زياد الدباس
تدفقت السيولة على سوق الأسهم السعودية وأدت إلى ارتفاعات قياسية في مؤشرات أدائها فور بدء العمل بقرار فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في 15 حزيران (يونيو)، وساهمت هذه السيولة وغالبيتها مضارِبة في ارتفاع كبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة، فزاد مضاعَف الأسعار نحو 20 ضعفاً ليصبح الأعلى والأغلى في أسواق المنطقة. وتجاوزت أسعار أسهم العديد من الشركات نتيجة المضاربة على أسهمها، قيمها العادلة وتخطى مؤشر السوق حاجز 10 آلاف نقطة وهو أعلى إغلاق للمؤشر خلال ست سنوات.
وكعادتها في أي سوق، لن تدخل سيولة الاستثمار الأجنبي السوق السعودية في شكل عشوائي وغير مدروس، خصوصاً أن غالبيتها سيولة غير ساخنة، وبالتالي سيكون الدخول تدريجياً ومستنداً إلى دراسات وبحوث وبعد وقت كاف لتقويم السوق. ولذلك كان تراجع مؤشر السوق خلال الأيام التالية متوقعاً وغير مفاجئ نتيجة ضعف الأموال التي تدفقت على السوق ومحدوديتها. ويفضل الاستثمار الأجنبي المؤسسي الاستثمار في الأسواق والشركات المدرجة في مؤشرات «مورغان ستانلي» لذلك لم تكن توقعات انتقال بعض سيولة الاستثمار الأجنبي من أسواق الإمارات وقطر إلى السوق السعودية دقيقة باعتبار أن هذه الأسواق مرتبطة بمؤشرات «مورغان ستانلي».
ويُتوقَّع أن تنضم السوق السعودية إلى مؤشرات «مورغان ستانلي» في منتصف عام 2017، ولا شك في أن السماح للاستثمار الأجنبي بالاستثمار المباشر في السوق السعودية سيساهم في تعزيز الاستثمار المؤسسي في السوق، فسيولته لا تتجاوز اليوم 15 في المئة من إجمالي السيولة في السوق. وسيرفع تعزيز هذا الاستثمار كفاءة السوق ويحسّن مستوى الشفافية والإفصاح والحوكمة ويحد من تقلبات السوق ويضاعف عدد البحوث والدراسات والتقويمات بما يعزز نضج القرارات الاستثمارية للمتعاملين في السوق، فالاستثمار الأجنبي استراتيجي وله سياسات منضبطة في التعامل مع الأخطار واستثماراته مستقرة ولديها آفاق طويلة.
والسوق السعودية ليست في حاجة إلى السيولة لكن السلطات في المملكة تسعى من وراء الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية المؤسسية في السوق إلى تحقيق مزيد من الكفاءة والفاعلية والنضج للسوق والخروج من النطاق المحلي إلى المستوى العالمي، خصوصاً أن السعودية عضو في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم. ويُتوقَّع أن يساهم التحول إلى المعايير الدولية في رفع جودة الإفصاح وجذب استثمارات دولية إضافية، كما يُتوقَّع دخول مؤسسات مالية دولية إلى السوق السعودية بخبراتها العالمية المكتسبة من الأسواق العالمية، بما يساهم في انتقال الخبرات الاستثمارية والفنية المختلفة إلى السوق السعودية.
ويُرجَّح أن تبادر شركات التصنيف الائتماني الدولية إلى تصنيف الشركات القيادية في السوق بما يعزز الشفافية ويدعم زيادة رؤوس أموال الشركات المساهمة العامة وتنويع الأدوات الاستثمارية لاستيعاب السيولة الكبيرة التي ستتدفق على السوق خلال السنوات المقبلة. ويعزز الاستثمار الأجنبي الثقة في الاقتصاد ويساعده على إيجاد لاعبين جدد.
وجاء توقيت السماح للأجانب بالاستثمار المباشر في السوق السعودية برأي مراقبين بعد تقويم الجهات الرقابية السعودية هذه التجربة في الأسواق الخليجية والعربية والتأكد من جدواها، علماً أن السوق السعودية هي أكبر سوق خليجية وعربية سواء لجهة قيمة السوق أو حجم التداول أو عدد المستثمرين. وسيؤدي فتح السوق أمام الاستثمار الأجنبي إلى جعلها وجهة أكثر انتشاراً بين المستثمرين الدوليين. قبل تطبيق القرار، كان لا يُسمح للأجانب بشراء الأسهم السعودية إلا من خلال صفقات مقايضة تجريها مصارف استثمار دولية ومن خلال عدد محدود من صناديق المؤشرات، علماً أن الحكومة السعودية سبق وسمحت للأجانب المقيمين على أرضها بتملك 20 في المئة من رؤوس أموال الشركات المدرجة، إلا أن نسبة تملك الأجانب في السوق لا تتجاوز حالياً أربعة في المئة.
وللاستثمار الأجنبي أخطار، فأمواله ساخنة تخرج وتدخل بسرعة وبمبالغ مالية كبيرة وفي أوقات غير متوقعة ما قد يساهم في ارتفاع قيمة الأصول في صورة غير مبررة بما يوجد ضغوطاً تضخمية من خلال زيادة الطلب الكلي الذي قد يؤدي إلى تكون أزمات تؤثر سلباً في الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي. والأزمات المالية التي تعرضت لها النمور الآسيوية عامي 1997 و1998 أدت إلى ثمن باهظ وفاقمت التخوف من الاستثمار الأجنبي وأخطار الأموال الساخنة التي عرف عنها أنها أخطر مسببات تشكيل الفقاعات السعرية وهروبها مخلفة وراءها كوارث مالية واقتصادية.
لكن الجهات الرقابية السعودية وضعت القواعد الكفيلة بحماية السوق والاقتصاد من أخطار كهذه، إضافة إلى أخطار الارتباط بالأسواق العالمية بعد السماح للأجانب بالاستثمار في السوق. والاستثمار الأجنبي المؤسسي يرى في السوق السعودية فرصاً استثمارية مهمة في العديد من القطاعات الاقتصادية وفي مقدمها شركات البتروكيماويات وشركات الصناعات المختلفة في ظل اقتصاد قوي وضخم ومتنوع ويحقق نمواً متميزاً باعتباره أكبر مصدر للنفط في العالم مع انخفاض كلفة الطاقة والإنفاق الحكومي الكبير والفوائض المالية الضخمة والكتلة السكانية التي تشكل قاعدة طلب جذابة للشركات.
كل هذا يعزز جاذبية أسهم الشركات المدرجة في السوق السعودية وعددها 166 شركة وهي حققت نمواً متواصلاً خلال السنوات الست الماضية مع تحقيقها تدفقات نقدية حرة متنامية وتوزيعات أرباح يتجاوز متوسطها ستة في المئة، وهكذا يتميز مؤشر السوق السعودية الذي ارتفع بنسبة تجاوزت 20 في المئة خلال هذا العام، بتنوع كبير في شركاته وقطاعاته.