IMLebanon

دخول لبنان معمعة الأزمات رسّخ المؤشّرات السلبية

EconomicFiguresStat

أمام دخول لبنان في معمعة الأزمات الداخلية والإقليمية بات من الطبيعي الحديث عن آثار سلبية يتعرّض لها الاقتصاد اللبناني وتأتي مسألة النمو في طليعة التحدّيات في المدى المتوسط.
وبحسب العديد من الدراسات والتقارير ومن بينها تقرير بنك عودة للفصل الأوّل تظهر أداء الاقتصاد بطيئاً ما يستتبع نموا بطيئاً كذلك الأمر.
نظراً للفجوة الكبيرة بين الناتج المحلي الفعلي والناتج الممكن تحقيقه، فإن لبنان بحسب تقرير بنك عودة قادر تقنياً على تكرار مسار النمو الاقتصادي المرتفع قبل أن يصل إلى الاستعمال الكلي للطاقات الإنتاجية، إلا أن ذلك يفترض أن تكون البيئة السياسية محلياً وإقليمياً حاضنة لهذا المسار. فما هي الركائز العامة لرفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من مستواه الحالي إلى نسب أكثر مؤاتاة تشكّل الحد الأدنى المطلوب لتأمين خلق الوظائف المطلوبة لدى القوى العاملة واحتواء الاختلالات الاقتصادية القائمة؟ من أجل تقييم ذلك لجأ التقرير إلى نموذج ماكرو – اقتصادي يدمج متطلبات القطاع الحقيقي مع متطلبات القطاع الخارجي ومتطلبات القطاع العام ومتطلبات القطاع النقدي ومتطلبات القطاع المصرفي.
أولاً، إن التحدي الرئيسي يكمن في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعفة الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي من 27% في العام 2015 إلى 32% في العام 2019، لترتفع بالتالي الاستثمارات الخاصة إلى 25 مليار دولار في الأفق، ما يترافق مع نمو سنوي في الاستهلاك الخاص بنسبة 9%. هذا وأن نمو الاستثمار من شأنه أن يعزز مكوّن العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلب خلق فرص عمل جديدة لإستيعاب أكثر من 30000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان. في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليصل إلى 20% مؤخراً.
ثانياً، على المستوى الخارجي، المطلوب هو تأمين نمو سنوي في الصادرات بنسبة 15% بعد التراجع الصافي في الصادرات على مدى السنوات الأربع الماضية. فعقب ازدياد ملحوظ في العجز التجاري خلال السنوات الأربع الماضية، تعود معضلة الحساب الخارجي إلى الواجهة، والتي فاقمتها العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات بمتوسط قدره 1.5 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية. عليه، وفي حين أن الأموال الوافدة لم تعد كافية لتغطية عجز الميزان التجاري، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحد من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 35% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه.
ثالثاً، إن متطلبات النمو الاقتصادي المرتفع تقتضي تأمين تحسّن تدريجي للبني التحتية الأساسية وذلك لملاقاة متطلبات نمو كهذا. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات كبيرة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. لقد بلغ الاستثمار العام في البنى التحتية في لبنان متوسطاً قدره 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي نسبة منخفضة جداً بالمعايير الدولية. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج الإجمالي لتصل إلى ما لا يقل عن 5% في الأفق، وذلك تماشياً مع متوسط الأسواق الناشئة بشكل عام. إن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة في هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية من دون إحداث ضغوط تذكر على وضعية المالية العامة في لبنان.
رابعاً، لا تزال أوضاع المالية العامة تشكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي طويل الأجل. فعلى الرغم من أن نسب المالية العامة لا تزال أقل من المستويات القياسية التاريخية، إلا أنها تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع المعايير العالمية، بحيث أن نسبة المديونية تصل إلى 134% وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، مع نسبة في العجز المالي العام تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي وهي بين العشر الأول في العالم. فنسبة العجز إلى الناتج في الأسواق الناشئة بلغت متوسطاً قدره 2.2% في العام 2014، في حين أن نسبة الدين العام إلى الناتج الإجمالي في الأسواق الناشئة وصلت إلى 34% في نهاية العام 2014. هذا التباين بين نسب المالية العامة في لبنان والمعايير المقابلة لها تؤكد بأن احتواء الانحرافات في أوضاع المالية العامة يعدّ جوهرياً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في لبنان، وضمان سيناريو الهبوط الآمن ودفع عجلة النمو الاقتصادي على المدى الطويل في القطاع الحقيقي للاقتصاد ككل. ان المطلوب على هذا الصعيد خلال السنوات الخمس المقبلة هو الحافظ على نمو طفيف في النفقات الجارية بنسبة لا تتعدّى 4٪ سنوياً، وذلك تماشياً مع معدل التضخم السنوي المرتقب، بالإضافة إلى رفع نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5٪ سنوياً. وذلك من نسبتها المنخفضة والبالغة 21.0٪ حالياً.
خامساً، على مستوى التمويل المصرفي، إن تحقيق المتطلبات المذكورة سابقاً يتطلب حداً أدنى من النمو في الإقراض المصرفي للقطاع الخاص بقيمة 5 مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، بالترافق مع تمويل احتياجات القطاع العام بحوالى 2 مليار دولار سنوياً. إن تحقيق مثل هذه الأرقام على صعيد التمويل المصرفي يتطلب نمواً في الودائع المصرفية بنسبة لا تقل عن 11% سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. من هنا، فإن تحليل المجاميع المقابلة للكتلة النقدية يُشير إلى الحاجة لأن تتحوّل العجوزات في ميزان المدفوعات إلى فوائض لدعم تحقيق نسب النمو المطولبة على صعيد الودائع المصرفية، مع ما يتطلب ذلك من زيادة سنوية في تدفقات الأموال الوافقدة بنسبة لا تقل عن 12٪ سنوياً بعد المراوحة النسبية على مدى السنوات القليلة الماضية.
إن تحليلاً دقيقاً لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تحفيز نسب النمو الاقتصادي بشكل يسدّ جزئياً الهوة بين الناتج الحالي والناتج الممكن تحقيقه ليس مستحيلاً من الناحية التقنية، غير أنه يتطلب تعزيز عامل الثقة بشكل عام بالتزامن مع عدد من الإصلاحات الهيكلية المرجوة.