الدول العربية والإسلامية، لكن لن تبرز ملامح هذه الظاهرة في لبنان لأنَّ بنية الأسعار إلى انخفاض. ويرى أنَّ الخطر الحقيقي ليس ارتفاع أسعار المواد الإستهلاكية الذي يضرُّ بالمواطن، بل تراجعها، لأنَّ ذلك يعبّر عن ظاهرة مرضية تصيب الاقتصاد، بما يودّي إلى تآكل الهوامش التجارية وتالياً تدفع التجّار إلى إتباع سياسة تقشفية عنوانها الأبرز صرف موظفين إفرادياً أو جماعياً.
وإذا كان المطلوب استقرار الأسعار وتشدد الرقابة، يؤكّد شماس أنَّ التنافس بين التجار والوضع التجاري القاسي، عاملان كفيلان بالتزام هؤلاء “ميثاق الشرف”، وتالياً فرض رقابة ذاتية على أنفسهم.
أخيرا، في بيان أصدره الاتحاد العمالي العام، لفت إلى أنَّ بعض تجار السلع الأساسية الغذائية والاستهلاكية على أنواعها، انتهز زمن الصوم لتحقيق أرباح غير مشروعة، مطالباً وزارة الاقتصاد والوزارات المعنية بتعزيز أجهزة التفتيش ومصلحة حماية المستهلك والتشدُّد باتخاذ التدابير الصارمة الآيلة لمعاقبة المخالفين ومنع ارتفاع الأسعار.