لم يعد خافياً على أصحاب القطاعات الإنتاجية في لبنان، أنّ القوانين التي اعتُمدت والمواصفات القياسية التي أُنزلت والاتفاقات التجارية التي أُبرِمت منذ 1990 تصبّ جميعها في خانة استهدافها ودفعِها للإقفال. إنها حقاً مؤامرة حاكتها مؤسسات غربيّة بحجّة مساعدة لبنان على اعتماد الانفتاح الاقتصادي وسيلةً لغزو منتجاته الأسواق العربية والعالمية، بينما الهدف هو فتح الباب واسعاً أمام غزو المنتجات الغربية الأسواق اللبنانية والحلول محل الإنتاج الوطني.
لقد انطلت على المسؤولين اللبنانيين في وزارات الاقتصاد والصناعة والزراعة والمالية كذبة الانفتاح والعَولمة وسيلةً لدفع عجلة النمو واستقطاب الاستثمارات والتكنولوجيا. فجنّدت مؤسسات رسمية أوروبيّة وأميركية محاميات لبنانيات كي يأخذن في الوزارات المختلفة مراكز لوضع قانون حماية الإنتاج الوطني وقانون حماية المستهلك ولاعتماد المواصفات القياسية الأوروبية المستحدثة للمنتجات اللبنانية ولدفع السلطات الجمركية الى تخفيض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة الى الحدود الدّنيا وتمرير كل ذلك على مجلس الوزراء ثمّ مجلس النواب واعتمادها كقوانين ملزمة يصعب تعديلها.
لقد مرّ على مفاوضات لبنان للانضمام الى منظمة التجارة العالمية عشرون سنة من دون أن يتعدى عتبة العضو المراقِب، بالرغم من إصدار قانون حماية الإنتاج الوطني وقانون حماية المستهلك وتخفيض الرسوم الجمركية الى معدل يقرب من 5 في المئة. لم يصبح لبنان عضواً كامل العضوية في هذه المنظمة، لأنّ الولايات المتحدة الاميركية تضغط عليه لكي يُلغي الرسوم الجمركية على ما تبقى من رسوم حمائية لمنتجات قليلة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.
المؤسف المُبكي أنه تمّ تمرير قانون حماية الإنتاج الوطني وقانون حماية المستهلك على مجلس الوزراء ومجلس النواب وتمّت المصادقة عليهما من دون أن يدرس، لا مجلس الوزراء، ولا مجلس النواب هذين القانونين بعناية، وبوَحي من مصلحة لبنان واللبنانيين. يكفي أن من أعدّ هذين القانونين جهابذة مُعيّنون من قبل USAID والمفوضية الأوروبية ومدفوع أجرهم من قبل هاتين الهيئتَين. على المسؤولين أن يعوا أنّ ضياع 25 سنة في متاهات فذلكة العَولمة واقتصاد السوق قد جعلت من لبنان بلداً مستهلكاً غير منتج. ثمّ إنّ فرضية أن لبنان هو بلد سياحي منفتح ثبُت فشلها بظل الأزمات الأمنيّة المتلاحقة فخسرنا السياحة وخسرنا الإنتاج.
عليهم أن يُعيدوا النظر بكل السياسات العقيمة التي اعتمدوها وأن يلجأوا الى اعتماد رسوم جمركية فاعلة على كل المنتجات المستوردة والتي تنتج أو يمكن أن تنتج في لبنان.
عليهم أن يوقفوا العمل بكل اتفاقيات التبادل التجاري الحرّ واتفاقية اليورو متوسطية واتفاقية المنطقة الحرة العربية ويعتمدوا مبدأ حرية التجارة والمتاجرة بدل تكبيل لبنان باتفاقيات تبادل حرّ كون الأخيرة تجعل من لبنان بلداً مستهلكاً. لا بأس إذا ظلّ لبنان خارج منظـــمة التجارة العالمية لأنه لم يستفد ولن يستفيد من تخفيض الرسوم الجمركية تخفيضاً قاسياً لمراعاة شـــروط أعضاء المنظمة، بل توقّف عن تطـــوير قطاعاته الإنتاجية وقام بتصدير كفاءاته وطالبي العمل والرساميل الى خارج لبنان.
المهندس موسى فريجي