كشف الإشكال الفردي الذي اندلع في الساعات الماضية داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الواقع في منطقة صيدا جنوب لبنان، والذي ما لبث أن تحول إلى اشتباك مسلح استخدمت خلاله كل أنواع الأسلحة، حجم الاحتقان الذي يشهده المخيم مع تنامي نشاط المجموعات المتطرفة التي تمكنت الفصائل الفلسطينية من استيعابها طوال المرحلة الماضية، وخصوصا بعد اندلاع الأزمة في سوريا، في عام 2011.
ولم تنجح القوة الأمنية المشتركة، التي تضم عناصر من كل الفصائل، والمولجة تأمين استقرار المخيم منذ نحو العام، بالتصدي لتحرك أكثر من 150 عنصرا من الإسلاميين منتصف الأسبوع الحالي، مما أدّى لتوسع بقعة الاشتباكات مع مجموعات من حركة “فتح” وسقوط قتيلين و10 جرحى، بالإضافة إلى أضرار كبيرة في الممتلكات دفعت المدنيين إلى تحرك احتجاجي يوم أمس للمطالبة بالتعويض عليهم.
ولا يبدو أن التطور الأمني الأخير سيظل محصورا في مكانه وزمانه مع تأكيد جهات معنية داخل “عين الحلوة” تنامي نشاط وأعداد المجموعات المتطرفة على حساب تراجع دور القوة الأمنية المشتركة. وهو ما أكده العميد محمود عيسى (اللينو)، رئيس “التيار الإصلاحي” والمسؤول السابق لقوات الكفاح المسلح التابعة لـ”فتح” متحدثا عن “مخطط لإيقاع الفتنة داخل المخيم تنفذه مجموعات مشبوهة مرتبطة بجهات إقليمية”، متهما “الفصائل كافة ومن ضمنها (فتح) بالتخلي عن مسؤولياتها بحفظ أمن واستقرار عين الحلوة”.
وقال اللينو في حديث لصحيفة ”الشرق الأوسط”: “الحادث الذي بدأ فرديا يوم الأربعاء كشف عن نيات مبيتة أكد أن هناك من يسعى للعبث بالأمن”، لافتا إلى أن “عناصر (التيار الإصلاحي) تصدوا لتمدد الاشتباكات وعملوا على تطويقها، بخلاف القوة المشتركة التي لم تتدخل لفض الإشكال”. وأضاف: “هناك تراجع فاضح بدور هذه القوة التي صُرفت أموال وإمكانيات هائلة لتشكيلها وضمان استمراريتها، فإذا بها أشبه بديكور”.
وأوضح اللينو أن عناصر المجموعات المتطرفة باتوا ينتشرون في أكثر من 5 أحياء داخل “عين الحلوة”، بعدما كان وجودهم ينحسر في حيين رئيسيين، مؤكدا أن “عناصر” التيار الإصلاحي “سيتصدون للفراغ الذي تتركه القوة الأمنية المشتركة والفصائل من خلال التنسيق مع كل القوى الفلسطينية واللبنانية غير المشبوهة”.
وفيما فضّل قياديو “فتح” في المخيم عدم التعليق على المستجدات الأمنية، أكد قائد “الأمن الوطني الفلسطيني” في لبنان، اللواء صبحي أبو عرب لـ”الشرق الأوسط” أنّهم يعملون على “خط التهدئة”.
وأشارت مصادر مقربة من حركة فتح داخل “عين الحلوة” إلى “تنامي نشاط مجموعات من المتطرفين الذين تخطى عددهم الـ150 معظمهم من خارج نسيج المخيم”، لافتة إلى أن “تحول الإشكال الفردي في ساعات إلى اشتباكات مسلحة استخدمت خلالها القذائف والقنابل يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان قد حان الدور على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لتهجيرهم بإطار المخطط الذي يُستكمل تنفيذه في معظم بلدان اللجوء، لإنهاء القضية الفلسطينية؟!”. وقالت المصادر لـ”الشرق الأوسط”: “نحن نعي تماما أن القوة الأمنية المشتركة غير قادرة على القيام بالمعجزات، وأنها بمثابة أداة إطفاء لا أكثر، وهي تدخلت خلال الإشكال كقوة فصل لكنها لم تنجح”.
وأوضحت المصادر أن السبب الرئيسي للإشكال هو “تراكم الخلافات بعد تحويل (مصلى المقدسي) لموقع عسكري يرتاده مسلحون، ونتوقع أن يكون يتم فيه إعطاء دروس بالتحريض”، لافتة إلى أنّه “في البداية كان المصلى بمثابة مقر لمجموعة شبابية كشفية وقد تحول مع مرور الأيام لنقطة عسكرية”.
وأشارت المصادر إلى أن “القوتين الإسلاميتين الأساسيتين في (عين الحلوة) أي (الحركة الإسلامية المجاهدة) و(عصبة الأنصار) عبرتا عن استيائهما مما آلت إليه الأمور أخيرا، وتُعقد حاليا اجتماعات مكثفة ومفتوحة، وخصوصا من قبل اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا لاستيعاب الوضع”.
يُذكر أن قادة الفصائل الفلسطينية نجحوا طوال السنوات الأربع الماضية في تجنيب المخيمات اللبنانية الانجرار إلى آتون الحرب السورية، على الرغم من توجه عدد لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين للقتال هناك. وتوج هؤلاء نجاحاتهم قبل نحو العام بنشر 150 عنصرا مسلحا و50 ضابطا يمثلون جميع التنظيمات ويتولون حفظ الأمن في مخيم. إلا أن التحديات الأمنية عادت تطرق أبواب مخيمات الجنوب بعيد المعارك التي شهدتها مدينة طرابلس الشمالية في شهر تشرين الأول الماضي، بين مسلحين متطرفين وعناصر الجيش، وما حكي عن فرار عدد من الرؤوس الإرهابية الكبيرة إليها، وأبرزهم شادي المولوي والشيخ خالد حبلص وقبلهما الشيخ أحمد الأسير والفنان المعتزل فضل شاكر.
في سياق متصل، أبلغت مصادر فلسطينية صحيفة “الراي” الكويتية ان الإشكال الذي سرعان ما تطوّر الى اشتباك مسلح استُخدمت فيه القنابل اليدوية والقذائف يعود الى “قلوب مليانة” على خلفية استفزازات دائمة بين عناصر الطرفين، لكنه تطوّر لان عناصر “فتح” التي خاضت المعركة محسوبة على القائد السابق للكفاح المسلح الفلسطيني العميد “اللينو” فيما عناصَرَ الاسلاميون المتشددون من “جند الشام” و”فتح الاسلام” او ما يعرفون بـ “الشباب المسلم” من مجموعة “بيت المقدسي”، فخاض الجانبان الاشتباك بطريقة غير مباشرة ولكن عنيفة الى ان تم التوصل الى وقف اطلاق النار بعدما بذلت القوى الفلسطينية جهوداً حثيثة لانهائه حيث وجّه السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور وممثل حركة “حماس” في لبنان علي بركة، نداء عاجلاً لوقف النار.
وفي البُعد الآخر للاشتباك، فان المصادر الفلسطينية نفسها رأت فيه انتكاسةً أمنية مفاجئة وغير متوقّعة بعد الجهود السياسية التي كانت تبذل لتحصين الامن والاستقرار، وهو ما حوّل اول ايام شهر رمضان المبارك مأساة ضربت قيم التراحم وتناسي الخلافات والتكافل الاجتماعي، ناهيك عن ان الحادث جاء ليقوّض الجهود الفلسطينية لحماية المخيم باعتبار ان عين الحلوة هو رمز للقضية الفلسطينية وعاصمة الشتات، كما شكّل “ضربة” لعمل القوة الامنية المشتركة التي وقفت متفرجة، من دون التمكن من استيعاب الإشكال سريعاً واحتوائه.
وكشفت “الراي” ان مروحة اتصالات لبنانية سياسية وأمنية لم تتوقف مع القيادات الفلسطينية لتطويق الاشتباك، أبرزها مع قائد الامن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب، قائد القوة الامنية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح، نائب مسؤول العلاقات السياسية لحركة “حماس” في لبنان عبد الهادي، امير الحركة الاسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطاب، مسؤولي عصبة الانصار الاسلامية الشيخ ابو طارق السعدي والشيخ ابو شريف عقل، وان هذه الاتصالات أثمرت اتفاقاً على وقف النار وتمرْكز القوة الامنية المشتركة في طيطبا.
وتكشّف وقف النار عن سقوط قتيلين هما “الفتحاوي” محمود سميح، والمدني مهدي حسنة، وعشرة جرحى عرف منهم عبد سلطان وعثمان المصري وعلي زبيدات وماجد عثمان ومحمود الهنداوي وآمنة عويص ومحمد ابو جاموس.