في سوق “الشورجة”، أحد أعرق أسواق العاصمة العراقية بغداد، يقف العتال (الحمّال) عليّ متعجباً وهو يراقب حركة المارة والمتبضعين، التي تكاد تكون شبه متوقفة. حال السوق اليوم لم تكن نفسها في شهر رمضان من العام الماضي، قبل أن تبدأ الحرب بين القوات العراقية و”تنظيم داعش”، وعندما كان عمل عليّ مزدهراً، وهو يجر عربة خشبية لنقل بضائع المشترين، الذين يقبلون على شراء مستلزماتهم للشهر الفضيل قبيل قدومه وفي أول أيامه، الأمر الذي كان ينعش الأسواق وعمل علي بشكل كبير. ويقول علي لوكالة “الأناضول” إن “واقع سوق الشورجة مزر، والعمل شبه متوقف، ونشاط السوق يكاد لا يذكر مقارنة بالأعوام السابقة، فالوضع الأمني المتردي ألقى بظلاله على جميع مفاصل الحياة”. ولم يعد بإمكان عشرات التجار من محافظات شمال وغرب العراق التبضع من بغداد جراء سيطرة تنظيم “داعش” على مناطقهم، وانعدام الممرات الآمنة بين تلك المناطق، كما استنزفت الحرب، المستمرة منذ نحو عام، الكثير من الأموال، ما أدى إلى خفض الإنفاق الحكومي على دعم الفقراء. وتفاقمت الأزمة المالية في العراق، الذي يعتمد على إيرادات بيع النفط لتمويل 95% من النفقات السنوية، مع انخفاض أسعار النفط بنحو 50% مؤخراً، ما أدى إلى تراجع سعر الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية. أبو أسعد أحد المتبضعين في سوق الشورجة، يعتقد أن تراجع سعر العملة المحلية ترك أثرا بالغا في قدرة المواطنين الشرائية مقارنة بالعام الفائت.
ويقول: “تراجع القوة الشرائية للمواطن العراقي هذا العام يرجع إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، مما أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية بصورة عامة، لا سيما المستوردة منها”.
ويدلل على ذلك بقوله “قبل عام كنت أشتري بنفس المبلغ الذي أتبضع به اليوم ضعف الكمية من المواد الغذائية، أي أن القوة الشرائية للدينار انخفضت للنصف تقريباً، ولذا لم أستطع شراء إلا كميات تغطي نصف احتياجات عائلتي خلال رمضان”. وتقوم الحكومة العراقية بتوزيع مواد غذائية ضمن برنامج طبق منذ تسعينيات القرن الماضي عند فرض الحصار على البلاد، لكن السكان يشكون من تقلص محتويات السلة الغذائية ورداءتها. وبحسب أبو أسعد، فإن “الحصة التموينية التي توزعها وزارة التجارة للمواطنيين لا تسد رمق العائلة، وتفتقر إلى الكثير من المواد الأساسية، وتتأخر بشكل غير مبرر”. وكانت وزارة التجارة قد أعلنت في بيان لها أنها قدمت موعد توزيع حصة شهر يوليو/ تموز القادم إلى ما قبل رمضان لتخفيف العبء عن المواطن، قائلة إنها ستوزع 5 كغم طحين أبيض على كل عائلة عراقية، لمساعدتهم خلال رمضان، وللحيلولة دون ارتفاع الأسعار في السوق المحلية. وبدا أبو فرات من أكثر المتفائلين بين المتبضعين الذين التقتهم الأناضول في السوق، وهو يقول “نتمنى من الله أن يكون شهر رمضان خير وفرح ومسرة على كل العراقيين، وأن تنعم البلاد بالأمن والسلام”. ويرى أن “حركة البيع والشراء آخذة في التحسن شيئاً فشيئاً، على أمل أن تعود إلى سابق عهدها، لا سيما سوق الشورجة الشهير”. وبشأن أكثر السلع التي يقتنيها المواطنون في شهر رمضان يلفت أبو فرات إلى أن “أيام الشهر الكريم يكثر فيها طلب البغداديين على العصائر المتنوعة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في ساعات نهار رمضان، لا سيما في شهر يوليو/تموز”. ومن أبرز العصائر التقليدية التي ارتبطت بشهر رمضان وتحظى بإقبال واسع من العراقيين، عصير قمر الدين والمشمش المجفف، حيث يستخدم منقوعه كعصير بارد عند الإفطار، والزبيب (العنب المجفف) و(تمر هندي).