ناتاشا بيروتي
المياه شريان الحياة واساس وجود الانسان والحيوان والنبات ولولاها لما استطعنا العيش، الا انها في وقتنا الحاضر مهدّدة بسبب تعرضها لكثير من الأخطار كالتلوث والاستنزاف والتملح، ما يحتم علينا ضرورة الاهتمام بها وترشيد استهلاكها والعمل على تنميتها والحفاظ على مصادرها ومواردها.
اظهرت الدراسات التي صدرت حديثاً عن منظمات عالمية تعنى بشؤون المياه في دول العالم، ان هناك ازمة مياه عالمية تلوح في الافق بسبب التغيرات المناخية التي شهدها العالم أخيرًا، كالاحتباس الحراري والجفاف. وتوضح هذه الدراسات أن هناك عددًا من الأنهار الرئيسة قد تجف خلال الخمسين سنة القادمة، ومع تصاعد اعداد البشر ليصلوا الى تسعة مليارات في منتصف هذا القرن، ما يعني ان الازمة سوف تتفاقم.
فهل يدخل الشرق الاوسط عصر الحروب على الماء؟
تعتبر قضية الماء معقدة حيث ما زالت مورداً مجهولاً في كثير من جوانبه، فلا المخزون المائي تم تحديده بدقة ولا الخرائط رسمت لتوزيعه. فدول الشرق الاوسط تتشارك في موارد مائية 65% منها مصدره خارج حدودها. ما يؤكد ان توزيع مصادر الماء معضلة اقليمية اساسية .
يتفق عدد من خبراء البيئة على ان المياه في الشرق الأوسط قد تكون سبب الحروب المقبلة فهي كونها مورداً طبيعياً حيوياً وقابلاً للنضوب، ويُتوقع أن تشكل المياه السبب الأساس للحروب في المنطقة إبتداءً من العام 2025. ويعود ذلك لاسباب عدة منها، إنخفاض حجم المياه بنسبة 65 % بين العام 1960 والعام 2013، عدم الكفاءة في إدارة المياه، تآكل المنشآت المائية التي تساهم في هدر المياه بنسبة 50 % في المدن، وإستخدام المياه بشكل مُفرط من قبل بعض دول الخليج، وإمتلاك بعض الدول لمصادر المياه على حساب غيرها. .
اذاً بدأت مشكلة المياه في الشرق الأوسط تتخذ حيزاً مهماً من إهتمامات دول المنطقة مع زيادة عدد السكان في هذه المنطقة وزيادة نسبة الهجرة إلى المدن اضافة الى المناخ الصحراوي في بعض الدول. ومن المتوقع أن يقل حجم المياه الصالحة للإستهلاك بنسبة 80% في العام 2025 نسبة إلى العام 1960 (من 3400 م3 إلى 600 م3 للشخص الواحد سنوياً) والسبب يختلف بين بلدان الشرق الأوسط.
وبالتوازي هناك هدر بنسبة 40% يأتي من طريقة الري في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الهدر سببه قلة سعر المياه المُستخدمة في الري في معظم دول المنطقة ما يدفع الدول والمستهلك إلى الإستخفاف بمشكلة الهدر.
اضافة الى الصرف المُفرط لاستهلاك المياه من قبل سكان بعض الدول، كبلدان الخليج العربي حيث إكتسب المستهلك نمط صرف في الماء يفوق البلدان المُتطورة. وغياب سياسة وقف هدر المياه وترشيد إستهلاكها زاد الموقف تعقيداً.
كل المؤشرات تنذر بخطورة الوضع وتفاقم الازمة ما يزيد من احتمال دخول الشرق الاوسط عصر الحروب على الماء في السنوات المقبلة ما دام الوضع على حاله، خصوصاً وقد اثبتت السوابق واكدت صحة هذا المنحى منذ مطلع الالفية الثالثة حيث كادت العلاقات تتأزم بين تركيا وسوريا بسبب مياه الفرات، وكذلك الحال بين اثيوبيا ومصر بسبب مياه النيل، ناهيك عن ان اسرائيل لا تخفي مطامعها في مياه لبنان، وهذا ما اكده حاييم وايزمان اول رئيس اسرائيلي عام 1919 خلال مؤتمر الصلح في باريس بقوله « ان مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يعتمد على مواردها المائية والقوة الكهربائية، وتستمد موارد المياه بصورة رئيسية من منحدرات جبل حرمون ومن منابع الاردن والليطاني».