تقرير رولان خاطر
الجمعة 17 تموز 2015، تنتهي مفاعيل العمل بـ”مطمر الناعمة”، في قضية يمكن تصنيفها بالكارثة الوطنية، لما تستتبعه من محاذير بيئية وصحية على المواطن، وعلى القطاع الاقتصادي والسياحي.
المشكلة في الظاهر تقنية، لكن في العمق تكمن في القرار السياسي والرغبة السياسية في استيلاد الحل الناجع لهذه المعضلة، التي غابت او غُيّبت عن مشهد الجلسات الحكومية إلى أن انضمت الحكومة إلى نادي التعطيل السياسي.
تصنيف المشكلة بطريقة موجزة يتمثل بغياب الرغبة السياسية في إيجاد مطامر تعالج كميات النفايات بطريقة حديثة وصحية. وامتناع الشركات عن تقديم المناقصات، يعود إلى هروب الدولة من مسؤولياتها، وتحميل المتعهدين وفق القرار رقم (1) مسؤولية إيجاد الأراضي اللازمة للمطامر، علما ان تحضير المطمر يحتاج أقله إلى سبعة أشهر، بالاضافة إلى أنّ المنطقة الجغرافية للمطمر دخلت هي أيضاَ في معركة التجاذبات السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فبعد بلدة الناعمة، تم رفض اقتراح إقامة مطر في منطقة “كوستا برافا”، من قبل اهالي بيروت والضاحية الجنوبية، وهو أمر ربما محق في غياب المعايير والشروط القانونية والصحية والبيئية المطلوبة لقيام المطمر، والخوف الذي يرافق المواطنين.
حتى ان مسألة الكنس والجمع، ولو أن دفتر الشروط الجديد، يلزم شركة “سوكلين” الإستمرار في أداء مهماتها لمدّة ستّة أشهر ريثما تصبح الشركات الاخرى جاهزة لتسلّم وظيفتها، إلا ان معضلتها الأساسية تبقى في عدم وجود مطامر تستوعب الكميات الكبيرة للنفايات في لبنان.
إذاً، مشكلة النفايات سياسية، أكثر منها تقنية، لعدم وجود رغبة لدى السياسيين لحلّها، كما يؤكد الخبير البيئي مازن عبود والخبيرة والناشطة البيئية فيفي كلاّب لـIMLebanon. فلو وضعت الخطة الوطنية المستدامة لانتهت معضلة النفايات خلال ستة أشهر.
وفيما اعتبر عبّود أن إعطاء البلديات التعويضات اللازمة والمحقة يساعد في حل مشكلة المطامر، معتبراً أن هناك العديد من المقالع والكسارات يمكن تأهيلها، شدد على ضرورة اتباع وسائل حديثة في عملية الطمر، والأهم خفض كميات النفايات المعدة للطمر، والأمر يتطلب خطة شاملة، وجدية من قبل الدولة وإبعاد الفساد والمحاصصة.
من جهتها، أكدت كلاّب أنّ الحل يكون بـ”اللامركزية” في النفايات. وهذا يعني مطمر لكل قضاء، ومعمل تسبيخ أو أكثر، وانتقاء مواقع المطامر بطريقة شفافية، تلتزم بالمواصفات المحددة بهذا الشأن، وبالتالي على أساس هذه المعايير البيئية المطلوبة يتم اختيار موقع المطمر الأقل ضررا للقضاء بين رؤساء البلديات والوزارات المختصة، وكل طرف يتحمّل مسؤوليته.
وبينما ينتقد عبود طرح وزير البيئة محمد المشنوق تصدير النفايات إلى الخارج كحل لهذه المعضلة، لأن لبنان برأيه يفتّش عن الوسائل لتصدير منتجاته للحصول على عملة صعبة، في حين ان تصدير النفايات يحتم الدفع بالدولار واليورو، مما يؤثر سلبا على الاحتياطي الموجود في مصرف لبنان بالعملة الصعبة. تؤيد كلاّب هذا المبدأ إذا تمّ بطريقة شفافة وواضحة، بغض النظر عن الكلفة، ولكن تصدير النفايات برأيها يتطلب سلسلة إجراءات، منها، فرز المواد العضوية لتسبيخها، فرز المواد الذي يعاد تدويرها. كما انه لا يمكن تصدير كل النفايات مجموعة، إذ يبقى نحو 20% من النفايات التي تحتاج إلى مطمر صحي.
وعملية التصدير كما أوضحت كلاّب تحتاج إلى توقيع معاهدات مع الدول المصدّر إليها، وهو أمر يأخذ وقتاً ودراسة.
مسألة حرق النفايات أمر مرفوض كلياً بالنسبة لكلاّب، لأنه عالمياً، كل الدول تترك المحارق وتتجه نحو الفرز والتسبيخ وإعادة التدوير. وكشفت ان الشركة الاستشارية التي اتت بها وزارة البيئة، والإنماء والإعمار، تؤكد أن “حرق النفايات ينتج عنها مواد سامة يجب معالجتها بطرق خاصة قبل التخلص منها، وعلى سبيل المثال يتم ترحيل هذه المواد السامة بعد معالجتها من كافة الدول الأوروبية إلى أماكن مخصصة لهذا الغرض في ألمانيا والنروج”، لأنه كما شرحت كلاّب ينتج عنها مادة “الديوكسين” وهي أهم مادة مسرطنة معترف بها من قبل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وبالتالي، في الدول الأوروبية تُنقل هذه المواد السامة إلى بلدين هما ألمانيا والنروج، فيما يبقى السؤال: “في لبنان إلى أين ستذهب الدولة بهذه المواد”؟.
يوافق كل من عبود وكلاّب على أن بعد 17 تموز هناك مشكلة كبرى أمام لبنان والمواطن اللبناني، وخصوصاً على المستوى الصحي والاجتماعي والاقتصادي. فبعد 17 تموز، ستمتلئ طرقات لبنان بالنفايات، وهذا يؤثر سلبا على صحة المواطن بالدرجة الأولى. فتفشي النفايات في الشارع سيساهم في تخميرها في بؤر، تبعث العديد من البكتيريا والفيروسات وانبعاثات الغازات، وتتحوّل إلى اماكن لتكاثر الجرذان والفئران وغيرها، وزيادة الحشرات الناقلة للأمراض المختلفة، خصوصا أننا في موسم حار، ما يزيد من أذيتها، فتتحول طرقاتنا إلى مكبات للنفايات، وهذه مشكلة كبرى.
ومن اوجه انعكاساتها السيئة، سياحياً واجتماعياً، وسياسياً، حيث يفقد لبنان صدقيته، ويتم ضرب الموسم السياحي، الأمر الذي ينعكس بدوره سلباً على القطاع الاقتصادي.
في سيناريو “أبوكاليبتيك”، أشارت كلاّب إلى انه في البلدان المتقدمة، فإن مسألة مماثلة يمكن ان تضع المسؤولين في السجن، أو أقله الاستقالة، أما في لبنان فحتى الشكوى على الدولة أو على مجلس الوزراء مرفوضة تحت حجة أنه سلطة تنفيذية. فالسخرية ان وزيرا مسؤولا وطاقماً سياسياً مسؤولا لم يعرض المشكلة والحلول لها طوال هذه الفترة.
لا يختلف اثنان أن الحلول الشفافة كما في كل الملفات، لن تجد طريقها إلى ملف النفايات. فكما يقول المثل “اللي جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب”. فالقرار السياسي غائب، السلطة التنفيذية مصادرة، ومصيرنا في النهاية، إما القبول بالعروض التي تطرح، أي معالجة مشكل النفايات بأغلى الأسعار وبوسائل سيئة، أو النفايات في الشارع، لكن السؤال يبقى، ألا يجب وقف تقاسم المغانم السياسية؟ الم يحن بعد الوقت لمحاسبة هذا “الكارتل” الفاسد من السياسيين؟ ومن المستفيد من دفع الأمور باتجاه “الأمر الواقع”؟.