راوَحت الأزمة الحكومية مكانها على رغم التعويل بأن تشَكّل أجواء شهر رمضان فرصةً لتزخيم المساعي لإعادة عجَلة العمل الحكومي إلى الدوران، بفعل تمسّك «التيار الوطني الحر» بأولوية إقرار التعيينات العسكرية والأمنية. وتترقّب الأوساط ما سيُعلنه رئيس تكتّل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون من مواقف تصعيدية اليوم وغداً.
وقد انكفَأ النشاط السياسي أمس وغابت المواقف والتحرّكات، وساد الترَقّب في انتظار خطوةِ رئيس الحكومة تمّام سلام المقبلة بعد تصاعدِ الدعوات الى ضرورة أن يمارس الصلاحيات التي يَمنحه إياها الدستور بدعوةِ مجلس الوزراء إلى الانعقاد وتحديد جدوَل أعماله.
واعلنت مصادر سياسية مطّلعة لصحيفة “الجمهورية” أنّ الاتصالات التي جرَت في الأيام الماضية لإحياء الاجتماعات الحكومية لم تصِل إلى أيّ نتيجة إيجابية على رغم الأجواء التي أوحَت بها عين التينة والسراي الحكومي على خلفيّة إصرارهما على حماية الحكومة بالحَدّ الأدنى من تضامنها الهَشّ المهَدّد في أيّ لحظة تَخَلٍّ.
وكشفت “الجمهورية” أنّ سلام غادرَ بيروت بعد ظهر الجمعة في زيارةٍ خاصة إلى الخارج، في عطلة تمتدّ أقلّه حتى مطلع الأسبوع.
وعليه، نُقِل عن أحد العاملين على خط الاتّصالات قوله “إنّ المشاورات في إجازة والدعوة إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء في جيبِ رئيسِها فقط” .
في غضون ذلك، توَقّعَت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” أن لا يدعو رئيس الحكومة طوال شهر رمضان إلى جلسة لمجلس الوزراء، وأن تُستأنَف الجلسات بعد عيد الفطر. وكشفَت أنّ وزير “حزب الله” محمّد فنَيش الذي زارَ سلام مطلعَ الأسبوع طلبَ إعطاءَ مهلة شهر رمضان للاتصالات واعداً بالعمل على إيجاد مخرج للأزمة الحكومية للوصول إلى نتيجة إيجابية.
وتحدّثت المصادر في المقابل، عن رأيٍ ضاغط على رئيس الحكومة يناديه بعَقد جلسة لمجلس الوزراء بَعد استنفاد المهلة التي يَراها مناسبة لإجراء المشاورات والاتصالات وعدم الرضوخ لتعَنّت فريق سياسي، كون البلد لا يَحتمل تأجيلَ ملفات وبنود ضاغطة، في اعتبار أنّ أيّ جلسة ستُعقَد متوافرة فيها المعايير الدستورية والميثاقية وتراعي مقدّمةَ الدستور القائلة بأن لا شرعية لأيّ سلطة تناقِض ميثاقَ العيش المشترك، وفي حال غياب وزراء “التيار الوطني الحر” أو مقاطعة الطرَف أو الأطراف التي ستؤازره، فإنّ نصاب الثلثين مؤمّن بعَقد أيّ جلسة، كذلك إنّ مراعاة المكوّنات الطائفية موجود.
صحيفة “السفير” قالت إن واقع الأزمة الحكومية يبدو بالغ التعقيد، ولا حلول في الأفق، في الوقت الذي بات فيه الخطر داهما من توقف الانفاق العام للدولة.
وبينما اعلن وزير المال علي حسن خليل، في اتصال مع “السفير” من بطرسبورغ، انه سيعمل لدى عودته الى لبنان على محاولة ترتيب الوضع المالي للدولة خصوصا في ظل الاستحقاقات الداهمة وأبرزها دفع رواتب موظفي القطاع العام، اوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ”السفير”، انه لا يستطيع صرف رواتب الاجراء العاملين في وزارته لعدم توافر الاعتمادات المالية، بسبب عدم انعقاد جلسات مجلس الوزراء، محذرا ايضا من ان رواتب كل موظفي الدولة مهددة بالتوقف ايضا في ايلول المقبل ان لم يجد العقلاء حلا للازمة الحكومية.
وقال: “إن الدولة هي اكبر مصدر للانفاق العام، واذا توقفت عن دفع الرواتب وعن الانفاق في المجالات التي تنفق فيها، فهذا يعني شل الحركة الاقتصادية والمالية في البلد، ويُخشى ان يعلن لبنان ساعتها دولة مفلسة دوليا”.
ورأى ان الاكثرية الوزارية هي مع استئناف الجلسات وترفض تعيين قائد جديد للجيش قبل انتخاب رئيس للجمهورية، مشيرا الى ان التصعيد في الشارع مستبعد، الا اذا وجد العماد ميشال عون فريقا سياسيا اخر يدعمه في النزول الى الشارع.
وتذهب مصادر في فريق 14 اذار، الى التأكيد ان الافق مقفل في لبنان ولا حلول قريبة مرتقبة سواء على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية او الازمة الحكومية او انعقاد المجلس النيابي قريبا. لكنها تعول، في المقابل، على موقف الرئيس نبيه بري، الذي عندما يقرر تجاوز الاعتراضات على عقد جلسة للحكومة، ستعقد جلسة ولو يتيمة بمن حضر من مكونات، وهي كافية لتوفير اكثرية دستورية عددية للجلسة واكثرية ميثاقية وطائفية لانعقادها.
وتوضح المصادر ان الخط الاحمر الذي سيقف عنده بري هو خطر الوضع المالي للبلد وللدولة، فعندما يصل الوضع الى مرحلة الخطر الذي يهدد استمرار مؤسسات الدولة، سيعطي اشارة الموافقة على انعقاد الجلسات، ولو لجلسة وحيدة تقر بعض المسائل الحيوية التي تؤمن استمرارية المرافق العامة ومنها رواتب الموظفين والانفاق العام للدولة.
في المقابل، تؤكد مصادر وزارية في 8 آذار ان التهويل بمخاطر اقتصادية أو مالية او امنية لن يغير في جوهر الازمة شيئا، وهو تحقيق مشاركة كاملة لفريق سياسي وطائفي وازن في البلد.
وتضيف: “صحيح ان البلد يعاني ازمة مالية من ضمن ازمات حقيقية كثيرة، لكن هذه سببها شغور موقع الرئاسة وتعطيل المجلس النيابي، وما يحصل الان هو نتائج وليست مسببات، وكان يمكن تلافي مشكلة تغطية الانفاق العام لو لم يعدل الفريق الاخر قانون الانفاق الذي اقره المجلس النيابي بخفض عشرين في المئة من قيمة مبلغ الانفاق الذي حمله وزير المال الى الجلسة (قبل نحو سنة)، وكان كافيا لو اقر كما هو لتغطية كل نفقات الدولة حتى نهاية العام وليس حتى ايلول فقط”.
وإذ تقر المصادر أن بإمكان الرئيس بري تغطية جلسة حكومية ميثاقية، لكن ليس في حالة الحكومة الحالية التي تقوم مقام رئيس الجمهورية في ظل شغور موقع الرئاسة، وهذه مسألة يجب ان يتنبه لها الجميع، لذلك من الصعب ان تعقد جلسة في غياب مكونات اساسية تشكل جزءا من صلاحيات الرئيس.